اخبار السودان

ديالا .. خطوة في الدراما السودانية …

حسن العمدة

 

شاهدنا جميعاً في رمضان هذا العام العمل الدرامي الموسوم بديالا .. هو بلا شك إضافة حقيقية الى المكتبة الدرامية السودانية وتجربة تضاف الى تراكم التجارب التي مرت بها الدراما طيلة فترتها الممتدة بإمتداد تاريخ المجتمع السوداني المتجاوز لكل المسميات والعلامات، كما أن الدراما هي الاكثر تأثيرا على المجتمع وهي القادرة على تغيير الوعي وتبني الأفكار الهادفة والاكثر فائدة للمجتمعات التي تنشد دوما التقدم والنمو والتطوير المفاهيمي ومن ثم الإجتماعي وغيرها، وهي المسؤولة عن تطوير المفاهيم المجتمعية الجيدة والأعراف التي تميز المجتمعات والشعوب السودانية عن غيرها باعتبار التنوع والتباين الثقافي الديني الاثني وغيرها وتعريف الناس بالآخرين المختلفين عنهم ، وحث الناس على نبذ البائد وغير المفيد من السلوكيات المتوارثة في المجتمعات التي تعتمد مرجعية الأسلاف وتثمن عاليا إحتفاظ الأجيال الجديدة بما تعارفوا عليهم عبر عقود من الزمان مثل قضايا ختان الإناث وتعليم المرأة والبطان وحمية القبيلة والتعبير عن الفرح بالأسلحة النارية وغيره، كما انه منوط بالأعمال الدرامية تقديم نماذج جديدة ومغايرة يقتدي بها الناس ليتحسن أدائهم الفعلي في الحياة الطبيعية بنشر قيم التسامح والتدين والإستقامة والخلق القويم واحترام التنوع الثقافي الاثني الديني، هذا بالإضافة الى خلق مفردة جديدة تضاف الى المفردات العالية الراقية ليتم تداولها من قبل المتابعين وتفادي الغث من القول واستخدام العبارات غير اللائقة من قبل الشباب اليافعين الذين تبهرهم اضواء الاعمال الدرامية وشخصياتها ليقود ذلك الى تردي في المستوى القيمي للمفردة المجتمعية ولهذا تكون مسؤولية الدراما كبيرة تجاه المجتمع فهي التي تصنعه او تساهم في تشكيل وعيه وثقافته وذوقه وحتى مفردته، الدرما رسالة وعمل يستوجب الإخلاص وأمانة ينبغي المحافظة عليها للمحافظة على المجتمع وقيمه وتدينه من التردي الأخلاقي والذي يقود الى إنهياره بالكامل كما اثبتت العديد من التجارب حول العالم الى مجتمعات تردت قيمها فتهاوت وسقطت ولم يعد بها ما يستحق الذكر.

يؤسفني اني قرأت العديد من التعلقيات في قناة العمل الدرامي ديالا وفي مواقع التواصل الإجتماعي تتحدث بصورة سالبة عن التجربة التي قدمها الشباب، تتهكم على شخصياته وادائهم بل ذهب البعض الى انه ينبغي ايقاف المجموعة من تقديم المزيد من الاعمال الدرامية في المستقبل وهذا مجحف جدا في حق قائله قبل ان يكون مجحف في حق العمل والقائمين عليه.

انا بلا شك اؤمن بالنقد لأي عمل، لان النقد يعني المداومة على التطوير و التجويد وتحقيق ماهو أفضل دائما في المراحل القادمة، ولكن النقد غير البناء وغير المؤسس لا يؤدي الى نتيجة مرجوة منه وهي تطوير العمل نفسه او تجويده في مرحلة لاحقة وبالتالي يكون مجرد مماحقات وملاسنات مع اشخاص قدموا تجربتهم وهذا في حد ذاته خطوة للامام وفي الاتجاه الصحيح، مدى جودة العمل هذه قد نختلف حولها وهي تخضع لمعاييرنا الذاتية والموضوعية، وانا لست ناقدا فنيا و لكني كشخص عادي متابع للعمل الدرامي المذكور ومحب للدراما اريد فقد أن أعطي رأي فيما رأيت وفيما اتمنى أن أرى في مستقبل الدراما السودانية التي اتمنى ان تكون أفضل لأنها بلا شك إن تطورت وقدمت ما هو هادف ستكون كما أسلفت مفتاح للتغيير المفاهيمي والقيمي للمجتمع ، فالمسرح هو معول مهم لبناء الأمة.

