أطياف

صباح محمد الحسن

طيف أول:

ضوء شمسها أنار المدن القاتمة وفتح نافذة الضوء لزهرة تحت الأنقاض تندهت وأينعت، ثم انحنت لشوارع السلمية وعداً لن يطول انتظاره، وهمست لها: إنني لا شك آتية!!

والمتحرك في مساحة الداخل السوداني لا يجد من الشواهد الشامخة سوى صوت الثورة التي سطرت في ذكراها صفحة جديدة في كتاب التاريخ، سيما ما بعد الحرب، فهي مصنوعة من مواقف لا تلتهمها النيران، بل تزيد تِبرها لمعاناً وبريقاً.

فالثوار في جميع أنحاء العالم رسموا صورة وملمحاً مشرفاً أكد أن هذه الثورة تزيدها المحن واللأواء قوة وعزيمة، لكن لا شك أن ثوار الداخل في السودان أكدوا أنهم أصحاب الكلمة والقرار على الأرض. هؤلاء الأبطال تحدوا فلول النظام المخلوع “بأمرهم” ونسفوا عبارة الكوز الشهيرة التي ظلت ترددها الكتائب في الميدان: (تاني لو رجال اطلعوا). هذه الجملة تكشف رغبة الإصرار عند التنظيم على استمرار الحرب فقط بنية قطع طريق الثورة!!

ولكن هزم هؤلاء الشباب صوت البندقية والسلاح من جديد بسلميتهم المرعبة، فالتحية لكل من قال كلمته يوم الجمعة من السودان ليعيد الأمل في قلوب الملايين من الناس الذين تتوق أرواحهم إلى الحرية والسلام والعدالة.

كما أن خروجهم كشف بوضوح ضعف قبضة أعداء الثورة وحدد إمكانياتهم، وأكد أن التنظيم الكيزاني القابض مشلول اليد والإرادة. فرغم الاعتقالات وسط الثوار، إلا أن الثوار صدروا موقفا ًللعالم أن المفتاح بيدهم.

وهوان الحكومة يظهر في استغلالها السياسي للجواز الأجنبي الذي يحمله رئيس الوزراء، والذي يمنحه تأشيرة دخول إلى الدول الغربية والأوروبية. فكلما طاردها المجتمع الدولي أرسلت إدريس في رحلة وهمية.

والولايات المتحدة الأمريكية، سيما في عهد ترامب، إن أرادت قيادي في دولة قدمت له دعوة رسمية، أو يطلبه ترامب، فالبيت الأبيض الذي لا يرى في بورتسودان حكومة، ليس فيه مسؤول تساوره رغبة مقابلة شخصية من بورتسودان. حتى الرباعية شطبت ذلك الوجود وقالت: لا توجد حكومة، طالما أن قادة الطرفين غير مرغوب فيهما. وكامل إدريس يقع بين محظورين: قيادة عسكرية لا مستقبل لها، ونظام إخواني تسن له أمريكا سكين التصنيف كتنظيم إرهابي.

ولو كانت لإدارة ترامب قيمة لهذه الحكومة لما أصبحت تناقش وقف الحرب مع قادة إقليميين، فأمر السودان أصبح ليس بيد قادته حتى يحاول إدريس السعي لمقابلة الأمريكيين أو غيرهم. حتى الإماراتيين الذين تطلب الحكومة ودهم موقفهم محسوم في التعامل مع الإخوان، ولو تقدمت الحكومة نحوهم، فهذا يعني أنها في موقف أضعف بكثير.

والعداء الذي غوّر هُوته الكيزان مع هذه الدولة لن يتمكنوا من ردمه من جديد إلا بعد وقف الحرب.

وإدريس من قبل، عندما زار واشنطن، قال بعد عودته إنه قابل عدداً من المسؤولين، لكنه عجز حتى عن ذكر أسمائهم للإعلام.

فهذا الرجل ليس رجل المهمات الصعبة، ورحلته هذه لا يتجاوز دورها ما يقوم به “ساعي البريد”. فزيارة إدريس، حتى لو كانت زيارة اجتماعية، فهي تأتي في وقت غير مناسب لبلاد أغلقت أبوابها في عطلة رسمية ليتمتع المسؤولون فيها بإجازاتهم مع عائلاتهم وأصدقائهم.

وإدريس عجز حتى في الداخل عن صياغة قرار حكومي واحد يحدد مقدراته القيادية، وأكد أنه أقل من المهمات المحلية ناهيك عن الدولية.

وظل ضعف الدولة وخللها المؤسسي تعاني منه البلاد منذ صبيحة الانقلاب وحتى هذه الساعة.

وانهار سريعاً سقف توقعات الإخوان العالية في بيان الخارجية المصرية بعد أن اجتهدوا في تحريفه وتحويله والتعويل عليه، وسوّقوه وكأن مصر سترسل مئة ألف من الجنود لتشاركهم الحرب. فبيان الخارجية ما كان إلا خطاباً لدول الإقليم تريد مصر أن تقول إنها هنا. فزيارة البرهان للسيسي هي شرح وتوضيح من البرهان للرئيس المصري لما حوته زيارة السعودية.

فالاندفاع بالبيان المصري والخروج عن النص الدبلوماسي فيه يؤكد أن مصر علمت من البرهان أن الأمر أصبح واقعاً، وهذا ما جعلها تصدر هذا البيان الذي أكد أنها خطت بيانها بحروف لحماية نفسها لا لحماية الجنرال.

حتى إن قيادات سياسية وإعلامية مصرية خرجت لتفسر للرأي العام أن البيان كان مجرد لسان يعبر عن مصر، ولا يعني أنها ستتدخل. فهذا التوضيح قصدت به القاهرة أن توقف حملة التسويق الخاطئ الذي قام به الإخوان، الأمر الذي يمس مكانتها الدولية كشريك في الرباعية.

حتى الخارجية الأمريكية بالأمس قالت: “شددنا على أن الطرفين لا يمكنهما الاستمرار دون الدعم الخارجي الذي يتلقاه”. وهذه رسالة لحلفاء طرفي الصراع تضع على عاتقهم المسؤولية المباشرة: إن استمرت الحرب فستدفع الولايات المتحدة الأمريكية داعم الميدان إلى مقدمة الاتهام، وهو لا شك تحذير لطيف!!

طيف أخير:

الحرية للثائر منيب عبد العزيز الذي لم يرتكب جرماً، ولم يقتل ولم ينتهك.

منيب خرج فقط ليحتفل بذكرى الثورة، فاعتقاله يؤكد إصرار السلطة الانقلابية على التعدي على المواطنين.

الحرية لمنيب ولكل الثوار الذين تم اعتقالهم على خلفية خروجهم في مواكب الثورة

المصدر: صحيفة التغيير

شاركها.