سرقوا الجامع ويوم الجمعة!
🖊️ علي أحمد
مقولة شهيرة للمفكر الليبي الجهبذ الصادق النيهوم في وصف الصحافة في منطقتنا المكلومة، يقول فيها: “الصحفي في عالمنا العربي مثل شاعر القبيلة قديمًا؛ يذبح له المرء خروفًا، ويعطيه عظمة الفخذ، ويسقيه جرة ماء، ويتركه يمتدحه حتى يطلع النهار.”
للأسف، رحل النيهوم عن دنيانا قبل أن يرى حال رجال الدين، وأئمة الدين في بلادنا، الذين لا يحوجونك إلى عظمة فخذ، كما هو الحال مع الصحفيين، بل إنهم، دون أي عظمة فخذ، وبحفنة قليلة من الجنيهات لا تتعدى ثمن طبق فول بالزيت الرديء، مستعدون لأن يصوّروا لك الشمس وهي تأتي من المغرب لا من المشرق، أو من أي اتجاه حسب الطلب، طالما ملأتَ لهم بطونهم. وللدين ربٌّ يحميه.
وشاهدي ودليلي على خِسَّة، ورُخص، وحَقارة أئمة الدين الكيزان الكَذَبة، موجود في منشور صادر عن الإدارة العامة للشؤون الدينية بمحلية كرري (أم درمان)، حيث يسيطر الجيش دون جدوى، فما يزال عاجزًا عن حماية مقراته، ناهيك عن حماية المواطنين.
والوثيقة أنظر الصورة المرفقة عبارة عن أمر وتوجيه لأئمة المساجد بالمحلية بشأن توحيد خطبة الجمعة ابتداءً من الأسبوع الماضي، بحيث تحل المساجد محل ادارة التوجيه المعنوي للجيش، وتصبح مصانع لانتاج علامتها التجارية الوحيدة: بل بس، بعد وضع كلمة حلال على غلافها!
إنه الذبح على الطريقة الإسلامية.
ليس هذا هو المؤسف والمضحك وحده، إذ لم ينسَ المنشور أن يتقدَّم في ديباجته بالشكر والتقدير للأئمة، من رئيس اللجنة العليا للتوجيه المعنوي بقاعدة وادي سيدنا العسكرية، ونائبه، وأعضاء اللجنة، على وقفتهم مع القوات المسلحة في معركة (الكرامة) بالإسناد، والتوجيه، والدعاء. حقيقة، ضحكت وأنا أقرأ هذا الهراء، فما هي علاقة التوجيه المعنوي والقواعد العسكرية بالشؤون الدينية؟ وهل تبلبس الدين واستنفر مع البلابسة والمستنفرين، وأصبح بلبوساً ومجنداً في صفوف الجيش؟ كيف؟ ومتى؟ ومن ممثله وناطقه الرسمي؟
إذًا، نحن أمام نسخة مسلحة قديمة جديدة من الدين، مضادة للعقول، وأمام دين بيرقداري يتلقى أوامره من القواعد العسكرية. وإذاً، بل مؤكد، أنهم قد عادوا إلى ضلالهم القديم، ولم يتبقَّ حتى تكتمل الصورة الحزينة القديمة سوى مشهد الغزالة، التي كانت تأتي لهم في حربهم (الجهادية) السابقة بجنوب السودان، لتطلب من المجاهدين أن يأكلوها، وتظهر هذه المرة مع مصباح البراء، فيذبحها بسكينته الطويلة المجربة على أعناق الأبرياء العزّل، ثم يطبخها ويأكلها، فيُخرجنا من دُبُر الوزة الذي نحن فيه، و يُدخلنا إلى دُبُر الغزالة أو كما جاءت في نطقها الشعبي البذيء والجميل.
كنا نعرف منذ البداية أن هذه الحرب، منذ يومها الأول، هي حرب الكيزان، وظللنا نحذّر من الذين يسمّون أنفسهم رجال الدين، وهم طائفة من الأغبياء فطرة، والمهووسين والغوغاء والجهلاء، والفاسدين جداً ، لأن أقرب طريق إلى سرقة السلطة في بلادنا هو منابر المساجد، حيث الضحك على الذقون، والبكاء عليها، ودغدغة مشاعر العوام والبسطاء، فأصبحنا بفضلهم على ما نحن عليه الآن: أسوأ أمة أُخرجت للناس
لا يزال فينا من يصدق أن هذه الحرب هي حرب عرب الشتات القادمين من صحراء مالي، والنيجر، وتشاد، المموَّلين من دولة الإمارات لسرقة موارد بلادنا، إضافة إلى كثير من السرديات السخيفة والكاذبة، التي تتناقلها فئة ليست بالهيّنة من المواطنين، وهؤلاء هم من يسمَّون الآن بـ”البلابسة”.
وقد لعب أئمة المساجد دورًا كبيرًا وخطيرًا في نسح وتزييف هذه الروايات الزائفة، وهم أنفسهم من سيجدون المبررات والمسوغات للتنكيل بهؤلاء البلابسة بنفس هذه الطريقة في دولتهم القادمة، التي يؤسسون لها بالغدر، والذبح، والكذب. حينها، لن يجدوا من يتعاطف معهم، لأنهم وضعوا أنفسهم في مقدمة المدافعين عن عودة الكيزان إلى السلطة، وعليهم تحمّل تبعات اختياراتهم، عندما يصبحون هدفًا رئيسيًا لأئمة الضلال في منابر الضرار.
لقد دمروا بلادنا وقتلوا شعبها .. وسرقوا منا جوامعنا ويوم جمعتنا .. قاتلهم الله.
المصدر: صحيفة الراكوبة