زيارة ترامب المرتقبة للشرق الأوسط وملف السودان

✍️ محمد هاشم محمد الحسن
في ظل ترقب الساحة الدولية لمستقبل السياسة الأمريكية، ومع تزايد الحديث عن قرارات دونالد ترامب الأخيرة بعد عودته إلى سدة الحكم وزيارة وشيكة له إلى الشرق الأوسط، تعود المنطقة لتتصدر واجهة النقاش حول ملامح نهجه الدبلوماسي والاقتصادي المرتقب. ترامب، بنهجه التعاملي المميز الذي يركز على الصفقات المباشرة والمكاسب الملموسة(الفوز الفوز)، من المرجح أن يعيد تشكيل أولويات واشنطن في المنطقة. في هذا السياق، تُطرح تساؤلات ملحة حول أجندة زيارته، وموقع السودان، الغارق في أزمة دامية، ضمن هذه الأجندة المزدحمة.
من المتوقع أن تركز زيارة ترامب المرتقبة إلى الشرق الأوسط على محاور لطالما كانت في صلب اهتماماته. في المقدمة، سيظل الدفع نحو توسيع نطاق اتفاقيات أبراهام أولوية قصوى، بهدف تحقيق المزيد من التطبيع بين إسرائيل والدول العربية، مع طموح كبير لإقناع المملكة العربية السعودية بالانضمام رسمياً. وعلى صعيد متصل، ستكون مواجهة النفوذ الإيراني محوراً أساسياً، حيث من المرجح أن يشدد ترامب على سياسة الضغط الأقصى تجاه طهران ويبحث مع قادة المنطقة سبل تعزيز الردع ضد وكلائها.
اقتصادياً، سيحرص ترامب على عقد صفقات تجارية واستثمارية ضخمة، خاصة في قطاع الطاقة والتكنولوجيا، مع اعتبار المنطقة الخليجية شريكاً استراتيجياً لتحقيق انتصارات اقتصادية تعزز صورته كمفاوض ماهر. ولا يمكن فصل مبيعات الأسلحة عن هذه الأجندة، حيث يُنظر إليها كرافعة اقتصادية وأداة لتعزيز العلاقات الأمنية لمواجهة التهديدات المشتركة.
في ظل هذه الأجندة المكتظة، من المرجح أن يكون السودان على هامش أولويات ترامب، وليس في صلبها. فالأزمة السودانية معقدة، متعددة الأطراف، وتتطلب انخراطاً دبلوماسياً مستمراً ومكلفاً، وهو ما لا يتوافق بالضرورة مع نهج ترامب الباحث عن حلول سريعة وواضحة. سيُنظر إلى السودان كعنصر ضمن إطار أوسع للسياسة الأمريكية في المنطقة، خصوصاً في سياق العلاقات مع دول الخليج ومصر. قد يرى ترامب أن ملف السودان يمكن التعامل معه من خلال مطالبة الحلفاء الإقليميين بالانخراط بشكل أكبر في حلها، أو استخدامه كجزء من مساومة أو صفقة أكبر.
من سيتمكن بالظفر بملف السودان؟
في ظل نهج ترامب التعاملي الذي يفضل تحميل الحلفاء عبء حل المشكلات الإقليمية مقابل تحقيق مصالح أمريكية، يُطرح تساؤل حول أي من القوى الإقليمية الفاعلة قد يتمكن بالظفر بملف السودان من أجندة ترامب، وما هو الثمن المتوقع لذلك، وماذا عن صراع النفوذ بينها.
