بقلم تماضر بكرى
في لحظةٍ تاريخيةٍ تُضاء فيها سماء إفريقيا بنور الإنجاز، تُعلن إثيوبيا افتتاح سد النهضة العظيم، بعد أربعة عشر عامًا من العمل الدؤوب، والتحديات التي كادت أن تُطفئ الحلم. لكنه لم يكن حلمًا عابرًا، بل وعدًا قطعته إثيوبيا على نفسها ، بقيادة رجلٍ آمن بأن الكرامة لا تُستجدى، بل تُنتزع بالعمل والإيمان: آبي أحمد.
آبي أحمد.. قائدٌ من طرازٍ نادر
ليس كل من جلس على كرسي الحكم يُخلّد في ذاكرة الشعوب، لكن آبي أحمد فعل أكثر من ذلك. فقد أعاد تعريف القيادة في إفريقيا، وجعل من الحكمة والجرأة جناحين يحلق بهما فوق كل العقبات. لم يكن سد النهضة مجرد مشروع هندسي بالنسبة له، بل قضية وجود، ورمزًا للسيادة، وصوتًا للشعب الذي لا يرضى إلا بالكرامة.
قاد آبي أحمد بلاده وسط أمواجٍ متلاطمة من الضغوط الإقليمية والدولية، لكنه لم يتراجع، ولم يساوم على حق إثيوبيا في التنمية. كان صوته هادئًا، لكن كلماته كانت كالسيف ، تقطع الشك باليقين، وتُعلن أن النيل ليس أداة للهيمنة، بل شريانًا للحياة المشتركة.
إثيوبيا.. الأرض التي لم تُستعمر
منذ فجر التاريخ، وإثيوبيا تقف شامخة، الدولة الإفريقية الوحيدة التي لم تُدنّس بالاستعمار. واليوم، تُثبت من جديد أن الحرية ليست مجرد تاريخ، بل حاضرٌ يُصنع بالإرادة. سد النهضة هو امتداد لمعركة “عدوة”، حيث انتصر الأحرار على الغزاة، واليوم ينتصرون على التحديات، ويكتبون ملحمة جديدة من نور وماء.
سد النهضة.. استثمار في دولة تستحق
ما تحقق لم يكن وليد تحدٍ أو رغبة في اختبار قدرات الآخرين، بل كان ثمرة قناعة راسخة بأهمية النهضة الإفريقية ، وبأن التنمية حقٌ لا يُمنح، بل يُنتزع بالعمل والإيمان. الدعم الذي حظي به المشروع، سواء من الداخل أو من بعض الأطراف الخارجية، لم يكن بهدف فرض واقع أو خلق توتر، بل كان استثمارًا واعيًا في دولة محترمة، أثبتت أنها تستحق الثقة والرهان عليها.
ولعل من المهم التأكيد أن سد النهضة لم يُبنَ لاستهداف أحد، ولا ليكون خصمًا لأي جيش أو حكومة ، بل ليكون منارة تنموية تُضيء الطريق أمام شعوب المنطقة. فإثيوبيا لم ترفع شعار التحدي، بل رفعت راية التعاون، وأثبتت أن النهضة لا تعني الإقصاء، بل تعني الشراكة في المستقبل.
النيل للجميع.. والسد للجميع
في قلب هذه الملحمة، ترتفع رسالة إثيوبيا: النيل لا يُحتكر، بل يُشارك. فالسد في إثيوبيا، والأرض في السودان، والمصير في وحدة الشعوب. لقد آن الأوان أن يتحول النهر من مصدر نزاع إلى جسر للتعاون، ومن سلاحٍ سياسي إلى أداةٍ للتنمية.
تحية من القلب
تحية لكل يدٍ بنت، وكل عقلٍ خطط، وكل قلبٍ آمن بالحلم. وتحية خاصة إلى آبي أحمد، الذي أثبت أن القيادة ليست سلطة، بل مسؤولية، وأن الحلم لا يتحقق إلا حين يؤمن به من يقوده.
دروب
المصدر: صحيفة الراكوبة