ديسمبر وقصة ثورتين : حين تمتطي الثورات صهوات جيادها وتنطلق
عمر الحويج
لا يظن أحد أن هروب بشار الأسد بأسرته وعياله وماله وذهبه ودولاراته ، وكل ماخف وزنه وعليت قيمته وغلا ثمنه ، وحمل محتويات “بقجته” الثمينة وهرب “او بمصطلح حربنا الدخيلة عرد !!” دون حاشيته ومنافقيه وإعلامييه ومطبليه وحراس سلطته وسلطانه ، من كل جنس ولون ، طيلة نصف قرن وأكثر ، زمان تسلط “الأسرة الأسدية” وتحت إشرافهم في تشريع وتقنين القتل والتعذيب داخل السجون الجهنمية “صيديانا” مثالاً . والقهر والإستبداد الأسطوري ، وحيد زمانه في القياس والممارسة ، وفي المعنى والمبنى ، فريد الشكل والمضمون ، دون شبيه أومثيل له في العصر إلحديث ، إلا بيوت الأشباح للسودان قَرِّيناً . ولكن هل هذا الهروب أو “التعريد بالسوداني” يعني إسدال الستار ، على هذا الحدث المهول الضحم ، وسقط النظام وخلاص ، وكل يذهب إلى حال سبيله ، هل تنتهي هذه البشاعات التي إقترفها هذا النظام المتجبر ، من عاش السنين الطويلة ، وهو الأوحد والأعظم والأكبر .
لا بل سوف يبقى فينا السؤال الكبير ، لكي ينير لنا الطريق ، لفهم ما ينتظر سوريا من مستقبل ، أبيض السلام أم أحمر الدماء ، النماء أم الشقاء ، الموت أم الحياة ، والسؤال هو : هل سقط النظام بفعل مسار خطى الثورة ، وتضحياتها فيما تكبدته من مهالك ، جراء أنتقام النظام حين إشعال الثورة ، دون علمه أو إستئذانه حتى!! ، والعمل لإطفاء شعلتها ونورها ، بإستخدام كل ترسانته العسكرية والأمنية والشرطية والشبيحة المخفية ، بما فيها ترسانة كتلته النقدية .. وتحالفاته العينية عبثية !! .
هل تم إسقاط النظام بيد الثورة السورية ، ومثابرتها وصبرها وصمودها أمام مكاره النظام وبشاعة ممارساته النازيو فاشية.
ام سقطت على يد المسلحين الذين إستولوا على السلطة في سوريا . وإن كان إلى حين ، فمسارها يشوبه الغموض ، وهل الأمور وصلت إلى منتهاها ، باستلام جبهة الشام المسلحة للحكم ، وتكوين حكومتها المؤقته من داخل عضويتها ، دون النظر لآخرين ، ومن جانب آخر متوقع ومتفق عليه في التحكم التركي ، والتدخل حتى في تكوين جيشها وعسكرها الوطني ، شبيه ذلك تحكم جارتنا الشقيقة ، في عسكرنا . ودعمه رغم إخوانيته الإرهابية ، الظاهرة غير مخفية ، ويا للمفارقة !! . فقد عزمت مصر على المفاصلة مع تركيا وخصامها ، لإحتوائها ذات الإخوانية الإرهابية في سوريا ، لأنها تضر بأمنها القومي ، أما في بلدنا الهامل ، فالمساعدة والسرعة في الإنجاز لإستلامهم السلطة في السودان ، رغم إراهبيتهم ، لايضر أمنها أي كان نوع الضرر ، في بلد الخير والطيبة والمسكنة !! . وهذه بداية لاتبشر بخير ، لحكام سوريا الجدد .
