اخبار السودان

ساحل العاج تنهي عقوداً من الوجود العسكري الفرنسي

أبوبكر عبدالله

 

انسحاب (طرد) فرنسا من ساحل العاج يمثل تحولاً جذرياً في تاريخ نفوذها في غرب إفريقيا ، الذي بدأ في الحقبة الاستعمارية واستمر من خلال آليات ما بعد الاستعمار ، مثل الاتفاقيات الدفاعية ، والبنك المركزي المشترك ، وروابط النفوذ السياسي.

 

تحت إدارة الرئيس إيمانويل ماكرون ، حاولت باريس إعادة صياغة دورها في القارة عبر ما سُمي بـ”سياسة فرنسا الجديدة” في إفريقيا ، إلا أن هذه الجهود اصطدمت بموجة من المطالب الشعبية والحكومية لدول غرب أفريقيا تدعو إلى استقلالية حقيقية وتغيير جذري.

 

من المتوقع أن يؤدي انسحاب فرنسا إلى تحولاً في موازين القوى العالمية في إفريقيا ، حيث تسعى قوى مثل روسيا والصين وتركيا لملء الفراغ الناجم عن الانسحاب الفرنسي. كما ستعمل روسيا على إعادة تشكيل الواقع الأمني في المنطقة عبر مجموعة “الفيلق الإفريقي” ودعمها لحكومات المنطقة الساعية لتقليص دور الهيمنة الغربية. في المقابل ، ستركز الصين على مشاريع البنية التحتية والاستثمارات في الموارد الطبيعية ، مما يثير تساؤلات عديدة ومخاوف (هل هي نوع جديد من التبعية؟) حول الاستقلالية الاقتصادية والأمنية لهذه الدول.

 

يجب التنويه إلى أن غياب الدعم العسكري الفرنسي يفتح الباب أمام تحديات أمنية جديدة ، لاسيما الجماعات الإرهابية مثل “بوكو حرام” و”تنظيم الدولة الإسلامية في الصحراء الكبرى” التي قد تستغل هذا الفراغ لتوسيع عملياتها في المنطقة. حيث يبرز التساؤل حول قدرة دول غرب أفريقيا على بناء منظومات دفاعية مستقلة وسط محدودية الموارد والتحديات الأمنية المتزايدة.

 

كذلك يشير انسحاب فرنسا إلى ذروة الطموحات الأفريقية نحو تحقيق السيادة الكاملة ، حيث أصبحت المجتمعات والحكومات الأفريقية أكثر وعياً بضرورة تقرير مصيرها بعيداً عن الهيمنة الغربية. لكن تحويل هذا الوعي إلى سياسات فاعلة ومستدامة يبقى تحدياً كبيراً، خاصة في ظل الحاجة لتحقيق الاستقرار السياسي والأمني والتنمية الاقتصادية.

 

من المحتمل أن يدفع انسحاب فرنسا إلى تعزيز التحالفات الإقليمية ، وإعادة صياغة المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (ECOWAS) ، مع احتمالية إنشاء تكتلات جديدة لمواجهة التحديات المشتركة كالأمن والتنمية ، كما يمكن أن يشكل هذا التعاون نواة لبناء إطار أمني وتنموي غرب إفريقي أكثر قوة واستقلالية.

 

في ذات السياق، مُتوقع أن يعكس هذا الانسحاب أيضاً تحولاً داخلياً في فرنسا ، حيث تتزايد الأصوات المطالبة بتقليص التدخل العسكري الخارجي ، سواء لأسباب اقتصادية أو سياسية أو إستراتيجية.

 

ختاماً : انسحاب فرنسا من ساحل العاج يمثل نقطة تحول محورية جديدة في الديناميكيات الجيوسياسية لدول غرب أفريقيا ، وعلى هذه الدول أن تستغل هذه الفرصة لتعزيز قدراتها الدفاعية والاقتصادية وبناء شراكات استراتيجية متنوعة بعيداً عن التبعية. قدرة دول غرب أفريقيا على مواجهة تحديات الأمن والتنمية في ظل هذه التغيرات ستحدد مستقبلها واستقلاليتها ، في ذات الوقت ستستمر القوى الكبرى والصاعدة في إعادة تشكيل مشهد النفوذ في القارة.

 

[email protected]

المصدر: صحيفة الراكوبة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *