ردا على المتذاكي عادل الباز
ردا على المتذاكي عادل الباز
الموقف ضد الحرب هو موقف أخلاقي وإنساني قبل أن يكون موقفا سياسيا
الحركة الإسلامية دمرت كل مؤسسات الدولة الوطنية بما في ذلك القوات المسلحة
فيصل محمد صالح
التذاكي على الناس منهج قديم ومعروف في الحوار والكتابة، غايته الالتفاف على موضوع الحوار وصرف نظر الطرف الآخر والقارئ عنه، ثم تمرير أجندة الكاتب بسهولة، ولأنه منهج قديم فقد صار مستهلكا ومعروفا، حتى انصرف عنه المحاورون الأذكياء، وبقي استخدامه محصورا على طائفة معينة من الناس، لأنه مبني على افتراض صعب تحققه، لكنه ليس مستحيلا، وهو أن يكون الطرف الأول في مستوى عال من الذكاء يفوق قدرات الشخص العادي، وبالمقابل يكون الطرف الآخر على مستوى مقابل من السذاجة والغباء، أو على الأقل هكذا يظن الطرف الأول.
وأعرف وأشهد أن الأستاذ عادل الباز ليس غبيا، لكني أيضا مندهش من افتراض أنه أعلى مستوى من الذكاء منا جميعا، فقد عرفته ولم أشهد له بهذا المستوى من القدرات، ولا أعلم السبب أن يظن فينا هذا المستوى من الغباء، سامحه الله.
كتب الأستاذ عادل الباز مرحبا، كما قال، بعودتي للكتابة المنتظمة، مرددا بعض العبارات الطيبة عن “القلم المحترم” وبعض عبارات المجاملة، ثم انهال علي بقدر من الإساءات بل والشتائم، شملت انعدام القدرات والفشل والجهل، ثم التناقض والسعي وراء المناصب، وبيع المواقف والقيم للبقاء على الكرسي، ثم بشكل غير مباشر الوقوف في صف الخيانة والعمالة…الخ
لست مندهشا من قدرة عادل الباز على وضع هذه العبارات والأوصاف، فهو ربيب مدرسة معروفة، لكني مندهش من محاولته تمرير عبارات الاحترام والتقدير، فشخص بهذه الصفات التي ذكرها لا يستحق الاحترام والتقدير، ولا يستحق أي قدر من الترحيب بالعودة للكتابة والعمل العام، ولو لي رأي في شخص بهذا المستوى، لما كلفت نفسي عناء المبادرة بالكتابة عنه من الأساس.
منذ عرفت الأستاذ عادل الباز في المجال العام ومجال الكتابة لم تلتقى رؤانا ومواقفنا، فقد كنا أصحاب مواقف مختلفة، لكن بطبيعتي لم أكن أربط بين المواقف السياسية والفكرية وبين العلاقات الإنسانية التي تنشأ بسبب الجيرة والنشأة المشتركة وزمالة الدراسة والعمل أو علاقات القرابة والمصاهرة. أعرف أن بعض الناس لا يطيق هذا الأمر، ولا يستطيع الفصل هكذا، وهم أحرار في هذا، لكني وجدت نفسي هكذا، وتصرفت طوال حياتي بهذه الطريقة التي تزعج بعض أصدقائي ومن يشاركونني في الرأي، وتحملت ولا زلت أتحمل نتائجها بطيب خاطر.
هكذا تعرفت على عادل الباز، وتجاورنا في مكاتب العمل، وترافقنا في أداء الواجبات الإنسانية، وتزاورنا في المنازل، مع احتفاظ كل منا بأفكاره ومواقفه، أو من جانبي على الاقل. كنت أعرف أن عادل، ينتمي منذ الدراسة الجامعية للحركة الإسلامية، لكنه كان يقول أنه ترك العمل السياسي والتنظيمي، ولا علاقة له بالمؤتمر الوطني، وقد دخلت معه في اشتباكات كلامية وكتابية عدة مرات، ومع غيره من كتاب وصحفيي الحركة الإسلامية، لم أخفي خلالها مواقفي ورؤاي، لكني كنت أركز على القضايا الموضوعية، ولم أنصرف يوما عنها للولوغ في المسائل الشخصية.