وهنا السؤال المتفرع من السؤال ، من له الإستحقاق في إستلام السلطة ، بعد إنتصار الثورات ، هل هم الذين يمثلون مكونات الثورة المختلفة ، التي واصلت ثورتها وهي تضحي بأعمار رجالها وشبابها ونسائها ، وآجالهم المنقرضة تحت الدبابات والبراميل المتفجرات ، وهم يواصلون ثورتهم ، في الشوارع التي لا تخون وفي السجون وفي القبور الفردية والجماعية ، وفي المنافي للذين هم مجبرون على الهرب من جحيم النظام ، مهاجرين ، نازحين لاجئيين ، وهذا الهروب الجماعي ماهو إلا من فعل الثورة ، لأنها لو كانت حرب إحتلال للوطن ، لجابهوه بصدور عارية وما هربوا .. ولكن هذه حرب السلطة من أجل السلطة والتسلط .
نعم يحق للشعب السوري أن يفرح ويغني ويرقص ، ومعهم جميع شعوب العالم فلها ومعهم أيضاً أن تفرح وتغني ، لإنزياح هذا الكابوس الجاسم على سطح الأرض السورية ، الذي يحسب على البشرية كنقطة ، سوداء يجب أن لا تتكرر . والأكثر فرحاً هم شعوب ثورات الربيع العربي المجهضة ، التي سوف يحيّ فيها الأمل ، ويرفع الأرواح المخذولة ومجهدة ، لحتمية إنتصار الثورات مهما تكاثرت عليها الخطوب والمحن .. وهذا يأخذنا في بحث نتائج هذا السقوط المدوي لبشار الأسد ، لننظر في ملاحظتين هامتين ، كنتائج محتملة ، وهناك غيرها من نتائج ، قطعاً ستفرزه صراعات المشهد السياسي في سوريا قادم الأيام .
وفور ما نلاحظه في المشهد السياسي السوري ، يأتينا الإستفسار ، هل هذا النصر يعود إلى الفصائل المسلحة بتنوع مشاربها ، وطرق تأسيسها ، التي استدرجها النظام السوري ، بعد الثورة السلمية ، وإدخالها ، لما يوده ويرغبه ليقودها إلى نفق التمرد المسلح ، وهو ميدانه المفضل والمضمون ، لكسب المعركة وانهاء هذا التمرد ، وبالتالي دحر واجهاض الثورة التي بدأت سلمية ، كما كانت الثورة السلمية في السودان ، ولنتوقف قليلاً لنأخذها في دربنا المماثل لما ستؤول اليه نهايات الثورة السورية. ونلقي بعض الضوء بماحدث في مسار الثورة السودانية ، فالثورتان متباريات في المصاعب والنهايات ، فالثورة السودانية ناضلت ونجحت بأن تواصل وتستمر في سلميتها ، رغم الضحايا الذين سقطوا غضون الإصرار على هذه السلمية ، رغم محاولات النظام الإسلاموي ، لجعلها تسلك الطريق المسلح ، مايعني جلب الثورة والثوار لميدانه ، الذي يتقنه بما له من الإمكانات الأمنية والعسكرية ، التي يظن أنها كافية ، في دحر الثورة وإفنائها في حينها ولجظتها . حاولها بداية بفض الإعتصام وفشل ، وتم دحر رغبته بالعكس ، وواصلت الثورة في طريق سلميتها ، وهزمته في 30 يونيو ونجحت ، وحين إحتار دليله لجأ لإنقلاب 25 أكتوبر الإنتحاري ، ولكنه فشل ونجحت الثورة ، فقد واصلت الثورة سلميتها ، ولم ينجح الإنقلاب ، حتي في تعيين حكومة تمثله ، وتنطق بإسمه ، حتى يوم الناس هذا ولم يستطع ، بل كان من نتيجة هذا الفشل ، أن النتيجة جاءتهم بالكارثة التي انتهت إلى خوض حربهم اللعينة ، فقد أعلن الطرف الثاني للإنقلاب التوأم الجنجوكوزي ، تبرؤه من هذا الإنقلاب ، بل