التقيت احمد الجقر مصادفة بنادي ابوظبي الإجتماعي حدثته بأن التمثيل ليس بالعمل السهل ولا الذي ينال بالتمنى وانما بالغوص عميقا في الشخصيات وخاصة الشخصية السودانية ذات الجوانب الكثيرة والمتشعبة وقلت له بالحرف”تمثيل شخصية محددة يعني تخيل كل جوانبها الإجتماعية و السلوكية التي ينبغي ان تكون عليها وفقا لمجتمعها فشخصية الانسان الناجح ابن الذوات غير شخصية الانسان العبقري المنحدر من طبقة اجتماعية دنيا ، بإعتبار ان العوامل القيمة والمفاهيمية التي تتبناها الطبقة مختلفة”، وافقني الرجل بضحكة مجاملة سودانيين، واخذنا صورة للتذكار باعتباره نجم درامي مشهور .. انتقدني اصدقائي بالفيسبوك وتنمروا على الرجل برغم انه كان في قمة التهذيب والرقي معي حين التقيته.

لست ناقدا ولا متخصصا ولكني ابدي فقط ملاحظاتي على مارأيت في العمل الدرامي ديالا على أمل تطوير الاعمال القادمة لنصل الى مانصبوا إليه جميعا، دراما سودانية تطل على العالمية لتبرز هويتنا الثقافية وتنوعنا وتميزنا عمن يحيط بنا لجمعنا بين الأفريقانية والعروبة في صهير عرف بسودانويتنا الجميلة التي بها نفخر دوما .

