دعم أميركي لـ “تقدم” يعزز وضعها في المعادلة السودانية
بدأت الولايات المتحدة تستخدم خطابا جذابا لدعم جهود القوى المدنية السودانية لإنهاء الحرب، ما يشي بأن تحركات المدنيين قد تحظى بدعم دولي أكبر يعزز القدرة على استخدام وسائل ضغط على الطرف الساعي لإطالة أمد الأزمة، بعد أن تبنت واشنطن إجراءات أكثر صرامة ضد جهات تعتقد أنها تؤجج الصراع.
وقالت مساعدة وزير الخارجية الأميركي للشؤون الأفريقية مولي في على منصة إكس “لا يوجد حل عسكري مقبول للصراع، ويجب تكوين حكومة مدنية انتقالية شاملة”.
والتقت المسؤولة الأميركية وفد تنسيقية القوى المدنية الديمقراطية “تقدم” في أديس أبابا، الثلاثاء، وتطرق اللقاء إلى رؤيتهم الخاصة بإنهاء الحرب وتحقيق السلام وتحقيق انتقال مدني، وتفاصيل المؤتمر التأسيسي للتنسيقية الذي لم يتم تحديد موعده بعد.
وتؤكد الرؤية الأميركية أن مساعي حسم الصراع عسكريا وإطالة أمد الحرب أو تقويض العودة إلى المسار الطبيعي للتحول الديمقراطي، لن يكون مسموحا به من جانب واشنطن، ما يعزز الضغوط الناعمة التي تمارسها “تقدم” لعقد لقاء مع قائد الجيش الفريق أول عبدالفتاح البرهان، أسوة بما حدث مع قائد الدعم السريع الفريق أول محمد حمدان دقلو “حميدتي” الذي خرج من رحمه إعلان سياسي مشترك.
ولا تخدم التوجهات الأميركية الصارمة رؤية البرهان الذي تهرب من لقاء “تقدم” ويراوغ مع أي وسيلة للتفاوض تؤدي إلى حل الأزمة أو تقترب من وقف الحرب، بينما تصب التحركات الجادة في صالح الدعم السريع التي تملك رؤية للحل السياسي، وسبق أن عبّرت عن قبولها بتشكيل حكومة مدنية عقب وقف القتال، ما يجعل الضغط الأميركي مصوبا نحو قائد الجيش وفلول حزب المؤتمر الوطني داخل المؤسسة العسكرية.
ويبدو أن لدى القوى المدنية فرصة للاستفادة من الدعم الدولي بشكل عام لحل الأزمة والضغط على الطرف الذي يعرقل ذلك، خاصة إذا نجحت في تجميع أوراقها وتنحية خلافاتها جانبا والتوصل إلى صيغة لوقف القتال.
والتقطت “الكتلة الديمقراطية” التي دعمت الانقلاب العسكري على السلطة المدنية في أكتوبر 2021 وتتبنى موقفا قريبا من الجيش، خيوط الدعم الأميركي للقوى المدنية وعقدت اجتماعا تشاوريا مع “تقدم” في جوبا بغرض الوصول إلى خارطة طريق لوقف الحرب وتحقيق سلام شامل، خوفا من تهميشها.
وقال الكاتب والمحلل السياسي السوداني مرتضى الغالي إن الدعم الأميركي ينصب الآن على جهود وقف الحرب، مشيرا إلى أن كثافة النشاط المدني أخيرا، والتفاهم مع جهات خارجية مهمة، بينها الولايات المتحدة، منح “تقدم” مكانة كجهة تستطيع بها الضغط على طرفي الحرب؛ الجيش والدعم السريع.
وأضاف الغالي في تصريح لـ”العرب” أن الموقف الأميركي الداعم لـ”تقدم” قد توظفه قوى معادية للسلام ومحسوبة على تنظيم الإخوان للترويج لأكاذيب حول “عمالة” القوى المدنية للولايات المتحدة، وهو أمر يصعب تصديقه لأن “تقدم” تضم تيارات مختلفة لا يمكن القول إنها تعمل لخدمة المصالح الأميركية.
وأشار إلى أن التنوع الذي تحظى به “تقدم” ورئيسها عبدالله حمدوك الذي جرى الانقلاب عليه عندما كان على رأس الحكومة يوفر لها قبولا خارجيا يمكن توظيفه في الدعم اللازم لنجاح خطواتها، ولن يكون ذلك كافيا لإحراز تقدم ملموس إذا لم يوجد تحرك دولي ضاغط على الطرف الذي يعرقل إنهاء الحرب.