وليست لي أيضا أي مشكلة في أن ينتقد عادل أو غيره أدائي خلال تولي المسؤولية الوزارية، فهذا مجال عمل عام من حق كل الناس الكتابة عنه وتقييمه، أيا كانت مواقفهم ومواقعهم، حتى ولو كانت بالجزم بأن لا علاقة لي مطلقا بإدارة الثقافة والإعلام، مثلما أصدر عادل الباز فرمانه من الباب العالي الممسك بأمور الثقافة والإعلام ليمنح صكوكها لمن يشاء.
لكن عادل الباز لم يكتف بذلك، بل انزلق ليختلق الأكاذيب والافتراءات دون أن يهتز له طرف، عن فصل الآلاف من الزملاء عن العمل وإغلاق المؤسسات الإعلامية، وأضاف أيضا المحطات التليفزيونية. الغريب طبعا أن عادل الباز لا بد أنه قرأ وتابع كثير من الانتقادات لي باعتباري كنت متساهلا مع أنصار النظام القديم ولم أسعى لتطهير الأجهزة منهم، وها هو يأتي بتهمة من الاتجاه المعاكس. والحقيقة أن كلا الاتهامين باطلان.
طوال فترة وجودي في الموقع الوزاري لم أصدر قرارا بفصل أي موظف خدمة مدنية ولم أغلق أي مؤسسة إعلامية، لأني التزمت بالقوانين الموجودة والتي لا تعطيني هذا الحق. طلبت رسميا من جهاز الأمن والمخابرات الخروج من الوسط الإعلامي وتصفية مؤسساته الإعلامية، وقد فعل ذلك، وانهيت عمل ضباط الجهاز في إدارة الإعلام الخارجي التي تحولت لآداة لتقييد عمل أجهزة الإعلام ، والغينا كذلك الموافقة الأمنية التي كانت تفرض على الإعلام الأجنبي من أجل الخروج للعمل خارج العاصمة، وفرضنا على جهاز الأمن تعيين نصف أعضاء مجلس إدارة إذاعة بلادي وكذلك نائب مديرها العام وتغيير خطها الإعلامي ليتماشى مع مرحلة الانتقال، ثم أنهيت عقود مع خبراء مفترضين بالوزارة لم يكونوا موظفي خدمة مدنية ولم نكن نحتاج لهم كخبراء، وفعلت ذلك وفقا للقوانين. وقمت بتغيير رؤساء ومدراء الأجهزة التابعة للوزارة لأنهم أصلا معينون بالتكليف، وبحسب قوانين الخدمة العامة فإن القادمين من خارج المؤسسات يخرجون منها، والمعينين من داخل المؤسسات يعودوا لوظائفهم العادية، وهذا ماحدث.
وعندما تكونت لجنة تفكيك التمكين بقانون أجازه الاجتماع المشترك للمجلسين، وهي لجنة مستقلة ليست لدينا أي سلطة عليها، مارست عملها في متابعة تصفية المؤسسات التابعة لنظام المؤتمر الوطني والممولة من المال العام، وإن كانت مسجلة بأسماء أفراد للتمويه، وهذه كانت خطوة ضرورية أؤيدها من حيث المبدأ واعتقد أنها ضرورية لتصفية جيوب المؤتمر الوطني داخل السلطة. في هذا الملف أخذت اللجنة قرارات ضد قناة الشروق المسجلة باسم السيد جمال الوالي، وصحيفة السوداني المملوكة له أيضا، وصحيفة الرأي العام التابعة للمؤتمر الوطني. ورغم أن اللجنة وبحكم قانونها وتكوينها مستقلة ولا تحتاج أن ترجع إلينا في قراراتها، وإنما يفترض تكوين لجنة استئناف ثم دائرة قضائية لمراجعة قراراتها، وهذا ما لم يحدث مع الاسف، إلا أننا خاطبناها بشأن صحيفة السوداني، كان هناك تقرير أعدته لجنة كونها المجلس الغسكري لحصر وممتلكات المؤتمر الوطني والذي يؤكد أن قناة الشروق تتبع للمؤتمر الوطني تأسيسا وتمويلا وتسييرا، فيما تم تحويل ملكية حوالي 80% من أسهم الرأي العام بعد انتصار ثورة أبريل من شركتي الحصن والطود المملوكتان الأشخاص شكلوا واجهات المؤتمر الوطني، لمالكيها الجدد .