دعوني انقد بحب “ديالا”، ذلكم العمل الدرامي، تأليف وسيناريو احمد كرغلي، اخراج علي بطة ، الذي تابعته بإهتمام شديد لأساب ذاتية و موضوعية سالفة الذكر .. فقد شابت ديالا العديد من الشوائب والتي هي طبيعية بإعتبار ان القائمين على العمل حديثي التجربة ولديهم رؤيتهم المختلفة في الدراما ومفهومها، وتبنى الشباب القائمون عليها طريقة جديدة في العرض وعلهم اعتمدوا موازين قيمية مختلفة ربما يراها البعض صالحة بإعتبار التطور التقني الذي أثر مباشرة على العلاقات الإجتماعية وأنسنة قضايا في الماضي لم تكن موجودة و لم يكن التعامل مع مثلها يتم بالطريقة التي اقترحها الشباب سواء اتفقنا او اختلفنا مع مبدؤها نفسه، والذي يأخذ المتابعون عليه مآخذ كثيرة ويرون انه يصادم بعض المفاهيم والقيم التي يدينون بها .. أو أنه مخالف لقيم المجتمع الأخلاقية والإجتماعية  وابرز رواد هذه في الدراما العربية هي الممثل المصري محمد رمضان التي تتطابق بشكل مذهل مع شخصية احمد الجقر في دور آسر أوحربي، وربما لا أكون مبالغاً إن ذهبت الى أن العمل الدرامي ديالا يشبه الى حد ما العمل الذي قدمه محمد رمضان والموسوم بالبرنس، فالجقر هو الرواية السودانية لرمضان، وحربي هو بصورة ما البرنس، احمد الجقر في العمل الدرامي السابق زاندا الذي هو بالضبط يحاكي العمل الدرامي المصري ابن حلال بطولة محمد رمضان، ديالا والبرنس، الجقر ومحمد رمضان، حربي والبرنس، أجد نفسي هنا مضطر لأهمس في اذن الجقر : “أخرج من شخصيات رمضان وابدع ففي الفضاء متسع”، ففي العملين تشابه مذهل بالإضافة إلى أن بعض المشاهد بل الأدوار مأخوذة بالكامل من اعمال درامية مصرية وإن تمت سودنتها بشكل جيد على سبيل المثال الدور الذي قدمه ابوبكر مكرم الذي قام بدور طباخ الفيلا حسنين حين رأى والده في المنام يأخذه معه الى العالم الآخر و بدأ يحدث الجميع عن الموت ، فهذا الدور مأخوذ بالكامل من الدور الذي يقوم به الممثل المصري محمد جمعة في دور عم ضياء (كله رايح)، ولم يجتهد السيناريست حتى في تغيير التكنيك الدرامي للدور ولكنه ابدع في حلم ابيه الثاني حين أوصاه بأن لا يكذب وإن كان يشابه لحد بعيد دور فؤاد المهندس في العمل الدرامي المصري “أرض النفاق”، عندما اخذ عقار يجعله صادق على الدوام، مما خلق التناقض الحياتي المعاش والذي نجم عنه ميلاد الكوميديا “كوميديا نتجت عن تناقض الواقع والمفترض”، على كل حال دعونا لا نستبق الحديث بالحكم على العمل الدرامي وفي محاولة مني لجعل التقييم موضوعي اكثر برغم ان فيه بعض الذاتي، ليكون على عدة أوجه مثلا الشخصيات والحبكة والمحتوى بصورة عامة .. وهي مدرسة جديدة مثل المدرسة الدرامية التي احدثت ثورة في الوسط الفني العربي للممثل العالمي يوسف شريف فقدم العديد من الأعمال الرائعة والهادفة والتي انتهجت طريقة مغايرة للعرض الدرامي من حيث الشخصيات والمحتوى وطرق السرد الدرامي والتقنيات الأخرى المستخدمة في العرض وقد أمتعنا بأعماله “لعبة ابليس” ، “الصياد” و “النهاية”، فقد قدم فنا جديدا فيه من التحديث التقني والمفاهيمي ما يجعله يبشر بمستقبل للدراما المصرية وتقدم كثيرا نحو العالمية.

من المشكلات المزمنة التي تعاني منها اعمالنا الدرامية بشكل خاص انه في الحوارات دائما ما يكون صوت الممثلين عاليا ، إنفعالهم زائدا ولا توجد خلفية للمشاهد الخارجية ، فعندما يلتقي اي شخص بشخص آخر في مكان عام او شارع جانبي تكون هنالك خلفية الشارع العادي المارة والسيارات الركشات المحلات الباعة السابلة وغيرها او خلفية صوتية موسيقى في كشك في الشارع او صوت قرآن ينبعث من راديو احدى المحال او آذان من مسجد قريب او غيره فليس من المنطق ان يلتقي شخصان في الشارع حولهما لا شئ ولا احد ، هذا دائما يكون في درامتنا السودانية

الشخصيات .. عل من أبرز الشخصيات التي ساهمت في العمل بشكل واضح هو محمد جسكبة الذي قام بدور مصطفى مافيا، والذي يذكرني بعملاق الدراما السودانية محمد عبد الرحيم قرني الذي أمتعنا بأعماله المتنوعة “مأساة يرول”و “الشاهد والضحية” ومسرحية “ضوء البيت” وغيرها، يشابه جسكبة الى حد ما قرني في قدرته على توظيف ملامحه وتنميطها في شكل واحد للشر او الحب او الكراهية وغيرها و كذلك إستخدامه لدرجات صوته كذلك للشخصيات وفق الانفعالات المطلوبة ، وقد برع جسكبة في هذا الى حد كبير فتغيير ملامح وجهه ومحاولته تنميطها على القسوة بحجة العصب السادس كانت موفقة الى حد كبير و لكن طريقة الحديث واستخدامه مفردات مميزة بعضها لم يستخدم حتى في لغة الشارع “راندوك”، مع انه ظل طوال العمل الدرامي الممتد لثلاثون حلقة بنفس الشخصية والإنفعال و مستوى الأنا المرتفع وهذا غير منطقي حيث أن اي شخصية حقيقية او درامية لها العديد من الانفعالات مثل الضعف الحزن الغضب السعادة وغيرها فليس من المنطقي ان يحتفظ الشخص الواحد بإنفعال واحد طوال حياته ومستوى الأنا المرتفع وحتى يرتدي الملابس نفسها.

