اخبار السودان

خلفية التدخلات المصرية في الحرب السودانية!

عبدالرازق انقابو

 

01 أخذا بالمعطيات الجغرافية وما فيها من اعتبارات وأبعاد ، حق لمصر كأي دولة مجاورة للسودان ، الإهتمام بما يجري فيه من تطورات ، خاصة إذا ما كانت أمنية الطابع كما هي ، الحرب الدائرة الآن! ومع أن هذا الإهتمام تتفاوت درجاته بين الدول المجاورة ، وحتي بين تلك المعنية إقليميا ودوليا بملف السودان ، إلا أن مصر وفقا ، لتميز إرتباطها التاريخي المشترك ، ووفقا لمصالحها الإستراتيجية ومستويات التداخل المجتمعي وحجم التبادل التجاري وغيره ، تجد نفسها من هذه الزاوية هي ، الدولة الأحق بالتدخل في شأن السودان تحوطا ، من مخاطر ازمته المتفاقمة خاصة ، وبيدها أحقية حفظ أمنها القومي داخليا وإقليميا!.

 

02 مع كل تلك “الأحقيات”، ومع إمكانية إستغلال مصر لوزنها ونفوذها في محاولة إحتواء أي أزمة تلم بجارتها السودان ، فإن المتتبع بشكل عام، لطبيعة الإستجابة المصرية للأزمة السودانية ، منذ بداية إرهاصاتها المتسارعة ، وحتي تفجرها بفظاعة غير مسبوقة ، وإلي حالتها المأساوية المتروكة سدى لهذا اليوم ، يدرك أن مستوي دور مصر وقيمة جهودها التي بزلت ، لتضعها جميعا في دائرة شبهة التآمر من جهة ، والإشتباه بالمولاة من جهة أخري ذلك ، لثلاث ملاحظات مجملة بالآتي :

أولا : موقفها تجاه الأزمة لحد الآن ، هو دون المستوي المتوقع ، خاصة فيما يلي المقاربة ما بين فرقاء الحرب! .

ثانيا : تجاوز دورها للحدود المحتمل توقفه عندها ، لدرجة الإنحياز لأحد طرفي النزاع! .

ثالثا : عدم الجدية في جهودها وقصورها البائن تجاه إحتواء الأزمة ، لا يحسب فقط لوقوفها مع خيار الحرب ، إنما أيضا للتآمر فيها! .

 

تلك المعطيات السالبة المشار إليها اعلاه ، تؤكد مدي مغروضية مصر في إختلاق هذه الأزمة ، وتحيزها فيها ، مع تواطئها في بقائها مدمرة حتي إشعار آخر! وهنا ، أخذا بخلفية ذلك التصريح التصعيدي لوزير خارجية حكومة بورتسودان الجديد ، وهو يهدد فيه قوات الدعم السريع بالإنهاء من الوجود عسكريا أو سياسيا ، مع علمه التام بمدي تفوقها الميداني ، فان هكذا تهديد لم يكن ليخرج ، إن لم يجد ضمانة من جهة هي، إما جزءا منه ، أو علي أقل تقدير مساندة له! تلك الجهة بحيثيات ذلك التصريح ، هي الحكومة المصرية ، التي كانت كل مبادراتها الغير جادة ، لا في إحتواء أزمة متفاقمة امام أعينها ، ولا في التوصل لهدنة فيها ، هي مجرد لزوميات “لدرء اللوم” عنها ، وحسب!.