كانت لدى اللجنة إذن الوثائق والمعلومات التي تثبت تمويل قناة الشروق من الدولة وتبعية صحيفة الرأي العام للمؤتمر الوطني، وقد أيدناها في ذلك، واستفسرناها عن صحيفة السوداني، فردت بأن لديها وثائق ومستندات، وراجعناها أكثر من مرة فسمحت للصحيفة بالصدور مع حجز ومراجعة حساباتها، ثم تراجعت عن قرارها. وليست لدي أي شكوك أو تردد في القول أن الطريقة التي تعاملت بها مع صحيفة السوداني كانت خاطئة، ولم تكن تحتاج لهذا المظهر البوليسي في مواجهة صحيفة. ولدي حوارات تليفزيونية في حينها قلت فيها هذه الشهادات عن الشروق والرأي العام وصحيفة السوداني، ومن تليفزيون السودان.
لم تغلق أي صحيفة أو محطة تليفزيونية مطلقا، حتى قناة طيبة التي كان يملكها عبد الحي يوسف، وهذا الملف وحده يمثل فضيحة لنظام المؤتمر الوطني، فقد اكتشفنا أنها تعمل كحكومة وتصدق لقنوات تبث منها لدول الجوار باللغات المحلية، دون إذن من الجهة القانونية وهي هيئة البث. وحين راجعنا الملف وجدنا قرارات شجاعة للجان كونتها هيئة البث ترفض التصديق لقناة طيبة بامتلاك منصة لاطلاق القنوات الفضائية، وهذا حق حصري لهيئة البث الحكومية، ثم ورقة أخيرة في الملف تقول أن رئاسة الجمهورية أمرت بمنح المنصة لقناة طيبة وعدم اعتراضها أو التدخل في عملها. لهذا أمرنا بمصادرة المنصة، والسماح للقناة بالبث عبر هيئة البث لأنها تمتلك تصريحا بذلك، وهنا انتهى دورنا. ثم أصدرت لجنة تفكيك التمكين قرارا بمصادرة القناة وممتلكاتها بعد ثبوت تمويلها من المال العام.
أكتب هذه السطور المطولة ليس ردا لعادل الباز بالضرورة، بل لمن قرأ المقال وبرزت بعض الاسئلة في ذهنه، ومن حقه أن أجيب عليها. أما عادل الباز، فهو لم يكتب ما كتب بحثا عن إجابات أو لتجلية الحقائق، بل ليملأ الجو غبارا كثيفا، وقد فعل ذلك مع انطلاق حملة تخوين من أقلام معروفة ومرصودة، تختبئ خلف القوات المسلحة وترفع شعارات الوطنية والحفاظ على مؤسسات الدولة. لقد جربنا ذلك وخبرناه من قبل في ظل دولتهم الإنقاذية وفي عز ادعاءاتها الدينية الجهادية، ومستعدون لمواجهته مرة ثانية ودفع الثمن كما حدث من قبل، لم يخيفنا ذلك في الماضي، ولن يخيفنا الآن ولا في المستقبل.
والحقيقة أنه لم يسجل للأستاذ عادل الباز موقفا واحدا تضامن فيه مع صحيفة تم إيقافها أو مصادرتها ، خلال عهد الإنقاذ، كان الصحفيون يتضامنون بكل أشكال التضامن، الكتابة، أو كتابة المذكرات، الوقفات التضامنية، وحتى الإضراب والاعتصام، وقد فعلنا ذلك تضامنا مع صحف كانت تقف منا موقف العداء، مثل “ألوان” حسين خوجلي و”الصيحة” المملوكة للمرحوم الطيب مصطفى. وما رأينا لعادل الباز، الناشر ورئيس التحرير، موقفا يتضامن فيه مع صحف “أخوانه” التي أوقفت لخلافات داخلية، دعك عن التضامن مع صحف “الأيام” و”السوداني” و”التيار”. …الخ. ولعلي أضيف هنا أن هذه الصحف ظلت تصدر في عهد الحكومة الانتقالية ولم يتم توقيف أي منها حتى توقف بعضها طواعية
وأضيف أن من انتمى لنظام المؤتمر الوطني، علنا أو متخفيا، هو آخر من يحق له الحديث عن الدولة ومؤسساتها ومن بينها القوات المسلحة. الحركة الإسلامية ومؤتمرها الوطني لم تؤمن بالدولة ومؤسساتها الوطنية، ورئيسهم المعزول يقول في مداولات الاجتماعات التي بثتها قناة العربية “نحن نؤمن أن الدولة ملك الحركة الإسلامية”
وهكذا كانوا يؤمنون ويعملون، ولهذا سعوا لخلق مؤسسات موازية لمؤسسات الدولة، يريدون من خلالها تصفية المؤسسات الوطنية واستبدالها بمؤسسات الحركة الإسلامية.
