اخبار السودان

(راجعين) ما بين الحلم ومخاطر العودة

عبدالمنعم هلال

هلال وظلال
عبد المنعم هلال

ـ رغم استمرار شدة النزاعات التي استنزفت موارد البلاد لم يتخل السودانيون عن أملهم في العودة إلى بلادهم ومدنهم لكن ما يثنيهم عن ذلك هو الوضع المتردي حيث لم تعد الأزمة السياسية وحدها هي العائق بل تفاقمت الأمور لتشمل الاقتصاد المنهار وتدهور الخدمات الأساسية وغياب الأمن وعدم توفر الدواء والعلاج والارتفاع الجنوني في أسعار السلع الضرورية.
أصبحت الحياة اليومية في السودان تحدياً كبيراً حتى لأولئك الذين ما زالوا صامدين في أرض الوطن. انقطاع الكهرباء لساعات طويلة ونقص الوقود وتردي الرعاية الصحية كلها عوامل جعلت حياة السودانيين في الداخل أكثر صعوبة هذه الأوضاع تضع أحلام النازحين واللاجئين بالعودة أمام واقع مؤلم حيث يجدون أنفسهم مضطرين للبقاء في الخارج بحثاً عن حياة كريمة لهم ولأسرهم وعلى الرغم من ذلك يبقى الحنين إلى السودان نابضاً في قلوبهم فهم يشتاقون لأحياء طفولتهم وللعادات والتقاليد التي ربطتهم بجذورهم يتجسد هذا الحنين في اللقاءات المجتمعية في دول المهجر حيث تجمعهم المناسبات السودانية ويحاولون نقل تراثهم لأبنائهم إلا أن السؤال الذي يؤرقهم هل سيأتي اليوم الذي يعودون فيه إلى السودان كما يحلمون ..؟ .
في ظل هذه الظروف المتردية التي يعيشها السودان يمكن وصف العودة بأنه أقرب إلى الانتحار. الأحلام بالعودة تظل قائمة في قلوبهم لكن عندما ينظرون إلى الواقع الحالي يجدون أن العيش في السودان لم يعد كما كان بل أصبح تحدياً يومياً للبقاء.
العودة إلى السودان في ظل هذا الانهيار العام في كل المناحي لا تبدو خياراً منطقياً للكثيرين الحياة الكريمة التي يسعى إليها الإنسان تكاد تكون مستحيلة في ظل الظروف الحالية فحتى أبسط مقومات العيش مثل الماء والكهرباء والرعاية الصحية أصبحت رفاهية لا يمكن للجميع الوصول إليها.
الوضع الصحي المتدهور في السودان يعتبر من أكبر العوائق التي تجعل العودة إلى الوطن تحدياً كبيراً للكثير من السودانيين. في ظل انهيار النظام الصحي أصبحت المستشفيات القليلة التي تعمل تفتقر إلى أبسط الإمكانيات اللازمة لعلاج المرضى مما أدى إلى انتشار العديد من الأمراض المزمنة والمعدية بشكل كبير هذا الوضع يشكل خطراً على صحة الأفراد ويجعل من العودة قراراً محفوفاً بالمخاطر.
الأمراض التي كانت تحت السيطرة أصبحت اليوم تنتشر بسبب ضعف الرقابة الصحية ونقص الأدوية وتدهور البنية التحتية للمستشفيات والمراكز الصحية وانتشار الأمراض مثل الملاريا وحمى الضنك والكوليرا والتهاب الكبد الوبائي يجعل الوضع في السودان شديد الخطورة خصوصاً مع غياب حملات التطعيم والرعاية الوقائية التي كانت تحمي السكان في السابق.
هذا الوضع المأساوي يعكس حجم التدهور الكبير في النظام الصحي في السودان فقد أصبح الحصول على حقنة لعلاج الملاريا أحد أكثر الأمراض انتشاراً في البلاد أمراً مستحيلاً بالنسبة للكثيرين يعبر عن أزمة صحية خطيرة تضاف إلى الأزمات الأخرى التي تعصف بالبلاد.
الملاريا التي كانت تعد مرضاً شائعاً يمكن التعامل معه عبر الأدوية والعلاج المتوفر أصبحت الآن تهدد حياة الكثيرين في السودان بسبب النقص الحاد في الأدوية وارتفاع أسعارها بشكل غير مسبوق حتى عندما تكون الأدوية متوفرة تكون أسعارها فوق طاقة المواطن العادي الذي بالكاد يستطيع تأمين لقمة العيش ناهيك عن شراء الأدوية باهظة الثمن.
الوضع الحالي أدى إلى تفاقم معاناة الفئات الضعيفة مثل الأطفال وكبار السن الذين يكونون أكثر عرضة للإصابة بالملاريا والمضاعفات المرتبطة بها وفي ظل عدم توفر البدائل أو المساعدات الطبية الكافية يجد المرضى أنفسهم محاصرين بين المرض والفقر والجوع وهو وضع لا يطاق.
بالإضافة إلى ذلك أزمة الأطباء وهجرة الكوادر الطبية جعلت الوضع أسوأ والعديد من الأطباء والممرضين غادروا البلاد بحثًا عن وضع أفضل.
إن استمرار هذا الوضع سيؤدي إلى مزيد من الوفيات وتفاقم الأزمة الصحية في البلاد ويظل الحل بعيد المنال وسيبقى الحصول على العلاج المناسب لأمراض شائعة مثل الملاريا حلماً صعب التحقيق للكثير من السودانيين.
هذه العوائق تجعل التفكير في العودة إلى السودان خاصة بالنسبة للأسر التي لديها أطفال أو كبار سن أمراً شديد الصعوبة فالعائدون لن يواجهوا فقط أزمة اقتصادية وسياسية وتهديدات عسكرية بل أيضاً تهديداً مباشراً على صحتهم وصحة عائلاتهم في بيئة غير صحية ولا تتوفر فيها الخدمات الطبية الكافية.
في ظل هذه الظروف من الطبيعي أن يتردد الكثير من السودانيين في اتخاذ قرار العودة ويختارون البقاء في الخارج حيث تتوفر لهم الرعاية الصحية والاستقرار حتى وإن كان ذلك يعني البعد عن الوطن والأهل. العودة في هذه الأوضاع السيئة قد تكون مخاطرة لا تحمد عقباها.

 

[email protected]

المصدر: صحيفة الراكوبة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *