رسالة مُهمة إلى الحرية والتغيير هي الأخيرة قبل الذهاب للتوقيع النهائي للعملية السياسية..
رسالة مُهمة إلى الحرية والتغيير هي الأخيرة قبل الذهاب للتوقيع النهائي للعملية السياسية..
نضال عبد الوهاب
أصبح في حُكم المؤكد أن تذهب الحرية والتغيير فيما اختطته وارتضته وتنفذه في عملية اتفاق سياسي مع اللجنة الأمنية والمكون العسكري الانقلابي، هنالك حقائق من الضروري التذكير بها قبل أن نوجه لهم رسالتنا الأخيرة ما قبل توقيعهم النهائي عليها:
الحقيقة الأولى:
العسكر انقلبوا على التجربة الانتقالية الديمُقراطية وأجهضوها وعطلوا مسيرة التغيير.
الحقيقة الثانية:
العسكر حالياً مُختلفون فيما بينهم ويتواجدون في مُعسكرين كلاهما يطمح للانقلاب على الآخر والانفراد بالسُلطة، وإن تظاهرا بعكس ذلك وأحنوا رؤوسهم حتى يمُر الاتفاق بالضغط الدولي والإقليمي.
الحقيقة الثالثة:
العسكريون والمدنيون الموقعون على الاتفاق الإطاري موجودون داخل تحالفات مُقسمة على محاور قوى الثورة المُضادة ما بين الإمارات ومصر، إضافة لقوى الثورة المُضادة من (الكيزان) أنفسهم وأركان النظام السابق والمصالح المُتقاطعة لهذه المحاور، وقوى الثورة المُضادة.
الحقيقة الرابعة:
ليس هنالك إجماع جماهيري وشعبي حقيقي حول هذا الاتفاق بمثل ما كان عليه الوضع في اتفاق الشراكة والوثيقة الدستورية الأولى بعد التفاوض في 2019 وبداية الانتقال.
الحقيقة الخامسة:
عدم وجود قوى ثورية مهمة تتمثل في لجان المقاومة وأحزاب ثورية كان لها دور كبير أثناء الثورة، مثل: لجان المقاومة، الحزب الشيوعي السُوداني، وحزب البعث الأصل. وحتى إن التحقت حركتا العدل والمساواة وحركة جيش تحرير السُودان بالاتفاق يظل اتفاقاً تنقصه قوى مهمة وفاعلة وثورية.
الحقيقة السادسة:
المراوغات وعدم جدية المكون العسكري في إنهاء الانقلاب، خاصة أنه لم يخط خطوات مؤثرة وحقيقية على الأرض في إنهاء حالة الطوارئ، وإنهاء العنف ضد المُتظاهرين، وإطلاق سراح جميع المُعتقلين، وإتاحة الحريات، وبسط الأمن للمواطنين بالعاصمة والولايات.
الحقيقة السابعة:
عدم وجود ضمانات حقيقية لتنفيذ بنود الاتفاق على علاته وثقوبه، خاصة فيما يخص العدالة الانتقالية والإصلاح العسكري والأمني والعدلي. وهذه واحدة من أهمّ الأشياء التي عطلت الاتفاق نفسه، وستكون أهم اختبارات نجاحه من عدمها، طالما أن المؤشرات الحالية ليس بها وضوح واتفاق، خاصة في الجانب العملي والتوقيتات والمدى الزمني لهذا الإصلاح. وليس هنالك بنود دستورية واضحة يتم الاحتكام إليها في تنفيذ هذا الجانب، وعدم تركه للعسكريين للتسويف فيه وإهدار الوقت والرجوع لمربع الاختلاف بعد التوقيع النهائي وبدء الفترة الانتقالية، خاصة في وجود تحديات أخرى ومهام لن تستطيع القوى المدنية وحدها النجاح فيها، طالما هنالك طرف لديه المقدرة على التعطيل وإرباك المشهد مُتمثلاً في العسكر الانقلابيين الحاليين الذين تركت لهم مساحة للتدخل والنفوذ مع وجود تجربة معلومة منهم، ووقوع موثوق منه في تمرير مصالح قوى الثورة المُضادة والعمالة لها.
هذه الحقائق السبع التي ذكرناها ليس من الحكمة أو الموضوعية التغافل عنها والتعامل مع الواقع بعد التوقيع النهائي بمعزل عنها.
الاتفاق يقول إن مُدة تنفيذه هي (24) شهراً، جزء منها من المفترض توجيهه للانتخابات والتحضير لها.
ومن التجربة السابقة في وجود ذات الانقلابيين وأعضاء اللجنة الأمنية للبشير ونظامه، فمن المنطقي الإقرار بأن هذه المدة قطعاً ليست كافية لإنفاذ أهمّ بنود الاتفاق التي تُمهد للانتخابات وما قبلها من إقرار السلام، وما ينتج عنه على الأرض من ترتيبات أمنية ومُشاركة في السُلطة الانتقالية، أو حتى المُشاركة في الانتخابات نفسها وما تؤدي له من العملية الديمُقراطية، وحتى لا تكون ناقصة ومُبتسرة ومُشوهة، خاصة أن من ضمن ذات مهام المرحلة الانتقالية هو قيام ونجاح المؤتمر الدستوري الذي من المُهم أن يسبق الانتخابات وإجراءاتها.