قنعوا من الإذاعة والتليفزيون فأقاموا محطات بديلة، وأهملوا وكالة السودان للأنباء فأقاموا مركز أخبار بديل SMC ، وباعوا بنوك القطاع العام ليقيموا مؤسسات مصرفية مملوكة للحركة الإسلامية، ودجنوا جهاز الأمن والمخابرات، ثم أقاموا الأمن الشعبي كجهاز مواز ليصبح بديلا كاملا حين تحين الساعة، ولعبوا بالخدمة المدنية ودمروها، ثم التفتوا للقوات المسلحة فابتدعوا عددا من المؤسسات البديلة، المجاهدين، الدفاع الشعبي، ثم قوات الدعم السريع.
ولو غفر الشعب السوداني للحركة الإسلامية والمؤتمر الوطني كل سيئات الإنقاذ، لما غفر لهم ما فعلوه بالوطن وبالقوات المسلحة بإيجادهم لميليشيا قبلية متفلتة وتحصينها بالقوانين والقرارات وتمويلها من خزينة الدولة. مارست هذه الميليشيا أبشع الانتهاكات في دارفور تحت حماية الدولة وإعلامها الذي تولى الترويج لها ولـ”جهادها” ونعتها بأنبل الصفات، بينما ما كانت تفعله هو عين ما تفعله الآن بالعاصمة من انتهاكات فتستولي على ممتلكات المواطنين وتنهب وتسلب كل ما يملكونه، وتحرق القرى الآمنة وتمارس الاغتصاب والقتل خارج إطار القانون.
خلاف عادل الباز و”أخوانه” مع الدعم السريع ليس موقفا مبدئيا، فهم قد أجازوا كل ماتفعله هذه القوات من سلوكيات، عندما كانت تفعله لحسابهم وحساب تنظيمهم، وحتى تجاوزاتها ضد القوات المسلحة، والامتيازات التي تمنح لها على حساب المؤسسة العسكرية الوطنية، أما وقد تمايزت الصفوف فقد صاروا يتحدثون عن الانتهاكات ونصرة القوات المسلحة، وهم كما هم، لا يغادرهم الكذب ولا يغادرونه، فقد صار جزءا من تكوينهم ولحمهم الحي.
وضع قوات الدعم السريع غير مقبول، ووجودها خصم على المؤسسة العسكرية الوطنية وعلى مستقبل البلاد السياسي الذي يستند على احتكار الدولة، المحكوم بقانون، للسلاح واستخدام العنف المقبول قانونا. لكن الواقع يقول إن القيادة الحالية والسابقة للقوات المسلحة هي التي تبنت قوات الدعم السريع وشرعت لها وقننت وضعها وفتحت أمامها أبواب التجاوزات، وهي لم تطرح في أي لحظة طوال أربع سنوات ، أي تصور للوضع المستقبلي لهذه القوات. وليس صحيحا أن لا خيار سوى الحرب. كان هناك خيار الحوار حول طريقة تصفية قوات الدعم السريع بطريقة سلمية ووفق جدول زمني يحدد المهام والفترات الزمنية اللازمة، لكن كان هناك من يرفض هذا الطريق ويختار الحرب. ها نحن قد جربنا الحرب، وهاهي قوات الدعم السريع تجلس محاورة كطرف مساوٍ للقوات المسلحة الوطنية، وإن أحتججنا للعالم فسيخرج لنا الدستور والقانون وتصريحات قيادة القوات المسلحة حتى ديسمبر الماضي التي تشرع لهذه القوات وتضعها كطرف مساو وتضع قائدها في موقع الرجل الثاني في الدولة. وبعد كل هذا الخراب المهول، والدماء والأرواح الشهيدة والبريئة من أبناء وطننا، فليس أمام الجميع سوى الحوار والوصول لتصور سياسي يضع حلا لهذه المعضلة ويخلق قوات مسلحة وطنية موحدة، وهكذا كان التصريح الأخير للفريق البرهان. ودعني أضيف بوضوح أن مصير عشرات الآلاف من جنود الدعم السريع السودانيين هي مسؤولية الدولة، تضم المؤهلين للقوات النظامية وتسرح غير المؤهلين عير برامج التسريح وإعادة الدمج المعروفة دوليا، لأن البديل سيكون عشرات البؤر المسلحة المنتشرة في بوادي السودان وصحاريه.
