دوي الرصاص، وسلاح الكلمة السودانية , اخبار السودان
بقلم: محمد بدوي
غياب الدور المؤثر للأعلام المستقل السوداني نتيجة لعوامل كثيرة منها طبيعة الحرب التي اندلعت في ١٥ ابريل ٢٠٢٣، وتوظيفها للموارد من الطرفين للأعلام المساند ومن جانب أخر وانعكاسات الحرب على البنية الهشة لمؤسسات حرية التعبير السودانية التي رزحت تحت القيود لثلاثة عقود ثم التطورات التي لحقت بالفترة الانتقالية من انقلاب ٢٥ اكتوبر٢٠٢١، هذا مع غياب التفكير من الاجسام المستقلة المرتبطة بحرية التعبير في السبل التي تمكنها من الاستمرار في القيام بدورها في ظل الحرب من جغرافيا امنة يمكنها ايصال صوتها، وتعزيز دورها في توفير الخدمات لعضويتها بشكل يساعد يمكن حتي ولو من الاستقرار النسبي لشرط يمكن من القيام بالدور المنوط بهم، فالأعلام المستقل له دور في تعزيز الاصوات الداعية لو قف الحرب من جانب وادوار اخري كثيرة لا مجال للتعرض لها في هذا الحيز .
الفراغ الذي نتج استطاعت الاصوات المساندة لطرفي الحرب في ملأه بأشكال شتي جميعها تصب كانعكاس لمواقف الاطراف الرئيسية للحرب التي في محصلتها واسباب نشؤها قطع الطريق على الفترة الانتقالية بالسودان، الكثير من الحملات كانت محتوي للأعلام المساند منذ بداية الحرب ، لكن التطورات التي برزت بظهور قائد الدعم السريع الفريق محمد حمدان دقلو الشهير بحميدتى خلال اليومين الماضيين من الاسبوع الاخير من ديسمبر ٢٠٢٣ في كل من دولتي يوغندا واثيوبيا، افرزت حالة تنبيه لدور الاعلام المساند وتطورات الحرب المشتعلة، لذا يحاول المقال النظرا الي الارتباط والنتائج المترتبة على ذلك وانعكاسها في مجمل المشهد،
في تقديري أن الإعلام المساند للقوات المسلحة منذ بدء الحرب في السودان في ١٥ أبريل ٢٠٢٣ قد منح قوات الدعم السريع فرصة كبيرة وذلك من خلال الترويج سواء بالنشر الكتابي أو الصوتي أو عبر الفيديو وغيره لمقتل قائدها الفريق أول محمد حمدان دقلو، وكان قد سبق ذلك نشر لمقتل شقيقه الذي يتولى منصب القائد الثاني الفريق عبدالرحيم دقلو في الأيام الأولي منذ بدء الحرب، لكن سرعان ما ظهر الرجل أكثر من مره وسط مقاتليه، الأمر الذي جعل التركيز ينصب نحو حميدتى؟
قبل الخوص في الاجابة يثور السؤال عن المغزى من اثارة مقتل حميدتى ؟ بداهة تأتي الإجابة بأنها بهدف زعزعة الروح المعنوية لقواته وسحب مقتله كبداية لهزيمتها باعتبار أن مقتل القائد قد ينفرط معه عقد تماسك الدعم السريع وينعكس على بعثرتها للتركيبة التي تتكون منها بما يشمل الذين انضموا اليها بعد الحرب سواء تضامن عشائري او تعبئة مالية !
كل هذا ظل على مدي أشهر لكن دون أن يفلح أحد في تقديم الدليل على موته سواء قتيلا بشكل مباشر أم بعد الإصابة في سياق القتال، كما أنه رغم ذلك ظل استمرار الترويج دون الاتيان بدليل تفتضيه تعزيز المصداقية أو حتي الاستفادة من حالة النشر حول مصيرعبدالرحيم دقلو.
ليأتي السؤال هل حدث ما رمت اليه خطة الترويج من تراجع الدعم السريع أو تبعثره ؟ الاجابة ليست عسيرة بل سيطرة الدعم السريع على مناطق واسعة بدارفور وكردفان وآخيرا ولاية الجزيرة هي الشاهد على ذلك، من ناحية ثانية لم يتم الانتباه الي أن استمرار القتال والترويج لموته يعني تعزيز ما يرمي اليه الدعم السريع من انه قادر وراغب على الاستمرار في المعارك، طول الترويج وعدم تعزيزه بدليل ابطل مفعول الحالة النفسية المرجوة من الخطة، بالمقابل جعل الدعم السريع يتجاوز ذلك ويركز على النشر الذي يحاول به تحسين صورته بشكل عام وفي المناطق التي سيطر عليها، بل ذهب الي النفاذ الي خطوات اخري بان وظف الاعلام الخاص به ووسائل التواصل الاجتماعي لإبراز قادته في مناشط تجعله يبدو مهتما باستقرار المواطنين في مناطق سيطرته من تقديم للخدمات وغيرها، هذه الحالة اذا نظرنا لها بعين غير السودانيين والسودانيات فهي نافذة اليهم كمتلقين بعيدين عن مركز الحدث.
في تقديري أن الترويج لموت حميدتى استغل من جانبه بشكل جعله بعيدا عن الضغط الاعلامي بل منحه عفو من المسئولية القانونية الجنائية التي يسقطها القانون بالموت، او بتعبير اخر منحته حصانة جعلته بعيدا عن التركيز الدولي المنصب على الانتهاكات وهو ما يفسر العقوبات الامريكية على عبدالرحيم دقلو واللواء عبدالرحمن جمعة قائد الدعم السريع لغرب دارفور، بل واصل حميدتى في الاستفادة من ذلك بظهوره في المحيط الافريقي في يوغندا واثيوبيا واستقباله بشكل رسمي ومن قادة تلك الدول الرفيعين.
اثار ظهوره هذا حالة من الربكة والتبرير غير الموضوعي من الاعلام المساند للقوات المسلحة في حالة ستنعكس سلبا على المصداقية بما يقلل من فاعلي حالة الترويج وهو الخصم الذي لم يتم التحسب له منذ البدء، كما قد تكون له انعكاساته على استغلالها لتجديد الروح المعنوية للدعم السريع، نفسيا يقود ذلك قد المتلقي الذي ظل على تصديق بمقتل حميدتى للتفكير مستقبلا قبل التعامل الجاد مع المعلومة من ذات المصدر/ المصادر، في ظل تطور وإتساع مصادر المعلومات التي تتنافس على الموثوقية.
الخلاصة: الاعلام الحربي لا يدار بما ينحدر الي مستوي يجافي المصداقية ويضع عقل المتلقي في حالة توهان، وهذا التوهان قد يسري الي القوات التي تبدأ في التفكير في مغزي التوهم كل هذا يقود الي من المستفيد من اطلاق هذه الشائعات وما هي مصلحته وهل هي متطابقة مع مصلحة الجيش الذي يناصره ام انها شائعة خرجت من الطرف الاخر ليعزز بها موقفه ويربك به الجيش في توقيت محدد؟ وكل هذا وهنالك حرب مستمرة تحصد الارواح وتشرد المدنيين وتهدم في البنية التحتية للدولة وتنخر في عضم المواطنة النسبية برماح الكراهية المسمومة .
المصدر: صحيفة التغيير