بعد يومين من بث تقريرها الذي كشفت فيه مستوى الرفاهية التي يحظى بها الرئيس المخلوع عمر البشير، أصدر وزير الإعلام خالد الإعيسر قرارا بسحب ترخيص الصحفية لينا يعقوب مديرة مكتب قناتي العربية والحدث في السودان.
التغيير: نيروبي: أمل محمد الحسن
على الرغم من نشر عدد من الصحف سابقا وجود البشير في مدينة مروي؛ إلا أنها المرة الأولى التي يتم فيها نشر تفاصيل الحياة الرغيدة التي يتمتع بها المطلوب لدى الجنائية في تهم جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.
كما أن البشير داخليا قيد التحقيق في عدد من القضايا منها انقلاب يونيو من العام 1989 إلى جانب قتل المتظاهرين في ثورة 2018 ناهيك عن تاريخ من الجرائم في دارفور.
وذكر التقرير توفر طاقم خدمة من الضباط الذين يعدون الطعام للمخلوع، إلى جانب امتلاكه هاتفا محمولا وخدمة ستارلنك توفر له الانترنت، كما كشف التقرير وجود مولد كهربائي يعمل على مدار الساعة.
وعبر استخدام الذكاء الاصطناعي رسم التقرير ملامح الحياة الملكية التي تتضمن وقتا للرياضة وآخر للقراءة مع إمكانية استقبال الزوار والتدخل في مسار الأمور الخارجية.

إتهام بعدم الوطنية
قرار سحب ترخيص مديرة مكتب قناتي العربية والحدث وفق البيان المنشور على وكالة الأنباء الرسمية (سونا) شرح تفاصيل صبر الوزارة على تجاوزات قامت بها الصحفية منذ ديسمبر العام الماضي، لكن تقريرا عن الرئيس المخلوع مثل القشة التي قسمت ظهر البعير.
وعلى الرغم من صمت الوزارة على تجاوزات شملت حديث المراسلة عن السلاح الكيميائي وترحيب الشعب السوداني ببيان الرباعية الذي رفضته سلطة بورتسودان، وفق البيان، لكنها لم تتمكن من الانتظار حتى تبث القناة الجزء الثاني من التقرير الذي روجت له الصحفية في ختام تقريرها الأول.
القرار ضد مديرة مكتب العربية والحدث لم يكن الأول من نوعه؛ ففي فبراير من العام الجاري سحب الاعيسر رخصة مكتب قناة الشرق التابعة للمجموعة السعودية للأبحاث والإعلام.
وفي أول تنوير له للصحفيين بعد تسلم منصبه في ديسمبر من العام الماضي وجه الإعيسر تحذيرات لمنسوبي مهنة المتاعب من نقل أخبار قوات الدعم السريع معتبرا ذلك “عدم وطنية”.
هيمنة النظام البائد
أكد رئيس دائرة الإعلام بحزب الأمة القومي مصباح أحمد، على أن تواجد الرئيس المخلوع في مروي ليس سرا خافيا على أحد لكن خروج المعلومة
عبر شاشة إعلامية ذات تأثير ومصداقية عرّى سلطة بورتسودان، التي باتت خاضعة لهيمنة عناصر النظام البائد، وساعية لتوفير الحماية للمطلوبين للعدالة الجنائية.
مصباح أحمد: تقرير العربية عرّى سلطة بورتسودان التي باتت خاضعة لهيمنة عناصر النظام البائد
وأضاف: هذا مؤشر خطير على عودة الإسلاميين لواجهة التحكم، وعلى إعادة إنتاج نظامهم القمعي.
وقال مصباح أحمد لـ (التغيير) إن قرار سحب ترخيص الصحفية لينا يعقوب يعيد للأذهان ممارسات النظام البائد في تكميم الأفواه ومصادرة حرية الصحافة.
وشدد أحمد على أن حرية الإعلام وحق الحصول على المعلومة حقوقٌ مكفولة بالقانون والدستور، ولا يجوز المساس بها تحت أي ذريعة.