 

03 مرد التدخلات المصرية في الشأن السوداني ، يعود حقيقة لذلك الإستعداد المتوارث تاريخيا عند كافة الحكومات المصرية ، في دعمها اللا محدود لأي حكومة إنقلابية بالسودان. وبدوافع هذا الاستعداد الكامن ، فإن المؤشرات الأولية ، الدالة علي التدخلات المصرية في هذه الحرب السودانية بأوجه وطرق متعددة محافظة علي بقاء ، الحكومة الإنقلابية برئاسة الفريق أول البرهان في السلطة، يأتي علي رأسها ما كشف عنه ، قائد عام قوات الدعم السريع في خطابه الأخير! وما جاء ضمن بيان وزارة خارجية مصر المتحيز ، الصادر بالأربعاء 30 أكتوبر 2024م ، فهو تأكيد دامغ علي مدي هذه التدخلات في الحرب السودانية بقراءة هذا البيان بالآتي :

 

أولا : دعوته لتنفيذ مبادئ إعلان جدة المنتهي الصلاحية ، من غير الإشارة إلى تنفيذ إلتزامات تحالف جنيف الأشمل إستجابة من غيرها للازمة الانسانية بالبلاد إنما ، إتفاقا مع مخطط حظر مناطق سيطرة الدعم السريع من وصول المعونات الانسانية إليها (وهي تمثيل (70%) من مساحة البلاد وبعدد سكان يفوق الـ (30) مليون نسمة) ، مع استمرار القصف الجوي الغير مرصود فيها ، تحديا لتلك الإلتزامات الخاصة بحماية المديين! .

ثانيا : وصفه لقوات الدعم السريع بالمليشيا ، بينما هي رسميا مجازة برلمانيا بقانون صادر ، تحت اسم قوات الدعم السريع السودانية.

ثالثا : تحميله للدعم السريع جزافا ، مسؤولية سقوط مئات القتلي من المدنيين بشرقي ولاية الجزيرة! .

رابعا : تفاديه الإشارة للطرف المتورط حقيقة وعدم إدانته في جريمة تجييشه للمدنيين في حرب ، كان يجب عليه حمايتهم منها ، وليس التغرير بدفعهم مقاتلين فيها! .

 

04 واخذا باتجاهات ودلالات المواقف المصرية ، منذ نشاطها المخابراتي المحموم بين عامي (2020م 2022م) ، والذي رتب عملية الإستحواز علي مطار مروي وتحويله لقاعدة جوية مستقلة ، فإنها جميعا تشير ، إلي إحتمالية تورط مصر في سيناريو نشوب حروب الوكالة (proxy wars scenario) استهدافا لسد النهضة او للدعم السريع، تماما كما دورها في هذه الحرب الدائرة الآن بالسودان!. وما تحركاتها العسكرية الحالية بمنطقة القرن الأفريقي ، هي ببعيدة عن الإستمرار في هذا السيناريو المرجح فيه هذه المرة ، حتمية استهداف سد النهضة ، التي كشفها وزير خارجية حكومة بورتسودان الجديد ، بالأربعاء 13 نوفمبر الجاري ، عبر تصريحه نصا : (سنقف لجانب مصر في خيار الحرب كبديل ، إذا فشل الحوار في ملف سد النهضة!). لذا، فإن ذلك النشاط المخابراتي لمصر المصحوب ، بتنامي وجودها العسكري بمطار مروي ، مقابل نظرتها الأمنية لسد النهضة كمهدد وجودي من جهة ، وللدعم السريع كمهدد لمصالحها الإستراتيجية من جهة أخري ، فإن هكذا حرب بالوكالة مقصود بها؛ إما الإنقضاض علي سد النهضة ، أو علي قوات الدعم السريع أيهما يأتي أولا! وهنا، فان البداية بالدعم السريع أولا، هي ما كشفت عن مدي الأولوية الملحة القاضية بحتمية إقصائه سياسيا أو إنهائه عسكريا! .