يقول متابعون إن الإدارة الأميركية لا تعول على نجاح أي مفاوضات جديدة بين الجيش والدعم السريع في غياب الضغوط الفاعلة لتحسين وضع القوى المدنية والتعامل معها كرقم رئيسي في معادلة الحل السياسي، وما يجعل شكل الدعم غامضا أن المكون المدني غير قادر على تبني رؤية واحدة للحل، كما تخشى واشنطن أن تظهر في صورة من تدعم مقاربة تصب في صالح طرف على حساب آخر.
وتعتمد الولايات المتحدة على سياسة العصا والجزرة في علاقتها بالأطراف الفاعلة في السودان، ولا تزال تضع آمالها على منبر جدة الذي ترعاه بالشراكة مع السعودية، وتستخدم سلاح العقوبات ضد هيئات ومؤسسات تعتقد أنها تسهم في تغذية الحرب.
وسلكت الإدارة الأميركية طريقا ثالثا يتمثل في منح أولوية للجهود المدنية والتركيز على الحد من تدهور الأوضاع الإنسانية في السودان، وهو طريق لا ينفصل عنه تقديم دعم سياسي متدرج للقوى المدنية لأجل تفعيل دورها لوقف الحرب. وقال وزير الخارجية الفرنسي ستيفان سيجورنيه، الخميس، إن بلاده ستعقد اجتماعا وزاريا منتصف أبريل المقبل لمساعدة السودان والدول المجاورة على مواجهة تداعيات الحرب التي أدت إلى نزوح الملايين وأثارت تحذيرات من حدوث مجاعة.
وأكدت عضو المكتب التنفيذي لقوى الحرية والتغيير (المجلس المركزي) انتصار العقلي أن الدعم الطبيعي من المفترض أن يبقى للقوى المدنية إذا توحدت تحت تحالف واسع، حيث لديها مصلحة حقيقية لوقف الحرب، وإذا أقدمت الولايات المتحدة عمليا على تقديم الدعم في هذا التوقيت فذلك يعني أنها تأخرت للغاية، لأن مسارات الحرب كانت واضحة في السودان منذ اليوم الأول لاندلاعها في منتصف أبريل الماضي، ومن الضرورة تعزيز دور القوى السياسية لإنهاء القتال على نحو أكثر فاعلية.
وأوضحت العقلي في تصريح لـ”العرب” أن تنسيقية “تقدم” استطاعت الأسابيع الماضية جمع أكبر قدر من المعلومات حول تفاصيل مواقف القوى المتباينة بشأن الحرب وسبل وقفها، وتواصلت على نطاق واسع مع جهات عديدة في المجتمع الدولي، وتتوقف فعالية دورها على توحد القوى المدنية بشكل كامل بما يقنع العالم بأهمية أدوارها.
مع ذلك رفضت العقلي التعويل على الحلول الخارجية لإنهاء الحرب، مؤكدة على إمكانية توظيف عنصر الضغط الدولي على الطرف الساعي لإطالة أمد الحرب ودفعه نحو السلام، بعد أن وصلت الأوضاع الإنسانية إلى مستوى مرتفع من التردي، فهناك دوائر عدة لوحت بإعلان المجاعة في السودان.
ويتوقف دور القوى المدنية أيضا على ما يمكن أن تصل إليه قيادتها من تفاهمات مع الجيش حيال وقف الحرب، وإذا أخفق هذا الاتجاه ستكون الدعم السريع الجهة الأكثر تقاربا لمفهوم الدولة المدنية الوطنية، ما يجعل الرهان السياسي عليها متزايدا.
وأجازت “تقدم” في نوفمبر الماضي مشروعا لخارطة طریق بشأن إنھاء الحرب وتحقیق السلام والتأسیس لعملية انتقال مدني مستدام في السودان، ووقّعت مطلع يناير مع قوات الدعم السريع إعلانا في أديس أبابا حول ﻗﻀﺎﯾﺎ وﻗﻒ العدائيات وإﯾﺼﺎل اﻟﻤﺴاعدات اﻹﻧﺴﺎﻧﯿﺔ وﺣﻤﺎﯾﺔ اﻟمدنيين وإنهاء الحرب وتأسيس دولة سودانية مستقرة.
العرب
المصدر: صحيفة الراكوبة