ولأنه ذلك الذي ستنبني عليه الكثير من ملامح الدستور الديمُقراطي في مرحلة نظام الدولة ونظام الحُكم للسُودان بعد كل سنوات الحرب والانقسام والنزاعات والمظالم، فإن القفز على هذه الحقائق أو عدم الالتفات إليها سينتج عنه الوقوع في ذات التشوهات والأخطاء التي من أجلها قامت الثورة، والحرب نفسها، والثورة المُسلحة قبل الثورة المدنية السلمية في ديسمبر 2018 وحتى اللحظة.
وجود اتفاق وعملية سياسية بكل هذه التحديات مع عدم توافق تام حولها وثقوب وعطوب في بنودها وعدم ضمانات فعلية ودستورية كافية لأن تحميها، لن يصمد لينقلنا إلى واقع مختلف وأساس أي عملية انتقال ديمُقراطي ناجحة، خاصة في واقع مُعقد كواقعنا السياسِي الحالي. فللنتائج مُقدمات، وللنجاح مُقومات.
خطوات واضحة مهمة جداً:
1/ من المُهم إعطاء العامل الزمني أولوية في المرحلة الانتقالية، تحديات كهذه تحتاج لقيد زمني صارم ومُناسب وجداول عمل لفترة انتقالية لا تقل عن (4) أعوام ولا تزيد عن (5) أعوام.
2/ يتم خلالها إنجاز أهمّ إصلاحات في الجيش وتوحيده والمنظومة الأمنية والعسكرية وملفات السلام وترتيباتها.
3/ يتم خلالها إنجاز إصلاحات في القوانين والمؤسسات العدلية والقضائية والخدمة المدنية.
4/ يتم خلالها وضع الأساس الحقيقي للعدالة الانتقالية بكافة أشكالها ومحاسبة كُل من أجرم جُرم حقيقي يفتح المجال للمعافاة المُجتمعية والمُصالحة وجبر الضرر وإنصاف الضحايا وأسرهم.
5/ يتم خلالها تطبيق برنامج هيكلي لإزالة تشوهات الاقتصاد وتصحيحه وبرنامج إسعافي للحد من الفقر.
6/ يتم خلالها العمل الجاد والحقيقي في إزالة التمكين الاقتصادي والعسكري لدولة ما قبل الثورة سواء نظام الكيزان والإسلاميين أو الأنظمة المُتعاقبة التي شوهت نظام الدولة واحتكرته مُنذ الاستقلال ومُحاربة الفساد وإرساء مبادئ الحُكم النزيه.
7/ يتم خلالها إنجاز المؤتمر الدستوري لكل السُودانيين والتحضير الجيّد له لوضع ملامح الدستور ومناقشة كافة القضايا التي تهم مُستقبل بلادنا ومصيرها.
8/ يتم في نهايتها التحضير الجيّد للانتخابات وقوانينها وإجراءاتها الصحيحة التي تضمن بدء وإنهاء عملية انتخابية ديمُقراطية حقيقية ونزيهة وعادلة تفتح الطريق لدولة مؤسسات ديمُقراطية وتجربة يمكن ترسيخها واستمرارها وتطويرها.
رسالتنا الأخيرة لقوى الحرية والتغيير:
استعجال المُضي في عملية سياسية لا تتضمن ما ذكرناه عالياً، ولا يوجد عليها إجماع يُناسب تحدياتها، خاصة من قوى الثورة والديمُقراطية السُودانية، ووفق أهداف مُحددة تخلق التغيير، لن يُكتب لها النجاح والاستمرار والانتقال الديمُقراطي السليم.
التعجل بذريعة أن ظروف البلد الاقتصادية والأمنية والمهددات الحقيقية أو المتوهمة ستطيح وتُجهض أعظم ثورة صنعها وأوجدها السُودانيون طوال تاريخهم، ستتفتح الباب الحقيقي للاستبداد مُجدداً واستمرار التبعية والحالة الانقسامية ونهب الثروات لصالح الغير وجيوب الانتهازيين واللصوص والقتلة والفاسدين.
طموح البعض الشخصي داخل الحرية والتغيير أو القوى التي وقعت الاتفاق وتعمل على إنهائه بأي طريقة من أجل السُلطة، كفيل بوضع البلاد تحت عتبة الاستغلال الخارجي ومطامح ومصالح قوى الثورة المُضادة المعروفة، وسيجلب مزيداً من الخسائر لبلادنا في القريب والمُستقبل، ويزيد من تكلفة التغيير أو الوصول إليه.
كشف هذه الحقائق وتعريتها ضروري لكي لا نُساهم في خداع شعبنا وتمنيته بما ليس حقيقياً ولا يُمكن التوصل إليه.
أنتم الآن أمام مسؤولية تاريخية، كما نحن أيضاً أمام ذات المسؤولية التاريخية. فالوطن لنا جميعاً كسُودانيين، وإن اختلفنا. وسنكون مسؤولين أمام شعبنا وأنفسنا وضمائرنا إن لم نُراجع خطواتنا جيداً لكي نمضي سوياً بإرادة موحدة تجعل هذا التغيير مُمكناً يوازي كُل هذه التضحيات التي بُذلت ومضوا فيها يُفعاً شُهداء.
هذه هي رسالتي الأخيرة قبل ذهابكم للتوقيع النهائي، وفي كل الأحوال سنمضي في ذات السكة التي قصدها من ضحوا للتغيير والبناء في بلادنا، والسلام والتحية لكل من وعي وفهم رسالتنا.
الثورة من أجل التغيير مُستمرة ..
المصدر: صحيفة التغيير