زملاء القلم ورحلة الضياع والألم
هلال وظلال
عبد المنعم هلال
لم يكن أحد يتوقع أن تتحول حياة الكثير من الإعلاميين والصحفيين السودانيين إلى كابوس لا ينتهي بعد اندلاع الحرب في السودان وجد هؤلاء الزملاء أنفسهم أمام واقع مرير لم يكن في الحسبان ، فقدان الوظائف وتوقف مصدر الرزق كانا أولى بوادر الأزمة لكن سرعان ما تحول الأمر إلى كارثة حقيقية تجاوزت الأبعاد المادية لتلامس الروح والجسد فقد تفاقمت أمراض بعض الزملاء الذين لم يجدوا الدعم الطبي الكافي في ظل تدهور الأوضاع الصحية في البلاد.
الهروب من الموت والبحث عن ملاذ آمن أصبحا هدفاً مشتركاً للكثيرين وفي الوقت الذي اختار فيه البعض النزوح إلى ولايات السودان المختلفة فضل آخرون التوجه إلى دول الجوار حيث وجدوا أنفسهم في معركة جديدة للبقاء في بيئات غريبة وظروف صعبة لكن لم يكن الهروب متاحاً للجميع فهناك من بقي في مناطق النزاع والقتال لعدم تمكنهم من المغادرة سواء بسبب التزامات عائلية أو لظروف مادية صعبة هؤلاء الزملاء يعيشون اليوم في واقع قاس محاطين بالألم والخوف على الدوام إنها رحلة الضياع والألم التي يعيشها زملاء القلم في السودان رحلة بدأت بأحلام كبيرة وانتهت بواقع مفجع يذكرنا دوماً بالثمن الباهظ الذي يدفعه الإعلاميون والصحفيون في مناطق النزاع في كل يوم يواصل هؤلاء الأبطال الحقيقيون نضالهم من أجل إيصال صوت الحقيقة حتى وإن كان الثمن باهظاً وفي كل يوم ، نتساءل : متى ستنتهي هذه المعاناة ..؟ ومتى ستعود الحياة إلى مسارها الطبيعي ليتمكن هؤلاء الزملاء من استعادة حياتهم وكرامتهم ..؟ متى..؟
واقع الصحفيين السودانيين الذين يحملون لقب “أصحاب السلطة الرابعة” أصبح اليوم عنواناً للحزن والمعاناة التي طالت أغلبهم في ظل الظروف الصعبة التي يعيشها السودان.
الصحفيون السودانيون واجهوا مصاعب جسيمة خلال الصراعات المتصاعدة في البلاد إذ تعرض الكثير منهم للاختطاف والاعتقال والأسر والحبس ولم يسلموا من استهداف الأطراف المتحاربة وقد طالهم خطر العنف والقمع والتعذيب بشكل مباشر مما أدى إلى فقدان العديد منهم لحياتهم إما بسبب الرصاص والدانات التي أطلقتها الأطراف المتصارعة أو نتيجة القهر والكمد والحسرة نتاج أجواء الحرب القاسية.
بعد اندلاع الحرب وجد الكثير من زملاء المهنة أنفسهم في مواجهة مصاعب جسدية ونفسية لا حصر لها مما زاد من معاناتهم اليومية من هؤلاء الزملاء هناك من تفاقمت لديهم مضاعفات مرض السكري ليجدوا أنفسهم في مواجهة قاسية مع هذا المرض المزمن والذي أدى بالبعض إلى بتر أطراف من أجسادهم بينما آخرون يعانون من الفشل الكلوي ويضطرون إلى دخول جلسات غسيل الكلى المرهقة جسدياً وعالية الكلفة مادياً وهذا ما جعلهم في حاجة ماسة للعون والمساعدة وهناك أيضاً من فقد بصره وحينما أتى أمل العلاج بالخارج اصطدم بواقع مرير حيث لا يملك تكاليف السفر والعلاج وقد وصلت المعاناة إلى حد لا يمكن فيه إحصاء الأسماء لأن حجم الألم شمل الأغلبية العظمى من الزملاء.