من الشخصيات الرئيسة أيضا روبي كمال في دور سمونا وهي شخصية محورية في العمل وتدور حولها كل القصة فهي والدة ديالا المظلومة التي عانت من شظف العيش والتفكك الاسري لتلقى نفسها في السجن بسبب إرتباطها بشخصية مجرمة أنانية اتخذتها وسيلة لمتعة مؤقتة ورافضة لأن تكون علاقة شرعية مستمرة مثل شخصية مجدي التي قام بأدائها نصر الدين زيودي، روبي ايضا وقعت في نفس الفخ الذي وقع فيه جسكبة بلبس قناع واحد لشخصية واحدة بإنفعال واحد طوال العمل الدرامي مما افقدها متعة التنقل والتحول الذي يبرز موهبتها كممثلة قادرة على اداء شخصية بجوانبها المتعددة وانفعالاتها المتباينة الحزن الغضب اليأس الأمل الفرح ، وظهر ذلك جليا عندما تحول احساسها من الحزن والمقت الى الحب والأمل فكان الوجه الحزين الذي لبسته من بداية العمل يلقي بظلال واضحة على شخصيتها المرحة مما اظهر ضعفها في ذلك.

معلوم أن التنميط دائما مخل ، فالتشوه في وجه احد ابناء الدوش ادى دوره ياسر تبيدي وتقليص الملامح في وجه الآخر لا يمكن ان يدل على انهم اصحاب حق ويودون ان ينتقموا من مجرم قتل واغتصب اختهم، يمكن ان تكون ملامحهم وابراز المعنى المراد بالحدث نفسه والتركيز عليه دراميا أكثر من اوجه الشخصيات وهذا ما يعزز فرضية ان التشوه في وجه جسكبة مافيا لم يكن مقصود به العصب السادس بقدر ما قصد به تنميط الوجه الاجرامي لقاتل لص صاحب سوابق، وهذا ليس صحيحا فالمجرم شخص عادي الملامح ووديع وتغلب عليه الطيبة في اكثر الاحوال اذا كان نصابا او ما شابه

أداء مجدي كان أداءا معقولا وإن كانت به بعض المبالغات في الإنفعالات مثل دور آمن الذي قام به محمد زمراوي وإن حاول أن يبدو فاشلا وخسيسا بتعلقه بزوجة اخيه ومغازلتها خفية في حياته وملاحقتها بعد موته، برغم من ان مجدي يعرفه ان اخيه رجل “نسونجي” ويفتقر الى الكثير من المميزات في شخصيته تجعله جاذبا للنساء و لكنه كان متصالح مع ذلك واخبره بان يتم ذلك دون ان يثير حوله الأقاويل وهذا منطقي الى حد كبير ولكن تعلقه بزوجة اخيه رغم رفضها المتكرر له بمفهوم الطمع في ثروة اخيه غير مبرر حيث انها ليس ام لديالا وبالتالي وضعها القانوني ضعيف وحصتها في ثروة مجدي يمكن التشكيك فيها ببساطة، لا أدري كيف غابت هذه النقطة على احمد كرغلي.

من إشراقات العمل الدرامي ديالا هو بروز الممثلة عزوان لبيب في دور منية زوجة مجدي، فقد كان أداؤها جميلا وطبيعيا وأدت فيه إنفعالات مختلفة لشخصية واحد جعلتنا نصدقها تماما بأنها شخصية واقعية وليست تمثيل بوجه إنفعالي واحد وأن عزوان قادرة على إحاطة كل جوانب الشخصية وإنفعالاتها وحالاتها منتصرة وعنيدة ومهزومة ضعيفة وعقلانية تبحث عن حلول لمشكلات متشعبة وتزداد تعقيدا يوما بعد يوم .