المملكة العربية السعودية، بقدراتها المالية الهائلة ومصالحها الاستراتيجية في استقرار البحر الأحمر ومنع تفكك دولة عربية كبيرة، قد ترى في الظفر بملف السودان فرصة لتعزيز نفوذها الإقليمي وتقديم نفسها كقوة استقرار في المنطقة، بالإضافة إلى كسب رضا إدارة ترامب المحتملة. ومع ذلك، موقفها من التطبيع مع إسرائيل قد يكون أكثر تعقيداً هذه المرة بعد أحداث غزة، مما يجعل الثمن الذي تطلبه من ترامب ليس بالضرورة مرونتها في ملف التطبيع، بل قد يكون في شكل ضمانات أمنية أمريكية قوية، أو دعماً لمشاريعها الاقتصادية الكبرى(رؤية 2030)، أو تنسيقاً أوسع في ملفات إقليمية حساسة. السعودية جاهزة للدفع، لكن بشروطها التي تعكس أولوياتها الاستراتيجية وليست بالضرورة مجرد مساومة على التطبيع.
في المقابل، تتمتع الإمارات العربية المتحدة بميزة واضحة للظفر بملف السودان؛ فكونها مطبعة بالفعل ضمن اتفاقيات أبراهام يزيل عنها هذا الضغط، ولديها قدرات مالية هائلة، وانخراط عميق في النزاع السوداني، مما يجعلها قادرة على تسليم نتائج لترامب بشكل أسرع وأكثر فعالية، وهو ما يستهوي نهج ترامب العملي. قد يشمل الثمن التزامات باستثمارات استراتيجية معينة، أو تنسيقًا أمنيًا مكثفًا يخدم الأهداف الأمريكية والإماراتية المشتركة.
أما مصر، فبينما تمتلك مصالح أمنية مباشرة وحيوية في السودان، لاسيما فيما يتعلق بحدودها الجنوبية وأمن مياه النيل، ورغبتها الرئيسية هي ضمان وجود حكومة مستقرة وودودة، فمن المستبعد أن تكون هي من تظفر بملف السودان بنفس المفهوم الذي قد تدفع به السعودية أو الإمارات. يعود ذلك إلى عاملين رئيسيين أولاً، قدرتها المالية محدودة مقارنة بدول الخليج، وثانياً، موقفها المبدئي والراسخ ضد أي مخططات لـ (صفقة القرن) أو ترحيل سكان غزة، مما يجعلها غير قادرة على تقديم التنازلات التي قد يرغب فيها ترامب في سياق الربط بين حلول الأزمات الإقليمية والقضية الفلسطينية. ومع ذلك، ستظل مصر لاعباً رئيسياً بحكم مصالحها الوجودية وقدرتها على التأثير الأمني والسياسي غير المالي داخل السودان.
ختاماً، لا يمكن إغفال صراع النفوذ المحتدم بين السعودية والإمارات في هذا السياق. ترامب، بنهجه البراغماتي، سيميل إلى الجهة التي تقدم له الصفقة الأفضل، أو التي تستطيع أن تحل المشكلة بأقل قدر من التكلفة أو الانخراط الأمريكي المباشر. المكاسب المباشرة هي الفيصل. إذا رأت إدارة ترامب أن الإمارات يمكنها تقديم مخرج من الأزمة السودانية يتناسب مع مصالحها، فقد يميل إليها. ومع ذلك، لا يمكن استبعاد محاولة ترامب إشراك الدولتين معًا في ملف السودان، ودفعهم نحو نوع من التنسيق، حتى لو كان تنافسياً، لضمان أن يتحملا العبء الأكبر من الحل. زيارة ترامب المرتقبة للشرق الأوسط، إذا، ستكون بحد ذاتها عملية مساومة كبرى، سيتم خلالها تحديد أولويات الولايات المتحدة، وتوزيع الأدوار، وقد يُعهد بملف السودان، بكل تعقيداته، إلى من يكون الأقدر على تقديم النتائج التي تتماشى مع رؤية ترامب لسياسة خارجية مدفوعة بالمكاسب والصفقات. فالأزمة السودانية، في النهاية، قد تجد حلاً أو مخرجاً لا تستلزمه واشنطن بشكل مباشر، بل يقع على عاتق اللاعبين الإقليميين الأكثر استعداداً للدفع، سواء بالمال أو بالتنازلات السياسية، في سبيل تحقيق مصالحهم وتأمين موقعهم في خرائط النفوذ المستقبلية للمنطقة.
المصدر: صحيفة الراكوبة