يكشف هذا التقرير الذي أعدته «التغيير» عن واقع مأساوي يعيشه قطاع التعليم في دارفور وسط ظروف الحرب. فبينما ينتظر نحو 70 ألف طالب وطالبة بولاية جنوب دارفور فرصة الجلوس لامتحانات الشهادة، يؤكد مدير عام وزارة التعليم بالولاية تعرض ست مدارس للقصف في نيالا، معبّرًا عن أسفه لما وصفه بتسييس التعليم وحرمان الطلاب من مستقبلهم الجامعي..
التغيير: تقرير
قرع حاكم إقليم دارفور في حكومة تأسيس، الهادي إدريس، جرس بداية العام الدراسي بمدينة نيالا عاصمة جنوب دارفور، في الثالث من سبتمبر الجاري، مسلطًا الضوء على واقع التعليم في مناطق خاضعة لسيطرة قوات الدعم السريع، حيث ينتظر نحو 70 ألف طالب وطالبة فرصة الجلوس لامتحانات الشهادة السودانية.
وفي نهاية أغسطس الماضي، أدى أعضاء المجلس الرئاسي في الحكومة الموازية القسم بينما أعلن رئيس وزراء الحكومة، محمد حسن التعايشي، خلال الأسبوع الأول من سبتمبر الجاري عن تعيين ثلاثة وزراء لتولي حقائب الخارجية والداخلية والصحة ما يؤكد عدم اكتمال تعيين بقية الوزراء من بينهم وزير التربية والتعليم.
بيئة مدرسية مدمرة
كشف مدير عام وزارة التعليم بولاية جنوب دارفور الخاضعة لسيرة الدعم السريع،، حافظ أحمد عمر، عن تعرّض عدد من المدارس في مدينة نيالا للقصف المدفعي، إضافةً إلى قصف الطيران الحربي للجيش لست مدارس، ما أفرز واقعًا مختلًا يعاني من اختلالات جسيمة.

وقال عمر لـ«التغيير» إنهم يواجهون جملة من التحديات، أبرزها أزمة التجليس، وانعدام الكتب المدرسية، وعدم صرف مرتبات المعلمين، مشيرًا إلى غياب الدعم من المنظمات المختصة بالتعليم لارتباطها بحكومة بورتسودان.
وأكد مدير عام وزارة التعليم في الولاية تمسكهم بمواصلة العملية التعليمية رغم الظروف القاسية، مشيرًا إلى أن أحد أسباب اندلاع الحرب هو غياب التعليم، مضيفًا: “نحن نتحمل المسؤولية، وسنواصل تعليم أبنائنا مهما كانت الظروف.”
وأشار عمر إلى أن تردي أوضاع المؤسسات التعليمية ليس وليد الحرب الحالية، بل يعود إلى ما قبلها، متهمًا حكومة الحركة الإسلامية بعدم الاهتمام بالتعليم، لافتًا إلى أن كثيرًا من المدارس في المناطق الريفية لم تكن سوى “سبورة تحت الشجر”.
“وكشف مدير التعليم بالولاية عن وجود أكثر من 100 مدرسة ابتدائية داخل مدينة نيالا، إلى جانب 75 مدرسة متوسطة، موضحًا أن نحو 80 إلى 90% منها بدأت العام الدراسي، بينما حالت ظروف الحرب دون استئناف الدراسة في البقية.”
المعلم والكتاب
“وقال عمر في حديثه لـ«التغيير» إن المناهج الدراسية المطبقة هي ذات المناهج القديمة، مضيفًا: نحن نعمل في سودان واحد وموحد. وأشار إلى أنهم سدوا النقص في الكوادر التعليمية عبر الاستعانة بالمتطوعين من خريجي الجامعات والمعاهد العليا.”
“وحول المناهج وتوفرها، أعرب عمر عن أسفه لتعرض المطبعة الوحيدة في نيالا للحريق جراء الآلة الحربية، مشيرًا إلى أن التدريس يجري عبر الكتب القليلة المتوفرة في بعض المكتبات. وأضاف: رغم الظروف الصعبة نستطيع على الأقل توفير الكتب للمعلم.”
“وكشف عمر عن انعدام كتب المرحلة المتوسطة، موضحًا أن المشكلة جرى تجاوزها باستخراج المناهج من الوسائط وطباعتها للمعلمين، معربًا عن أمله في أن يتحسن الوضع بوجود ما وصفه بـ(حكومة السلام).”
التقويم الدراسي
“وأوضح عمر أن العام الدراسي بولاية جنوب دارفور انطلق وفق التقويم الأصيل لوزارة التربية والتعليم الاتحادية، والذي يبدأ ما بين منتصف أغسطس ومطلع سبتمبر، على أن ينتهي في يونيو من العام المقبل.”