صراع نفوذ داخلي
القرار من وجهة الكاتب الصحفي حيدر المكاشفي، مثل انعكاسا لارتباك المنظومة الحاكمة في بورتسودان التي تتعامل مع الصحافة بعقلية أمنية تسعى لإسكات الأصوات الناقدة.
ورجح المكاشفي تعدد مراكز القوى داخل حكومة بورتسودان واصفا قرار سحب ترخيص الصحفية لينا يعقوب بالرسالة السياسية التي تعبر عن صراع نفوذ داخلي.
حيدر المكاشفي: مراكز القوى داخل حكومة بورتسودان متعددة وتعاني من صراع على النفوذ
تحريض زملاء المهنة
وسبق القرار الصادر عن وزير الإعلام حملة ضد مراسلة العربية والحدث واتهامات بالخيانة والعمالة على منصات التواصل الاجتماعي لم تخلو من أقلام صحفية، تنتمي بعضها للنظام السابق، وجهت سهامها لؤاد حرية الصحافة!
ووصف الكاتب الصحفي حيدر المكاشفي تحريض الصحفيين ضد بعضهم بالظاهرة الخطيرة لجهة أنها تضرب مبدأ التضامن المهني وتحول الصحافة من سلطة رقابية لأداة تصفية الحسابات.
وأضاف المكاشفي في حديثه لـ (لتغيير):عبر انخراط الصحفيون في حملات تحريض ضد زملائهم يقدمون خدمة مجانية للسلطة في بيئة سياسية مرتبكة تجعل المسؤول يتحرك تحت ضغط الرأي الموجه.
خرق الحريات
من جانبها وصفت سكرتيرة الحريات في نقابة الصحفيين، إيمان فضل السيد القرار بأنه خرق واضح للحريات الصحفية معربة عن خوفها من أن يفرض مزيدا من الضغوط على المراسلين بشكل عام وعلى مراسلي قناتي العربية والحدث بشكل خاص ما يؤثر على جودة التغطية الإخبارية. “ربما تجبر القناتين على البحث عن بدائل أو الاعتماد على مصادر أخرى”.
وقالت فضل السيد في حديثها مع (التغيير) إن استهداف صحفية بعينها واتهامها بانها تضر بالأمن الوطني سيدفع الصحفيين المتواجدين في بورتسودان إلى توخي الحذر الشديد لتجنب المصير نفسه محذرة من أن هذا الامر سيخلق رقابة ذاتية.
وأضافت فضل السيد بأن القرار يعتبر رسالة واضحة من السلطات في بورتسودان إلى جميع المؤسسات الإعلامية الأجنبية العاملة على أراضيها، مفادها أن التغطية الإعلامية يجب أن لا تتخطى الخطوط المرسومة من قبلهم.
إيمان فضل السيد: القرار خرق واضح للحريات الصحفية وسيفرض مزيدا من الضغوط على المراسلين في بورتسودان
وحذرت سكرتيرة الحريات من أن تجاوز خطوط سلطة بورتسودان يدخل الصحفيين ضمن التصنيفات والاتهامات الفضفاضة بالترويج لمعلومات مضللة وتهديد الأمن الوطني وما تنطوي عليه هذه الاتهامات من تجريم سياسي وأمني .
وأشارت فضل السيد إلى امكانية تطور تأثير القرار على المستويين السياسي والدبلوماسي لجهة أن القناتين “العربية” و”الحدث” سعوديتان” هذا القرار ربما يؤثر بشكل أو بآخر على العلاقات الدبلوماسية بين السودان والمملكة العربية السعودية”.
وأضافت: على الرغم من أن البيان أوضح أن القرار يخص المراسلة شخصيًا وليس القناتين كمؤسستين، ولكن لفت النظر الذي حواه البيان الموجه إلى إدارة القانتين لمراجعة سياستهما التحريرية فيه اتهام وتجريح كبيرين لمؤسستين مرموقتين ولا يمكن أن تمر هذه الاتهامات دون ردود أفعال.
المصدر: صحيفة التغيير