دارفور.. تطهير عرقي وحشد كيزاني
أحمد عثمان جبريل
لا تزال دارفور حتى هذه اللحظة، تتقاطع فيها المآسي مع الصمت الدولي، حيث تحترق الأرض وتُزهَق الأرواح بلا رحمة.. الفاشر لم تعد مدينة، بل مسرحًا للجحيم، شاهدة على إبادة ممنهجة، حيث الإنسان السوداني يُقتل في كل ثانية، والعدالة غائبة، والصراعات السياسية تُستغل لسفك الدماء والابادة العرقية.. كل شارع في الفاشر يحكي قصة مأساوية، وكل صرخة طفل أو امرأة تروي فجيعة لا تُمحى.
كما قال المفكر العربي عبد الرحمن منيف: “الوطن ليس ما نملك من أرض، بل ما نحميه من حياة.” ولكن اليوم، دارفور لا قوة تحمي حياة أهلها بل الموت في كل مكان، والدماء على كل حجر، والأرض صامتة إلا من صراخ الأطفال والنساء والشيوخ.. كل بيت يحمل جرحًا، و كل قلب يئن تحت وطأة الموت والتهجير.
1_قال الجاحظ: “ليس أعظم جرمًا من أن تُسلب الإنسانية من قلوب الرجال”.. والفاشر اليوم تحترق على يد رجال فقدوا الإنسانية، والدعم السريع بات رمزًا للوحشية المنظمة، يمارس تصفيات عرقية وحشية، وتحويل المدينة إلى مسرح للجحيم، ما يؤكد أن هؤلاء الجنجويد الاوباش ليسوا مجرد ميليشيا، بل آلة إبادة ممنهجة، تنسف أي مفهوم للإنسانية، وتزرع الموت بين القرى والمدينة على حد سواء.. جرائمهم لن تنسى، ولكن العدالة لن تفلت من أعينها، مهما طال الزمن.. فالفاشر تعلمنا أن الإنسان لا يُقتل بسبب السياسة، بل بسبب غياب الإنسانية وفشل القيادات.
2_مني أركو مناوي، حاكم دارفور، وقف أمام الكاميرات متباكيًا على شعبه، في الوقت الذي قُدم له ما يكفي من دعم مالي وعتاد عسكري لحماية الاقليم.. فخطابه المنمق بالامس ليس سوى محاولة لتغطية عجزه، و بينما آلاف الأرواح تُزهَق يوميًا، جلس يبكي في الزاوية.. اللغة الرنانة لا تُنقذ شعبًا من الموت يامارشال، ولا تغيّر واقعًا تحكمه الميليشيات.
3_ الإسلاميون وفلول النظام السابق، الذين يخططون من الخارج بين تركيا ومصر وقطر، اجتمعوا للتأمر وقرروا مواصلة تعبئة سفك الدماء، بينما أبناء السودان يئنون تحت وطأة الخوف والجوع والتشريد، يجلسون هناك مع ابنائهم واسرهم في الشقق المرفهة.. هؤلاء لم يغادروا الميدان جسديًا فقط، بل يزرعون الفتنة ويستمرون في إلحاق الضرر بالوطن، بعيدًا عن أي مساءلة.. السودان بحاجة اليوم إلى إزالة كل سرطان يزرع الصراعات، ووضع حياة الإنسان في قلب القرار.
4_ الدماء التي تُسفك ليست أرقامًا في تقارير؛ إنها صرخات حيّة لكل طفل فقد والديه، ولكل امرأة فقدت حياتها، ولكل رجل دفع جسده ثمن صفقات ومصالح لا صوته فيها. الفجيعة تكشف الوجه الحقيقي لمن يُفترض أنهم حماة الشعب، بينما كانوا أدوات للفساد والقتل..لذلك اقلامنا ستكتب، فمسؤوليتنا الصحافية تفرض ألا نصمت، وأن نواجه هذه الجرائم بالكلمة والفعل.
5_الموقف الأمريكي، كما عبّر عنه مسعد بولس، مبعوث الرئيس الأمريكي للشؤون الأفريقية والعربية، حاسم”: الإسلاميون وفلول النظام السابق خارج العملية السياسية القادمة، والدعم السريع على شفا التصنيف كمنظمة إرهابية، وفق الكونغرس الامريكي، و المجتمع الدولي يراقب ويرسم خطوات واضحة لضمان عدم انزلاق السودان نحو فوضى شبيهة بليبيا، مؤكداً أن مستقبل البلاد لن يُبنى إلا بإبعاد هؤلاء عن السلطة والقرار.
6_ ما يجري في السودان لا حل له بأي منطق إلا منطق السلم، يجب وقف الحرب فورًا، وتفعيل مسار سلمي شامل يضمن حماية المدنيين، ووضع حد للمليشيات، ومساءلة القيادات المسؤولة عن الجرائم.. السلام ليس رفاهية، بل ضرورة للبقاء، واستعادة الكرامة والهوية السودانية.. فاستمرار هذا النزيف يعني مزيدًا من الانقسام الذي قد يمتد لأجيال، ويجعل السودان أسيرًا للميليشيات والفوضى والفساد.
7_ دارفور ليست مجرد إقليم؛ إنها مرآة كل السودان، حيث تتجلى مأساة شعب بأكمله.. لن يكون هناك مستقبل إلا بالسلام، ولن يتحقق السلام إلا بتجاوز الخطابات الرنانة، وإبعاد من يزرعون الفتنة، ووضع الإنسان السوداني في قلب القرار.. فصمت العالم لن يمحو الحقيقة، لكن إرادة المواطنين العقلاء قد تصنع مستقبلًا يليق بكرامة هذا الوطن وأبنائه.
8_ كل لحظة صمت هي دم جديد، وكل غياب للضمير فرصة للوحشية للاستمرار.. فالدماء التي تُسفك يوميًا في دارفور ليست مجرد أرقام، بل صرخات حيّة وأرواح أزهقت ظلماً، وأرض تشهد على أبرياء لم يرتكبوا ذنبا غير أنهم كانت ولادتهم في هذا الإقليم.. إنه واجب كل سوداني رشيد أن يرفع صوته عاليًا للحقيقة والعدالة، لا للانتقام، بل نعم لإنقاذ ما تبقى من إنسانية في وطن منهك.
9_في قلب الفاشر، حيث الحرث يُهدر ونسل الأبرياء يُزهَق، تبقى الصرخة حيّة لا تُمحى: السلام طريق النجاة، العدالة ضمانة المستقبل، والإنسانية وحدها قادرة على كسر دائرة الموت التي استمرت طويلًا في دارفور.. لن يكون السكوت خيارًا، وكل كلمة تُرفع وكل صوت يُسمع هو وعد بالحياة وبوقف آلة الموت التي تهدد وجود السودان نفسه.
إنا لله ياخ.. الله غالب
المصدر: صحيفة التغيير