ميرفت الزين في دور الزهراء والدة سمونا كان دورها بسيطا وباهتا برغم أدائها الرائع وانفعالها الحقيقي الذي جعلنا نصدقها والذي شابه الى حد كبيرة الدور الذي قامت به لميس عثمان زوجة جلال وعشيقة مجدي فكلتاهما لعوب لها علاقات غير رسمية وخارج اطار الزوجية وان كانت لميس اعمق في مفهوم الخيانة الزوجية التي لم تكن مواجهتها ومعالجتها بالأمر المنطقي من قبل محمد التيجاني الذي قام بدور جلال صديق مجدي وشريكه في كافة أعماله ونشاطاته المشبوهة ففي الواقع مثل هكذا علاقات يتم التعامل معها بصورة اكثر قسوة سواء من الزوج او من النظام الاسري والمجتمعي .

أعجبني محمد المهدي في دور النور البواب كان كوميديا وأضاف للعمل شي من الجمال والروح الخفيفة التي كانت من غير تكلف وبذكاء وحرفية عالية شاركته في ذلك محبوبته ولاء الفاضل في دور توسل المربية التي ترى نفسها أرقى في المكانة الإجتماعية وتوسيطة عشق الباشا في دور والدة منية زوجة مجدي والتي قامت بدور رائع بسيط وجميل و مقنع للمشاهد وهذه من الشخصيات التي يمكن البناء عليها في المستقبل .

علي و كثيرين ممن شاهدوا مسلسل ديالا تمنينا أن يبقى سلمان شمس الدين الذي قام بأداء دور ود الحاج صديق حربي الذي قضى في مصارعة الموت من اجل علاج منية بنت حربي لآخر العمل الدرامي او أن يكون له دور اكثر اهمية فهو موهبة يمكن الإستثمار فيها لبناء عمل درامي جيد

الحبكة الدرامية .. عل اكثر ما اثار إندهاشي هو ان الحبكة الدرامية لم تكن محكمة بالقدر الذي كان من المفترض ان تكون عليه (رأي شخصي)، فموت مجدي كان مبكرا جدا فهو العقدة في المشكل الأساسي ديالا منة سمونا و آمن، موته مقتولا وفي بداية العمل الدرامي افقد العمل الدرامي الكثير فالحقائق بعد موته كانت باهتة الى حد فظيع .