في مصر حيث أقيم اختار الكثير من الصحفيين السودانيين الإقامة واللجوء بحثاً عن حياة أفضل لم يكن الوضع أقل صعوبة فقد ارتفعت تكاليف المعيشة والإيجارات بشكل كبير مما جعل الحياة هناك مليئة بالتحديات والصعوبات رغم أنهم ظنوا أن مصر ستكون خياراً أفضل إلا أن الواقع كان مختلفاً إذ واجهوا معوقات كبيرة وصعوبات معيشية فاقت توقعاتهم وفي ظل هذه الظروف القاسية يوجد عدد قليل من الزملاء أصحاب الحظوة الذين نالوا وضعاً أفضل بسبب ولائهم لرؤساء بعض الأندية والقادة السياسيين حيث يحصلون على إعانات شهرية تتناسب مع درجة ولائهم ومدي ارتفاع صوت التطبيل ولكن هذا لا يمثل غالبية الصحفيين بل يعكس التفاوت الكبير في الحظوظ.
بالرغم من وجود كيانين يمثلان الصحفيين وهما اتحاد الصحفيين المستمر منذ النظام السابق ونقابة الصحفيين التي تأسست بعد الثورة إلا أن كلاهما يعاني من قيود ومغلول اليد ولا يقدم الدعم إلا للمقربين من أصحاب نفس التوجه والموالين أو الذين نالوا رضاء بعض القادة السياسيين والعسكريين ورجال المال والأعمال الذين يدفعون حسب درجات التلميع وتكسير التلج.
وسط هذه الظلمات تظهر بعض الإشراقات القليلة التي تعكس روح التعاون والتكاتف وأحد الأمثلة البارزة على ذلك هو “قروب السعودية تجمعنا” الذي يضم بعض الزملاء العاملين بالمملكة والذي يمثل بادرة أمل وإشراقة في هذا المشهد حيث يبرز روح التعاون والتكاتف بين الزملاء الصحفيين في الخارج والذين رغم الضغوط المادية التي يواجهونها يساهمون في تقديم بعض العون من خلال مبادراتهم الخيرية والإنسانية ونثمن إيجابيتهم وعطاؤهم من خلال مبادراتهم الخيرية والإنسانية وهم يساهمون حتى ولو بالقليل في تخفيف معاناة زملائهم في مجال الصحافة سواء في الوطن أو الخارج ويستحقون الثناء على جهدهم وتفانيهم في هذه الظروف الصعبة التي يمر بها الجميع. .
أحوال الزملاء الصحفيين الذين يطلق عليهم “أصحاب السلطة الرابعة” تعكس صورة قاتمة ومؤلمة فاليوم لا سلطة لهم ولا أحد يبكي على حالهم ويلتفت إلى أحوالهم ولم ينالوا إلا النكران والجحود لقد باتت معاناتهم تتحدث عن نفسها وهي أصدق من أي سؤال أو وصف يمكن أن يقال والله المستعان.
ظل أخير
صرخة القلم الجريح
بين الأقلام نكتب الحرف حزيناً
وفي قلوبنا ألم النزوح دفيناً
بين الصحف والأوراق ضاعت حقوقنا
وفي وطن انقسم أصبحنا ضيوفاً
كل حرف نبض وكل كلمة صرخة
نكتب عن الوجع وفي الروح جرحاً
يا أصدقاء المهنة يا أصحاب القلم
صار الدهر خصماً والعيش ندماً
يا قلماً يحمل وجع الصحفيين
في بلد تاه بين الحروب والأنين
نكتب عن الأمل ونحصد الألم
والحرف صار دماً على الورق .
[email protected]
المصدر: صحيفة الراكوبة