 

05 دلالة ذلك الاقصاء والانهاء للدعم السريع ، نجدها ماثلة في مؤامرة تغيير وجهة المظاهرات الراتبة بالخرطوم ، من الهتاف بإسمه بداية ، إلى الخروج بالهتاف ضده نهاية ، من بعد توريطه فيما يؤدي لسقوطه في نظر الجماهير! ولذا جاءت عملية فض الإعتصام كأكبر مؤامرة مرتب لها مخابراتيا ، قبل أن يتم تنفيذها أمنيا ليسلم فيها القتلة الحقيقيين ، ويتورط غيرهم كقاتلين! هذه المؤامرة طالت حتي لجنة أديب ، في عدم إعلانها نتائج تحقيقها في هذه الجريمة لهذا اليوم ، حتي تنتهي الإدانة فيهآ جماهيريا ، وتتفصل علي الدعم السريع لوحده ، دون سواه! . وهذا ما وضح بجلاء في تظاهرة (مليونية) يونيو 2021م ، التي خرجت تحديدا لإدانة قادة الدعم السريع بجريمة فض الاعتصام دون غيرهم! مفاد هذه الإدانة من جهة أخرى ، يكشف عن إنها جزء من مخطط الحرب علي الدعم السريع ، رغم تلك الشراكة المتناغمة حينها ، بين الجيش والدعم في إدارة فترة مجلس السيادة العسكري الإنتقالي ، وقد إنتهي شهر عسلها بتلك التظاهرة المشرف عليها أمنيا! وهنا نشير ، أن استجابة رئيس مجلس السيادة الفريق أول البرهان ، لعملية توسعة قوات الدعم كانت عنده حينها، هي لأجل تمكين بقائه في السلطة اهتداءا بالنظام البائد ، لتكرار دكتاتورية عسكرية مباركة مصريا ، بينما كانت عند نائبه الفريق اول حميدتي ، مطلبا تحوطيا لعملية إنقضاض محتملة عليه داخليا او إقليميا! علما ان هذا الإنقضاض المحتمل ، هو ما تنبأ به ذات القائد حميدتي ، منذ أول محاولة إنقلابية شهدتها البلاد بعيد سقوط البشير، وحتي نشوب هذه الحرب الدائرة ضده! .

 

06 وبين مواقف مصر الداعمة والمؤيدة استمرار حكم العسكر مخابراتيا ، والمترددة تجاه الدعم السريع بسبب نظرتها لخروجه المحتمل عن السيطرة نهائيا ، فإن مصر مع ذلك السيناريو المرتب لنشوب حرب بالوكالة بالمنطقة ، تكون قد وضعت الدعم السريع تحت قائمة استهدافاتها المحتملة جنبا إلي جنب ، مع سد النهضة! وتجدر الإشارة إلى ان الإستهداف المحتمل لسد النهضة ، كان مصمم بداية علي نشوب حرب وكالة بالمنطقة ، ينتهز فيها الطيران المصري الفرصة ، بتنفيذ عملية تدمير خاطفة للسد! إلا أنه وبسبب إحتقان الأوضاع المقصود بالسودان ، عبر تزايد وتيرة الإضطراب السياسي وتظاهراته المليونية الراتبة فيه ، تحولت أنظار مصر للانقضاض أولا ، علي الدعم السريع بسبب ذات مخاوفها ، من إمكانية انتقال السلطة إليه ، وهي تتفهم أنه ، لولا الدعم السريع لما سقطت الإنقاذ الدكتاتورية الأعتي في تاريخ السودان ، فكيف لا يسقط غيرها ، وهو اي الدعم السريع ، الأكثر قوة وتماسكا من اي وقت مضي ، في ظل وضع أمني وسياسي واقتصادي ، لا يزداد إلا اضطرابا وتدهورا! عليه ، فإن أولوية البدء بالدعم السريع دون سد النهضة ، برزت مؤشراتها في فترة السلطة الإنتقالية الثانية ذات المكون العسكريمدني ، حيث تلاحظ أثناءها بروز الفتور والتبدل المفاجئ لمواقف قادة الجيش تجاه الدعم السريع ، ونظرتهم الغير مبررة إليه ، كمهدد للأمن القومي! وبغض النظر عن أسباب استدارة الظهر عن الدعم السريع ، فإن ما فات وطنيا ومهنيا واخلاقيا ودينيا علي قيادة الجيش وعلي كافة اجهزة مخابراتها واستخباراتها ، أن إستهداف سد النهضة جويا ، او الإجهاز علي الدعم السريع عسكريا ، نتيجتها عمليا، تشريد وتهجير للعباد وتدمير وتفكيك للبلاد! وما تزامن هذه المواقف المغايرة ضد قوات الدعم السريع ، مع حركة طيران مصري مقاتل بمطار مروي، هي ما تؤكد مدي التواطؤ المصري في إستدراج الجيش للانقضاض علي الدعم السريع ، وهي ما تبرر من جهة أخرى ، تحييد الدعم السريع لذلك الطيران الحربي الأجنبي المرابط بمطار مروي ، في عملية إستباقية لم ينكرها عليه احد ، سوي اتباع النظام البائد! .