الإعتذار الصريح عن تورطه ، في هذا الإنقلاب الخديج ، لمصلحة قادمة ، ندريها ولا ندعيها ، فلا مفر سيك سيك معلق فيك يا حميدتي ، وأكثر خسائر الإنقلاب عليهما معاً ، حين فتح بينهما باب جهنم ، بكشف نوايا الطرفين في الاستئثار بالسلطة ، وتحقيق حلم الجنرالين ، الأول برهان ، يصحبه حلم أبيه بالرئاسة ، والثاني حميدتي ، يصحبه حلم الطموح ، الذي غذاه ونماه داخله أفراد مستشاريته ، المنطلقة جلها من منبتها الإسلاموي الكيزاني ، حين فشل المؤتمر الوطني في إقناع شعبه بجدواه وإستمراره في الحكم بعد المفاصلة وقبلها ، وهروب المؤتمر الشعبي ، بحثاً عن براجماتية إنتهازية ، تقوده هو الآخر لحكم البلاد ، بذات النهج الاخواني كيزاني ، مستعيناً بذات مفردات المشروع الحضاري المندحر ، حيث خرجت من داخل كل هذه الإخفاقات التآمرية ، متمثلة في الإنقسامات التي شهدناها أيدي سبأ ، وإن كان أخطرها ، هم أولئك الذين التفوا حول حميدتي وإستخدموه بذكاء ، بعد إلباسه لبوس الثورة المجيده ، لهدمها من داخلها ، مضافاً ومضاف اليه ، إستعجالهما ولهفتهما معاً للوصول والنصر في سباق السلطة ، كل قبل توأمه ،
وهنا علينا أن نتاملهما وأنفسنا لنتساءل : ما جدوى السؤال ، في من أشعل الحرب أولاً ، رغم أن كل القرائن والدلائل والإثباتات ، تؤكد أن
قيادات النطام المباد ، هم مشعلوها وهم الذين بادروا بالطلقة الأولى ، فالطرفين كانا جاهزين ، ليكون هو المبادر في إشعال الحرب . الأول بحسمها بعد سويعات ، مدعوماً بالجارة ذات المصلحة في أمنها القومي والحياتي “المعيشي” !! ، لحسمها لصالح البرهان ، بإستخدام الطيران الحربي خاصة مع الدعومات التي سوف تتآلى تباعاً . والثاني برد جميل أطنان الذهب ، للجار الآخر الأبعد ، والوعد بالمزيد من أطنان الذهب المهرب لمصلحة الطرفين ، والوعد القادم بنهب المزيد من الموارد بارضها وخيراتها .
ورغم حرب الإبادة التي إفتعلها الطرفان في السودان لإجهاض الثورة ، لازال الطريق مفتوحاً للثورة السودانية “حين قالت أطرافها لا للحرب ” ، لإستعادة دولتها الديمقراطية .
ثم يأتي هنا سؤال المصير للثورة السورية .. لمن يحق له استلام السلطة ، هل يتسلمها من أتى بالسلاح والمحاربين من أصقاع الأرض وجنسياتها التكفيرية ، وقد أتى بسلاحه مدججاَ ، والكل يشير ويعلم !! . ام يتسلم السلطة المدنيةالديمقراطية ، الذين جعلوا إنتصار الثورة السورية ممكناً بالنضال السلمي ، ويستمر التساؤل هل تُسلم الحركات المسلحة السلطة في سوريا لأصحابها الحقيقيين ، وكفي الله المتصارعين شر القتال ، لمصلحة استقرار سوريا ، لإعادة إعمارها ونهضتها من جديد . أم لازال الطريق طويلاً أمام الثورتين ، السودانية والسورية ، على إنتزاع حقهما في إقامة دولتهما المدنية الديمقراطية . وإن كان الطريق شاق للثورتين وحتى وإن طال السفر ، فإن الثورات تتواصل وتستمر فهي لا تموت .. وقد تنتكس ، ثم كالعنقاء من تحت رمادها تنهض وتنتفض .. ولا تنقضي .
[email protected]
المصدر: صحيفة الراكوبة