دروس من الكونغو، نجاح دبلوماسي وتعثر سياسي السودانية , اخبار السودان


بين الدوحة والخرطوم: دروس من الكونغو، نجاح دبلوماسي وتعثر سياسي
م. فؤاد عثمان عبدالرحمن
في تطور دبلوماسي لافت، نجحت العاصمة القطرية الدوحة في استضافة لقاء جمع الرئيس الرواندي بول كاغامي ونظيره الكونغولي فيليكس تشيسيكيدي، في خطوة تعكس قدرة الوساطات الإقليمية على نزع فتيل الأزمات حين تتوافر الإرادة السياسية والآليات الفاعلة. هذا اللقاء، الذي جاء برعاية قطرية، يؤكد دور الدبلوماسية المدروسة في احتواء النزاعات وتعزيز فرص التسوية، لا سيما في سياقات إقليمية معقدة تتشابك فيها المصالح مع الصراعات المسلحة.
لم يكن الاجتماع مجرد لقاء بروتوكولي، بل امتدادًا لمسار تفاوضي مدعوم إقليميًا ودوليًا، إذ رحبت الخارجية القطرية في بيان اصدرته في 18 مارس الجاري، بالتقدم المحرز في عمليتي لواندا ونيروبي، وأكدت التزامها بمخرجات القمة المشتركة لمجموعة شرق أفريقيا (EAC) ومجموعة التنمية لأفريقيا الجنوبية (SADC)، التي انعقدت في دار السلام بتنزانيا في فبراير 2025. وقد شدد القادة المشاركون على ضرورة وقف فوري وغير مشروط لإطلاق النار، مع التأكيد على استمرار الحوار الذي انطلق في الدوحة كرافد أساسي لمسار التسوية الإقليمية الأشمل.
جدير بالإشارة إلى أن تلك الجهود والوساطات جاءت إثر التوترات التي تصاعدت بين رواندا والكونغو الديمقراطية منذ العام الماضي، حيث وجه البلدان اتهامات متبادلة بدعم (المتمردين) من الجانبين، حيث اتهمت كينشاسا جارتها كيغالي بدعم حركة ٢٣ مارس M23، بالمقابل تتهم رواندا جارتها الكونغو بالتواطؤ مع القوات الديمقراطية لتحرير رواندا، وهي جماعة مسلحة وفقا لتقارير موثقة تمركزت بالكونغو منذ الابادة الجماعية عام 1994في رواندا، وازدادت التوترات حدة مؤخرا بين البلدين بعد توغل حركة M23في قوما شرقي الكونغو.
على النقيض من هذا الزخم الدبلوماسي الفاعل، تبرز الأزمة السودانية كنموذج لتعثر المبادرات الإقليمية والدولية، حيث تحولت الوساطات إلى حلقات مفرغة لا تقود إلى أي اختراق حقيقي في المشهد السياسي أو العسكري. فبينما تتحرك القوى الإقليمية لإنهاء النزاع في الكونغو الديمقراطية ضمن إطار تفاوضي واضح، يظل السودان غارقًا في صراع لا تبدو له نهاية، مع دخول الحرب عامها الثاني وسط غياب أي آلية فعالة لفرض وقف القتال أو الدفع نحو تسوية سياسية شاملة.
ورغم تعدد المبادرات، من مسار جدة إلى جهود الإيقاد والاتحاد الأفريقي، لم تفلح أي منها في تحقيق تقدم ملموس، حيث تصطدم جميعها بجدار صلب من التعنت السياسي والتشابكات الإقليمية، إذ لا تزال الأطراف المتحاربة متشبثة بمواقفها، رافضة تقديم أي تنازلات جوهرية، مما يعمّق النزاع ويفاقم الكارثة الإنسانية.
يكشف التباين بين الحالتين أن نجاح الوساطات ليس مجرد مسألة إجراءات تفاوضية، بل يعتمد على إرادة الأطراف المتنازعة واستعدادها للانخراط في الحلول. ففي الكونغو، رغم تعقيد الصراع، أبدت الأطراف استعدادًا ولو مشروطًا للجلوس إلى طاولة المفاوضات، بينما لا تزال أطراف الحرب في السودان ترى في استمرار القتال خيارًا أكثر جدوى من الدخول في عملية سياسية حقيقية.
إن الأزمة السودانية ليست مجرد صراع داخلي، بل ساحة تتقاطع فيها مصالح قوى إقليمية ودولية، ما يجعل أي محاولة للوساطة رهينة بحسابات معقدة تتجاوز الفاعلين المحليين. وبينما تنجح الدوحة في تقديم نموذج لدبلوماسية نشطة قادرة على تحقيق اختراقات في أزمات إقليمية شائكة، يظل السودان رهينًا لحالة من الجمود، حيث تتحول المبادرات السياسية إلى بيانات بلا أثر، وتبقى الحرب هي اللغة الوحيدة السائدة.
المصدر: صحيفة التغيير