اثار احمد كرغلي العديد من المشكلات المجتمعية والمهددات الأمنية الدخيلة والخطيرة على مجتمعاتنا و لكنه تجاهلها تماما من حيث العرض والنقد ورؤية الحلول سواء الاجتماعية او الثقافية اوالقانونية او غيرها مثل قضية تجارة الأعضاء والعاملين فيها وكيفية التعامل معها اجتماعيا او قانونيا، فكانت الدولة (الكاكي علي تعبير مافيا) غائبة تماما عما حدث ويحدث من قتل وتمزيق لأحشاء طفلة في العاصمة الخرطوم فقد كان دور اسلام الياس في دور سامي زوج اشرقة شقيقة حربي المتآمر مع عصابة تجارة الاعضاء العابرة للحدود محدودا للغاية ومبهما ولا يوضح حجم المشكلة ولا كيفية نشوؤها فهنالك الكثير من الاشياء المهمة غابت تماما، مثل كيفية التحاق سامي او تواصله مع هذه العصابة التي اوضح انه تعرف عليهم وغرضوا عليه العمل مقابل مبلغ مالي، فلم يوضح لنا كيفية ترشيحه للعمل معهم وكيفية تواصلهم معه واتفاقهم على سرقة اعضاء منة بنت حربي، وهل رد فعل حربي كان مناسبا باستخدامه لقانون الغاب وتعذيب وقتل خارج المنظومة العدلية وعندما علمت زوجته بمقتل زوجها على يد اخيها لم يكن رد الفعل مناسب ولا منطقي ابدا. وهل للدولة علم بذلك ام انها فقط علمت عندما اعترف حربي في الحلقة الأخيرة، فهذا يبرز جهلنا بهكذا تنظيمات اجرامية وضعف قوتنا الامنية (الكاكي علي تعبير مافيا) والقانونية والمخابراتية على متابعة ورصد ومحاكمة هذه الشخصيات مع التعقيدات القانونية الناشئة عن كونها متعددة الجنسيات وبالتالي هنالك اجراءات خاصة تتبع في التعقب والمحاكمات وتسليمهم كمجرمين للخارج او استلامهم، كل هذه الاشياء وغيرها من الجوانب المهم التي يجب ان تبرز في العمل الدرامي الذي هو توعوي وتأميني وتطميني للمجتمع وابعاد هذه الثقافات وغيرها لدرء خطرها، وهذه مسؤولية الدراما ايضا لأنها مقود الأمة . وايضا المجموعات التي تتبنى المراهنات على المصارعة والقتال حتى الموت (مقتبسة من سبارتكوس) فهي عادة رومانية قديمة و لا أظن ان لها امتدادات في المجتمعات السودانية على حد علمي لكن وجودها واثارتها في ديالا كان يجب ان تكون مصحوبة بتفاصيل اكثر عن نشأتها عن المراهنون طبقاتهم الاجتماعية والثقافية وهل هم ساسة تجار علماء عسكريون ومن اين نشأ لديهم هذا الهوس وما هو البعد النفسي الذي جعلهم يعشقون صناعة الموت ، وهل للدولة علم بذلك ام انها فقط علمت عندما اعترف حربي في الحلقة الأخيرة، فهذا يبرز جهلنا بهكذا تنظيمات اجرامية وضعف قوتنا الامنية والقانونية والمخابراتية على متابعة ورصد ومحاكمة هذه الشخصيات مع التعقيدات القانونية الناشئة عن كونهم من طبقات مجتمعية عليا وربما فئات محمية بحصانات قانونية وهكذا . من القضايا المهمة التي طرحها مسلسل ديالا هي عملية انتشار المخدرات بين المراهقين اليافعين وكيف ان هذا يعرض مستقبلهم وحياتهم للخطر، خصوصا الشبو او الآيس الذي يجعل المراهق زمبي قاتل خطر على نفسه وعلى من حوله وقد أجاد مهلب احمد أداء ابن جلال صديق مجدي المدمن للمخدرات، فالمخدرات هي الدراما السوداء التي نعايشها يوميا في مجتمعاتنا وكنا نتمنى ان تناقش بشكل افضل لمعرفة اسبابها وطبيعة مروجيها وكيفية موجهتهم اجتماعيا او أمنيا. طرح المشكلات بصورة عابرة من دون أية تفاصيل او طرح حلول علي الأقل درامية يضعف من الحبكة الدرامية.

في رأي ان موضوعي تجارة الأعضاء ومصارعة الموت يكفيان لعملين دراميين منفصلين لأهميتهما ولجوانبهما المتشعبة والمتراكبة بشكل يجعلها مادة دسمة لعمل ربما يكتبه احمد كرغلي في المستقبل.

بدت النهاية درماتيكية ويبدو أن احمد كرغلي قد كتبها متعجلا ولم يأخذ زمنه ليعيد ترتيب الأحداث بالشكل الذي يجعل الحبكة الدرامية اكثر قبولا لدى جميع الأطراف التي تتابع العمل الدرامي في الخارج او الداخل او انه اراد بذلك ان يضغط الاحداث المتشعبة في حلقة واحدة مما جعلها للأسف نهاية مخيبة للآمال ولا ترقى حتى لمستوى النقد .

برغم مما اسلفت نقدي حبا للعمل الدرامي ديالا و الذي كنت ان يكون بمستوى اكثر حبكة وأداء ولكني سعيد جدا بمتابعته لأنه يعتبر بداية لتراكم التجربة الدرامية للشباب واتوقع ان يكون القادم أحلى .

 

[email protected]

المصدر: صحيفة الراكوبة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *