سردية السلام لمناهضة الحرب وخطاب الكراهية
سردية السلام لمناهضة الحرب وخطاب الكراهية
خالد فضل
الجلسة الحوارية تلك التي تمّ الإعلان عنها، مهداة إلى روح د. الباقر العفيف؛ الذي أمضى حياته القصيرة بحساب السنوات، الحافلة في مضمار صالح الأعمال، أنفقها حتى آخر الرمق من أجل خدمة إنسان بلده في أرفع المجالات، الدفاع عن حقوق الإنسان مبتدأ وخبر، داعياً للسلام مناهضا للحرب وخطاب الكراهية، ما أدخر جهداً وفكراً ونشاطاً من أجل تحقيق تلك الغايات النبيلة فكان رحيله مرّاً بحجم الفقد والخسارة على المستوى الأسري والوطني والإنساني، لكن لم يمت من علا ذكره، وصحّت رؤيته ونضج فكره وسلم وجدانه وخلّف إرثاً باقياً مدى الحياة، رحمة الله تغشاه وغفرانه يكلل روحه براح ونعيم مقيم عند مليك مقتدر.
سردية السلام لمناهضة الحرب وخطاب الكراهية، حوار بمشاركة قامات وطنية فكرية وسياسية وإعلامية وإبداعية ملهمة، د. فرنسيس دينق، د. عبد الله أحمد النعيم، أزهري محمد علي، د. جمعة كندة، وزميلتنا رشا عوض، موعدها الأحد 3 فبراير 2025م، السابعة مساء بتوقيت السودان، الثانية عشرة ظهراً بتوقيت شرق الولايات المتحدة، إنّهم أهل رأي وفكر واستقامة، وأصحاب إسهام وطني وفكري غير منكور، يحملون همّ بلادهم ومآسي شعبهم ويواصلون مشوار العطاء، مناهضةً للحرب القذرة، دعوة للسلام المستدام، نبذاً لخطاب الكراهية وأفعال الحقد والانتقام.
لقد بات بلاء الحروب المستمرة داءً مزمناً في بلادنا، نشأت أجيال متعاقبة منذ الاستقلال لم تهنأ بالسلام والعدالة والحرية، لم تنل في الوطن حقها الإنساني الأساسي ناهيك عن بقية الحقوق، تاريخنا الوطني تكلله العذابات والجراحات، نحتاج إلى جمّة من لهاث الماراثون المضني الذي قطعه شعبنا بحثاً عن النجاة، والحرب مبتدؤها كلام؛ مما أصطلح عليه بخطاب الكراهية.
والحرب تنشأ أول ما تنشأ في العقول قبل أن تأتمر الأصابع فتدوس على الزناد، كيف ننقي العقول من الحروب، حتى تكف عن إنتاج الخطاب المؤجج للنزاع، وتمتنع عن إصدار الأوامر بإطلاق النار. كيف يصفى الوجدان ويسلم الجنان، فيرى الحياة جميلة، تلك مهمة عسيرة وشاقة ولكنها ليست مستحيلة، وأولي العزم والفكر والإبداع من قادة المجتمع ورواده يختبرون في ساعة المحنة، نحن بحاجة فعلاً إلى أفكار ملهمة، مقولات حكيمة تتجاوز عطن الراهن وتستشرف آفاقاً مغايرة.
في الحياة أوجه كثيرة تفيض عافية ونماء، وفي العالم نماذج مضيئة وهادية للاستقرار والازدهار، كيف نعزز قيم الحياة الرائعة، نلفت الإنتباه إلى صور العيش البديعة، لتقرّ في الأفئدة قيم ومبادئ الإخاء الحرية والمساواة، كيف نخطو إلى الأمام ولكل فرد إسهام، كيف نحول الوطن من مساحة ضيقة معتمة بأدنى انتماء إلى براحات واسعة خضراء يانعة، ما الذي يضير إنساناً سويّاً أو يسبب له ألماً عندما يتمتع جميع أفراد مجتمعه بحقوقهم الإنسانية كاملة، ما الذي ينقص من قيمة الفرد إنْ تساوى قدره وحقّه مع الآخرين وصار ميزان التفوق فقط بحجم العطاء لصالح الجميع.
إنّ الأشخاص الذين يحوزون على جوائز نوبل في مختلف المجالات وفي كل عام، ينالون ذلك التقدير العالمي الرفيع نتيجة عملهم وجهدهم من أجل مجتمعاتهم المحلية أو منجزاتهم العلمية الكونية فيستحقون احترام البشرية، فلماذا يكون حضورنا في المحافل العالمية طلب المثول أمام المحكمة الجنائية الدولية، أ ليس ذلك مما يشكّل وصمة عار إنْ تأملنا بروية.