 

07 وحتي نفهم حقيقة وطبيعة التدخلات المصرية وأهدافها في الشأن السوداني خاصة ، فيما يلي الحرب الدائرة الآن ، فان الأمر يتلخص في مجمله ، حول ديناميكية قوات الدعم السريع السودانية ، وطموحاتها في تغيير المعادلة في كل ما يتعلق بالسودان داخليا وإقليميا ودوليا ، ومدي نظرة الحكومة المصرية إليها كظاهرة متطورة ، من هذا المنظور! . وهنا ، فإن أول ما أدي للفت الإنتباه مصريا ، لقوات الدعم السريع كلاعب بديل بالمنطقة ، هو الدور المحتمل قيامها به ، ضمن الترتيبات الأمنية لصفقة القرن! ترجع هذه الترتيبات لعودة بنيامين نتنياهو رئيسا للوزراء مجددا ، لمواصلة اتصالاته بالقيادة السودانية ، إنما فقط لانجاز مخطط صفقة القرن ، التي تم إبرامها تحت إشراف الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب الطامح للعودة للرئاسة، وها هو الآخر ، قد عاد مجددا! فالأمر الذي زاد من قلق الحكومة المصرية تجاه الدعم السريع وصفقة القرن معا ، هي ملاحظة إختيار السودان ووقوعه في صدارة البلدان المعنية بتطبيقات هذه الصفقة الأمنية الطابع! علما ان مصر تدرك أن تلك الصدارة ، هي ليست علي مكانة السودان الجيوساسيه المعلومة بالضرورة عندها منذ عشرات العقود ، إنما فقط ، لذلك الظهور الطارئ والطاغي لقوات الدعم السريع ، ودورها الأمني الإقليمي ، والتحرري الوطني القاطع ، بتحقيق أهداف ثورة التحرير والتغيير الجارية بالبلاد ، لحد الآن! .

 

08 الميزة التي طفرت بقوات الدعم السريع لمستوي لفت الأنظار ، جاءت نتيجة مباشرة لتلك الإمتيازات القانونية التي منحها لها ، الفريق اول البرهان ، وقد جعلت منها أكبر قوة خاصة قتالية بالشرق الأوسط والقارة الأفريقية معا! ولم يأت تزامن مضاعفة ألوية الدعم السريع ، مع إجماع مجلس السيادة العسكري علي التطبيع مع الكيان الإسرائيلي مصادفة ، بل هو ما اعطي الإشارة أولا لرعاة صفقة القرن ، ببدء تطبيقها بالسودان أولا ، وهو ما دعا ثانيا البرهان شخصيا ، إلى تحقيق حلم الاستفراد بالسلطة ، عبر تمكينه لقوات الدعم عسكريا! لكن مع كل هذه الترتيبات ، هناك جهات عملت علي إنهاء عملية التطبيع ، وتذويب سريان تفاهمات صفقة القرن ، لما فيها من مكاسب للسودان وللدعم السريع تحديدا! هذه الجهات بقدرما أنها مرحبة بالانفتاح السوداني مع الكيان الإسرائيلي لتثبيت حكم العسكر الملبي لمصالحها ، إلا أنه يهمها قطع الطريق امام تطبيقات صفقة القرن لما فيها من رفعة محتملة لشان قوات الدعم السريع في مجال مكافحة الإرهاب ، الحد من الهجرة الغير شرعية وعمليات الاتجار بالبشر ، وغير ذلك! هذه الاهتمامات لا نجدها إلا عند مصر، الدولة الأكثر مغروضية في مسألة قوات الدعم السريع إنهاءا لوجودها ، دمجا أو حربا! .