وليس صحيحا ما قاله عادل الباز أن”لا أحد يؤيد الحرب في حد ذاتها”، فالحرب تحقق لبعض الناس أجندتهم وتخدم مصالحهم، حتى لو قادت البلاد للفوضى، ولعله سمع صيحات “أخوانه” في إفطارات رمضان التعبوية، بأن إما أن نحكم، أو نقود البلاد للدمار. الحرب في تفكير التنظيمات الإخوانية فعل مقدس تهون معه أي ثمن تدفعه البلاد والعباد، وهم من ساقوا قيادة القوات المسلحة لمواجهة وصفها القائد العام بأنها “حرب عبثية لا رابح فيها”، ومجريات الحرب تفضح ذلك. وحين تعرضت المنازل للسلب والنهب ، وشاهد الناس جنود الدعم السريع يقتحمون المنازل ويسرقون السيارات، ويعتدون ويغتصبون، تلفتوا يبحثون عن النصرة، فوجدوا المجاهدين الذي دعوا ودقوا “نقارة الحرب” قد لجأوا لتركيا وبلاد أخرى، أو لزموا جحورهم يتفرجون.
موقف “لا للحرب” هو موقف أخلاقي وإنساني قبل أن يكون موقفا سياسيا، وهو موقف يقرأ مسبقا الثمن الذي يمكن أن تدفعه البلاد من حاضرها ومستقبلها، كل يوم من أيام الحرب يقود البلاد، المتعبة والمرهقة، سنوات للوراء. فقد تم تدمير البنيات الاساسية الضعيفة للدولة، وخرجت المؤسسات الصناعية والاقتصادية من السوق وها هي تسرح عامليها، وانهارت المؤسسات الصحية المنهارة أصلا. أما الإنسان السوداني الفقير، فقد سترته حتى الآن تقاليد الاسر الممتدة، وتضامن الجيرة، وقبل وبعد ذلك، عفته التي تجعله يحمد الله على كل حال،+ لكن يعلم الله وحده حال الناس خلف الابواب المغلقة، وقد قرأنا حتى الآن عن نماذج لمن ماتوا جوعا داخل منازلهم، وإن استمرت الحرب بهذه الطريقة، فسيحدث ذلك في كل شارع ومنزل.
وها هي معابر الحدود ومطارات الاشقاء تشهد ما يلاقيه الإنسان السوداني من عنت وتجبر يحط بكرامته ويستثمر سلبا في جراحه وأزماته دون مراعاة لما لاقاه من أهوال جعلته يهجر وطنه وأرضه مضطرا ومجبرا بسبب الحرب اللعينة. يؤيد عادل الباز، وكثيرون مثله، حربا لا يدفعون فيها أي ثمن، فهم وعائلاتهم في مأمن منها ومن آثارها، ينظرون إليها خلف الشاشات كما يشاهدون فيلما من أفلام الحرب العالمية الثانية. أما المواطن العادي، المسلوب والمنهوب والمغدور، والذي يشاهد مصيره ومصير أسرته في كف تجار الحروب وسماسرتها، تطارده تاتشرات الدعم السريع في الأرض، والجحيم الذي ينفتح عليه من السماء، فأول ما يفكر به هو وقف الحرب، ليتنفس ويشرب جرعة ماء نظيفة، وينام ليلة واحدة بلا كوابيس، ثم من بعد يمكن أن يبدي رأيه فيما يجب أن تؤول إليه الأمور.
أخيرا يا سيد عادل الباز، إن كان هذا حوارا أو معركة، فنحن طرفيها، ولا شأن لآخرين بها، فمن نبل الأخلاق وحسن المعاملة، ولدي حسن ظن إنه لا تزال لديك شئ منها، أن تترك الاصدقاء المشتركين بعيدا، وتحترم منازل وأسر احترمتك وأكرمتك، ولم يبلغ بي سوء الظن بك مرحلة تجردك من كل مكارم الأخلاق، لعل وعسى.
✍ فيصل محمد صالح
المصدر: صحيفة التغيير