حسب الرسول العوض إبراهيم*

شغلت الساحة السياسية السودانية خلال الأيام الماضية تطورات متسارعة في ملفين حسّاسين هما زيارة رئيس الوزراء كامل إدريس إلى القاهرة واجتماعات مجلس السلم والأمن الإفريقي. وبقدر ما حمل كل منهما من رسائل دبلوماسية، فقد كشفا حجم التعقيد المحيط بالمشهد السوداني إقليمياً ودولياً.

الزيارة التي كان من المقرر أن يقوم بها كامل إدريس إلى مصر تأجلت بشكل مفاجئ بطلب من السلطات المصرية بحجة أن الترتيبات لم تكتمل،  ورغم الطابع البروتوكولي الظاهري للتأجيل، إلا أن السؤال الذي ظل يتردد هو كيف تم تحديد موعد الزيارة دون التأكد من جاهزية الاستقبال؟..

التبريرات الرسمية لم تلق قبولا، ولم تكن مقنعة لدى الكثيرين، بل فتحت الباب أمام تأويلات تشير إلى أن القاهرة فضّلت التريث إلى حين اتضاح نتائج اجتماع مجلس السلم والأمن الإفريقي لتستخدم ذلك كورقة ضغط سياسية توجه بها رسالة غير مباشرة لكامل إدريس مفادها أن استعادة السودان لموقعه في الاتحاد الإفريقي إن حدث فهو ثمرة لتدخلها وتأثيرها، وعلى حكومته أن ترد الجميل، وفعل كل ما تطلبه القاهرة منه.

من جهة أخرى تشير التسريبات إلى أن مصر تتعرض لضغوط خارجية متزايدة من أطراف إقليمية ودولية تحمّلها مسؤولية استمرار الحرب في السودان؛ بسبب دعمها لسلطات بورتسودان، هذه الأطراف ترى أن الموقف المصري ساهم في تعنت تلك السلطات وإضعاف فرص التفاوض الجاد؛ مما يطيل أمد الصراع، ويضاعف الكلفة الإنسانية والسياسية.

في خضم هذه الضغوط سعت القاهرة إلى إظهار نفسها كطرف محايد، واعتقلت قائد قوات “البراء بن مالك”، إحدى المليشيات المحسوبة على الحركة الإسلامية السودانية، في خطوة وصفها البعض بأنها محاولة مكشوفة للتبرؤ من دعم الإخوان في السودان. ورغم هذا الاعتقال، لا يزال عدد من قيادات الجماعة يقيمون في مصر، تحت رقابة رعاية الأجهزة الأمنية المصرية.

أما على صعيد مجلس السلم والأمن الإفريقي، فقد صدر بيان أولي رحّب بتشكيل حكومة كامل إدريس، لكنه لم يرقَ إلى مستوى التطلعات الرسمية في بورتسودان، إذ لم يتضمن رفعاً لتجميد عضوية السودان. وبدلًا من ذلك اشترط البيان وقفاً فوريًا لإطلاق النار وفتح ممرات إنسانية، وإطلاق عملية سياسية بقيادة سودانية تفضي إلى حكم مدني شامل. هذا التوجه فُسر على أنه انتصار لإرادة الدول الرافضة لفك التجميد وخسارة فادحة لمحور القاهرةبورتسودان داخل أروقة الاتحاد الأفريقي.

ما يجري داخل المجلس الإفريقي يعكس صراعاً أوسع من الملف السوداني نفسه حيث تتداخل فيه حسابات تتعلق بمياه النيل وسد النهضة، والتوترات الإثيوبيةالإريترية، وتوازنات النفوذ بين القاهرة وأديس أبابا. وعليه فإن السودان لم يعد مجرد ملف أمني أو سياسي، بل بات ورقة في لعبة جيوسياسية أكبر.

خلاصة ما حدث أن سلطة الأمر الواقع في السودان خسرت الرهان على دعم القاهرة، وفشلت في تحقيق اختراق سياسي يعيدها إلى الشرعية الإفريقية. وفي المقابل وجدت مصر نفسها في موقف دبلوماسي حرج، بين ضغوط الخارج والتزامات الداخل، لتخرج من هذه الجولة، وقد خسرت هي الأخرى قدرتها على التأثير المباشر أو الادعاء بأنها لا تزال تمسك بخيوط الملف السوداني.

* كاتب ومحلل سياسي

المصدر: صحيفة التغيير

شاركها.