“وقال عمر إن ولاية جنوب دارفور تُعد الوحيدة التي التزمت بالتقويم الدراسي الممتد لـ180 يومًا، تتخللها إجازة الفترة الأولى. غير أن هذا التقويم لا ينطبق على جميع مناطق سيطرة قوات الدعم السريع، إذ أوضح مدير تعليم جنوب دارفور أن بعض الولايات الأخرى، مثل شرق وغرب دارفور، لم تُجرِ امتحاناتها بعد، مضيفًا أن بعضها تعافى مؤخرًا من آثار الحرب.” وأشار إلى أن حاكم الإقليم وعد بتوحيد التقويم الدراسي في كل ولايات دارفور العام المقبل.
“من جانبه، أعلن مدير إدارة التعليم الطارئ بولاية شرق دارفور، إبراهيم يحي، لـ«التغيير» انطلاق العام الدراسي بالولاية مطلع أكتوبر المقبل، مشيرًا إلى أنهم أكملوا العام الدراسي 20242025. وكشف عن أن المدارس لم تُهيأ بنسبة 100% من حيث المباني، فضلًا عن استمرار النقص في المناهج، خاصة لمرحلة التعليم المتوسطة.”
“وأوضح يحي أن إدارة التعليم الطارئ، المعنية بشرائح النازحين واللاجئين، وضعت خطة للعام الدراسي المقبل تتضمن مدارس خاصة بالنازحين يجري بحثها مع الجهات المختصة. وأضاف في حديثه لـ«التغيير» أن الولاية استقبلت أعدادًا كبيرة جدًا من النازحين.”
امتحانات الشهادة
“وأكد مدير تعليم جنوب دارفور، أن امتحانات الانتقال من المرحلة المتوسطة إلى الثانوية لم تواجه أي مشاكل، مشيرًا إلى عدم وجود تراكم في الدفعات، مع اكتمال الامتحانات وانتقال الطلاب بشكل منتظم خلال العامين السابقين.”
“وأعرب عمر عن أسفه لما وصفه بـ«تسييس التعليم»، في إشارة إلى حرمان الطلاب من الجلوس لامتحانات الشهادة السودانية التي تنقلهم من المرحلة الثانوية إلى الجامعات. وقال: نحن كمعلمين نعمل في ظل الدولة، لا في ظل نظام، فالحكومات تأتي وتذهب بينما يظل دور المعلم قائمًا.”
“وكشف مدير التعليم عن وجود 35 ألف طالب لم يجلسوا لامتحانات الشهادة في العام 2023، إلى جانب 34 ألف طالب من دفعة 2024، ليبلغ العدد نحو 70 ألف طالب وطالبة. وأوضح أنهم وضعوا خطة سيتم رفعها إلى حكومة التأسيس لترتيب فرص جلوس هؤلاء الطلاب للامتحانات، معربًا عن ارتياحه لوجود كوادر فنية مؤهلة لتقديم الدعم اللازم لإقامتها.”
خريطة سيطرة الدعم السريع
وتسيطر قوات الدعم السريع على ولايات دارفور الخمس، باستثناء بعض الأحياء في مدينة الفاشر، عاصمة شمال دارفور. ووفق مصدر في هذه القوات، فإنها تسيطر على 63 حيًا بالمدينة، بينما تبقى ثلاثة أحياء فقط تحت سيطرة الجيش والقوات المشتركة، هي: درجة أولى، حي القيادة، وحي الكرانك، إضافة إلى جزء من المطار.
كما تسيطر حسب المصدر على ولايات كردفان عدا جزء من مدينة بابنوسة ومدينة الأبيض ومحلية الرهد فيما استرد الجيش مدينة بارا الاستراتيجية أمس الخميس.
كما أشار المصدر، فإن قوات الدعم السريع تسيطر على ثلاث محليات في ولاية النيل الأزرق، إضافةً إلى مناطق نفوذ الحركة الشعبية جناح عبد العزيز الحلو التي دخلت في تحالف معها، مع امتداد نطاق سيطرتها عبر الصحراء حتى ما يُعرف بـ”المثلث”.
ويوضح هذا التوزع العسكري بين الجيش والدعم السريع أثره المباشر على قطاع التعليم، حيث تتحكم السيطرة على المدن والأحياء في مصير المدارس والطلاب. ففي مناطق خاضعة للدعم السريع تعطلت الامتحانات أو تأجلت، بينما شهدت أخرى قصفًا للمدارس أو توقفًا كاملاً للعملية التعليمية.”
المصدر: صحيفة التغيير