وفي بلادنا مساحات تفوق 200 مليون فدان صالحة للإنتاج الزراعي بشقيه النباتي والحيواني، المستغل منها لا يتعدى 25% فقط، فهل الرشد والحصافة في توزيع السلاح لنقتل بعضنا بعضاً بدوافع هلامية وخطط شيطانية أم الحكمة تقتضي تخطيط المشاريع وتوزيع الأفدنة لتفلحها السواعد الفتية ,هل الأنفع تعبئة المليشيات للقتل والسلب والنهب والتدمير والإبادات، هل الحياة أفضل وأجمل وأنبل تحت قعقعة الرصاص وأزيز الطائرات المغيرات والدانات المتفجرات أم فضاءات العيش أكرم وسط الحقول اليانعة والزهور المتفتحة والحظائر الغنية والموارد السخية وسبل العيش الرخيّة، لماذا تتحول الثروات عندنا من نعمة إلى وبال ونقمة، فهل في الأرض ضيق أم في الطبيعة جدب أم في الأنفس شحّ وتقتير، لماذا لا نعتبر من كل العِبر، ونتعظ من هول العظات، فنكرر نفس التجربة مئات المرات وفق ذات المعطيات وفي كل مرّة نتوقع نتيجة مغايرة.
هل هذا قصور في التفكير أم غشاوة على الأبصار أم غفلة في العقول أم خراب في الوجدان، ما هي نماذج الخير ومحط التقدير لدينا، المعلمون الأفذاذ والمفكرون والمبدعون والعلماء في شتى الضروب أم حملة النياشين وقادة الحروب، ما الذي يستهوينا، قصيدة شاعر مجيد يدعو للحياة، يصطاد الحجر لتنجو العصافير كما في قول معين بسيسو أم يستهوينا من يغتال الشقشقة في الأفواه الغضة الطرية لتنمو الصخور الوعرة بين الناس تنتصب سلاسل من جبال الكراهية، وتتفجر أنهاراً من الدماء، ونهتف عند كل مجزرة (الله أكبر) كبر مقتاً عند الله دعاة وأد الحياة، ولن استثني أحداً.
نعم الله أكبر عند باب كل فصل في مدرسة تضجّ بالنشاط التربوي/ التعليمي، في كل مرجيحة في روضة أطفال تنبت الأحلام لزغب صغار في صناقير الجبال وفي الوهاد والوديان ومنحنيات الأنهار وسهول البطانة وصياصي همشكوريب وغابات البابو ويابوس وكاتشا والضعين ووسط حواشات ود نعمان، الله أكبر في الأعياد والمهرجانات، على خشبات المسارح وأرفف المكتبات، ومداخل بوابات السينما ومدرجات الملاعب، في سوح الجامعات وجوة في عمق المناجم، في امتداد السكة الحديد وتعبيد الطرقات بالأسفلت وفي شموخ الأبراج بالطوابق التي تصافح السحاب ويغمرها الغمام، في الأسواق والبورصات ومحالج القطن ومعاصر الزيوت وورش العربات، في أندية الشباب ومع عمال النظافة في الطرقات في كل شتلة مغروسة في الفلوات، ومع كل موسم للمانجو والسمسم وطق الهشاب، في سقيا السعية وأوبة السمّاكة بصيد وفير، في أركان النقاش الجامعي، ودروس الوعي والفكر والعقل والتدين بمدخل صحيح وعظة الأحد على وقع أجراس ترنّ، الله أكبر تحية الأعياد ونشر البهجة والسرور، المشافي والمعامل، وادي هور كأنه وادي السيلكون بالإلكترون، الله أكبر جند منضبطين لا شفشافة ولا متفلتين، لا حزبيين لا إرهابيين، لا قتلة لا فاسدين، أمن وأمان كما اليابان، ومواعيد منضبطة كما الساعة السويسرية، حق وواجب، عدل ومحاسبة على التقصير؛ سواء في مجراها الوزير والخفير.
وأوعك تقطع صفقة شجرة عشان ما يجينا جفاف وتصحر، وأوعك تعبر الأسفلت دون أن يضيئ اللون الأخضر، وهناك مسار للدراجات ومن فوقه وتحته خطوط الميترو، وجسور للمرور دون دورانات، وتحت الأرض تتراص أنابيب الصرف الصحي وكيبلات شركات الاتصالات، وخطوط المياه وأسلاك الكهرباء، بنية تحتية ترنو لمستقبل الأجيال، ومدن قامات مكتملة الخدمات، وبيوت في الأرياف لقضاء العطلات.
الله أكبر في كل خطوة للازدهار، أ فلا نتأمل في معنى ما نردد من هتاف… وسلام على الأخيار من دعاة الحياة، تباً لكل ناعق بالموت والقتل والثأر والانتقام، والله أكبر من كل الظالمين.
مرحباً بسردية السلام، التنمية والرفاه، بعداً للحرب وخطاب الكراهية. مرحباً بالوطن الفسيح، بعداً لدعوات التشرذم، العداء والانقسام والانكفاء.
المصدر: صحيفة التغيير