
صفاء الزين
سد النهضة لم يعد مجرد مشروع مائي ضخم في إثيوبيا، بل رمز لإرادة دولة اختارت الرهان على المستقبل. على مدى عقد، نسقت أديس أبابا قدراتها الوطنية من جيش وشرطة إلى إدارات حكومية وإعلام، لتجعل السد قضية سيادية يلتف حولها الشعب. هذه الروح الجماعية مكّنت إثيوبيا من إنجاز سد يولّد عند اكتماله أكثر من 6 آلاف ميغاواط من الكهرباء ليصبح أكبر محطة للطاقة الكهرومائية في إفريقيا، رغم الضغوط الدولية والخلافات الإقليمية.
في المقابل لم ينجح السودان في التعامل مع السد كفرصة استراتيجية. فبينما يُفترض أن يكون المستفيد الأول من تنظيم تدفق النيل الأزرق وتوفير كهرباء بأسعار منخفضة وتوسيع الرقعة الزراعية عبر مشروعات ري حديثة ظل غارقًا في صراعاته الداخلية. الحروب المتكررة وانهيار مؤسسات الدولة حرمت السودان من تبني رؤية موحدة، فتحوّل من شريك طبيعي في المشروع إلى مجرد مراقب على الهامش.
التحدي أمام السودان اليوم ليس في رفض السد أو قبوله فقط، بل في إعادة تعريف علاقته بالنيل. فإذا استطاع تحقيق استقرار سياسي داخلي وبناء مؤسسات قوية يمكن أن يحوّل السد إلى منصة تعاون إقليمي. مع أكثر من 200 مليون فدان من الأراضي الصالحة للزراعة وموقع جغرافي يربط القرن الإفريقي بالوطن العربي، يمتلك السودان فرصة ليصبح قلب التكامل الاقتصادي في المنطقة.
ومع ذلك لا يمكن لأي مشروع تكامل أن ينجح بمعزل عن السياق الإقليمي. فمصر التي تعتمد على النيل بنسبة تفوق 95% من مواردها المائية تنظر إلى السد كتهديد وجودي، بينما تسعى إثيوبيا لترسيخ حقها في التنمية. هنا يظهر دور السودان كـ”بيضة القبان القادر على لعب دور الوسيط وتحويل الخلاف إلى تعاون يحقق مصالح الجميع.
الخلاصة أن سد النهضة ليس قدرًا محتومًا على السودان، بل فرصة كامنة. يمكن أن يستمر في موقع المتفرج، أو يلتقط اللحظة لإعادة تعريف موقعه في معادلة النيل. الشرط الأول لذلك هو استعادة عافيته الداخلية وبناء دولة قادرة على التفكير الاستراتيجي. حينها يمكن أن يتحول النيل من مورد يوزّع بين الدول إلى رابط حضاري يوحّدها، ويصبح سد النهضة بداية لشراكة إقليمية تنقل المنطقة من دوائر الصراع إلى فضاء التنمية المشتركة.
المصدر: صحيفة التغيير