سادة أم عبيد؟!
مناظير
زهير السراج
* كنت وما زلتُ من الداعين لوقف الحرب، خوفا على الشعب السوداني من التشرد والضياع وحفاظا على الدولة السودانية من الفوضى والتمزق وطمع الطامعين!
* كثيرا ما انتقدت بأقسى العبارات رفض البعض للتفاوض وتفويت الفرصة للوصول إلى صيغة مناسبة للتعايش السلمي في حضن وطن سوداني موحد، ومعالجة الجراح التي تزداد عمقا كل يوم في خضم الحرب!.
* كما كنت وما زلت ناقدا شرسا للجرائم المرتكبة ضد المدنيين الأبرياء أو حتى العسكريين من هذا الطرف أو ذاك، بدون تحيز لجهة أو لأحد، من منطلق أن الجميع سودانيون ينتمون لهذا الوطن وإن إختلفت إثنياتهم وثقافاتهم وأقاليمهم، ولدي إيمان راسخ لا يتزعزع أبدا بوطن واحد وتراب واحد وهوية واحدة جامعة هي الهوية السودانية العريقة عراقة التاريخ، مهما اختفلت الآراء وتباينت وجهات النظر أو احتدم القتال بين أبناء الوطن الواحد، فالقتال أمر عارض والسلام هو الباقي والدائم، هكذا يعلمنا التاريخ البشري منذ بداية الخليقة وحتى اليوم!.
* التنوع أمر طبيعي ومصدر قوة (ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين) سورة هود الآية 118، وليس العكس كما يظن البعض، بشرط أن يُدار بحكمة وعقل وعدالة، وهو أمر سهل الحدوث في وطن واسع (حدادي مدادي) كثير الخيرات مثل السودان، ولهذا كثيرا ما طرحتُ فكرة التصالح بين السودانيين على أساس (الحقيقة والمصالحة) وما زلتُ عند رأيي بإمكانية تحققها في السودان، فقط نحن في حاجة إلى رشد ووعي وتفكير عميق في ما يمكن أن يحدث لنا لو ظللنا نتقاتل ونسفك الدماء ونُعلي أصوات الكراهية والبغضاء، ونتيح للآخرين الطامعين فينا فرصة التدخل في شؤوننا وفرض حمايتهم علينا لتحقيق مصالحهم المشتركة، وتكون النتيجة في آخر الأمر فشلنا وذهاب ريحنا، لا أنا ولا إنت ولا نحن ولا أجيالنا القادمة سيكون لها وجود في المستقبل، والتاريخ ملئ بالدروس والعبر.
* آلاف الحضارات والامبراطوريات العظيمة سادت ثم بادت بسبب الخلافات والحروب والتشرذم والضعف، وحلت محلها دول وحضارات أخرى، ومن يعتقد أننا سنبقى لو استمر القتال، فهو لم يقرأ التاريخ البشري ولا حتى تاريخ السودان، فالسودان بتكوينه الحالي لم يكن له وجود قبل أقل من قرنين ونصف، بل كان عبارة عن ممالك صغيرة متحاربة متشاكسة ثم اضمحلت وهوت وصارت في ذمة التاريخ، أوانقلبت عليها الدائرة فتحولت إلى مصدر للرقيق وتجارة العبيد للآخرين .. تخيل أنك كنت ملكا أو ابن ملك أو شيخ قبيلة ترفل في العز والجاه، ثم صرتَ عبدا مملوكا تنام وتصحو وتعمل بضرب السياط، وهو ما يُراد للسودانيين الآن إن لم يفيقوا من غفوتهم ويدركوا حجم المؤامرة التي تُحاك ضدهم، وهي أكبر مما يعتقده البعض حربا بين طرفين أو بين الجيش والدعم السريع، يقتتلون ويهدرون الدماء ويمرِّغون كرامة بني وطنهم في التراب ويعتدون على المدنيين الأبرياء، وينشرون فيديوهات العصبية والكراهية والبغضاء!.
* ربما ينتصر هذا الطرف أو ذاك، أو ينقسم السودان إلى دولة النهر والبحر ودولة الساحل الغربي “وينتهي كل شيء في سلام”، كما يشتهي البعض. هذا وهم كبير وحلم لا يوجد حتى في مخيلة أغبى المخلوقات .. من يعتقد أن النصر العسكري، أو الانقسام سينهي الأزمة السودانية فهو شخص رومانسي موغل في الرومانسية.
* انتصار هذا الطرف أو ذاك لن يجلب سوى المزيد من العداء والدماء، هكذا يخبرنا التاريخ، خاصة إذا كانت الحرب بين طرفين أو أطراف مختلفة اثنيا وموغلة في الجهل والبدوية والعصبية، ولا أعتقد أننا أفضل حالا من ذلك!.
* والانقسام الذي ينجم عن حرب وكراهية لن يولد سوى المزيد من الكراهية والعداء خاصة مع الجيرة الإجبارية، هذا إذا تركنا الطامعون نفعل ما نريد أو نتصرف كما نريد، ولكنهم حتما سيغتنمون الفرصة لفرض إرادتهم علينا والاستئثار بخيراتنا الطبيعية، سواء كانت فوق الأرض أو تحت الأرض، أو الأرض نفسها، أو الموقع الاستراتيجي، وبالمناسبة هم متفقون تماما حول مصير السودان، وليسوا مختلفين كما يظن البعض، ولكنهم يستخدمون وسائل مختلفة.
* كما أن الانقسام ليس بالبساطة التي يفكر فيها البعض بأن دولة النهر والبحر أو دولة الساحل الغربي ستخلو من المشاكل العرقية أو الإثنية التي تتجسد الآن بوضوح في التنظميات والمليشيات الكثيرة ذات الطابع العرقي التي تصول وتجول هنا وهناك، فهل ستترك هذه المليشيات حقوقها ومظالمها التاريخية للمنتصر أو المنقسم، أم أننا سنعود مرة اخرى إلى سيناريو الانقسام فتنقسم هذه الدولة أو تلك مرة أخرى بل مرات وتصبح مثل حيوان الأميبا، لا تتوقف عن الانقسام، أم أن الحرب ستلاحقنا وتطاردنا وتقتلنا وتشردنا على الدوام؟!.
* لا بد أن نفهم ونعي ونستوعب أن ما يحدث في بلادنا الآن أكبر بكثير مما يراه البعض مجرد حرب بين طرفين، ستنتهي إما بالنصر أو بالانقسام إلى دولتين، فالمؤامرة أكبر من ذلك بكثير جدا، فإما أن نكون سادة أنفسنا، أو نصير عبيداً لدى الآخرين!.
الجريدة
[email protected]المصدر: صحيفة الراكوبة