 

09 كل ما ذكر اعلاه ، يعطي خلفية عن كيف ينظر المغروضون إقليميا ، لقوات الدعم السريع من حيث كوامنها العسكرية والاقتصادية والإجتماعية الهائلة ، وتحولاتها السياسية والجغرافية المحتملة بالمنطقة عامة ، وإمكانية التعامل معها ، بحسابي “التكسب والإستغلال” كما وجودها القائم بالسعودية أو المحتمل بحدود لبنان تكسبا واستثمارا ، أو كما الحرب الدائرة عليها الآن مغامرة واستغلالا! لكن الملفت للانتباه بين تلك الحسابات وما بعدها من تحسبات ، هو طبيعة النظرة المصرية لقوات الدعم السريع ، ومدي تطابق مخاوفها من تسلمها مقالد السلطة بالبلاد ، مع ما عبر عنه صراحة المبعوث الأمريكي الخاص توم بيريللو إلي السودان ، في هذا الخصوص وهو يقولها: (نحن لا نرغب في رؤية الدعم السريع منتصرا في هذه الحرب ، او عائدا للسلطة بأي حال من الأحوال!). هذا التطابق وما فيه من مواقف متخذة مسبقا تجاه الدعم السريع ، هو ما كشف حقيقة عن الآتي:

 

أولا : وجود تعهدات وضمانات مساندة علي الحرب ضد الدعم السريع ، هي ما تفسر غلوطية الإصرار الجازم لقيادة الجيش علي مواصلة الحرب ، بينما هي المنهزمة ميدانيا! .

ثانيا : إتخاذ الحرب بعدا خارجيا للقضاء علي الدعم السريع ، أشار إليه الجنرال حميدتي في خطابه الأخير ، في عملية تزويد مصر لسلاح الجو السوداني بقنابل أمريكية (زنة 350كجم) ، وأن الحكومة الأمريكية إدارة بابدن ، علي علم بذلك ، لكونها لا تريد الدعم السريع منتصرا! .

ثالثا : إلغاء الدور المحتمل لقوات الدعم السريع في صفقة القرن بالحرب التي فرضت عليها محليا وإقليميا ، بل وإلغاء الصفقة برمتها ، بالحرب الشاملة التي تخوضها إسرائيل بالمنطقة حاليا! .

رابعا : تماطل تحالف جنيفا (ALPS) عن تنفيذ إلتزاماته الملحة ، إلي الانشغال بادانة الدعم السريع ، وغض الطرف عما ارتكب الطرف الآخر من جرائم يندي لها الضمير الإنساني! .

 

10 ما كشفت عنه تلك المخاوف والمواقف، أكد أن النظرة لقوات الدعم السريع من باب الحاجة الإقليمية إليها ، بدأت منذ مشاركتها الفاعلة ضمن قوات التحالف العربي بالمملكة السعودية إلى إمكانية استغلالها ضمن المتطلبات الامنية لصفقة القرن (Deal of Century’s Security Arrangements)، إلا أن هذه النظرة إنتفت أولا ، منذ تلك التهديدات المباشرة التي أطلقها ضدها ، قادة الجيش في حفل زواج جماعي بقرية كلي بالولاية الشمالية ، في 10 مارس 2023م اصرارا علي دمجها ، وثانيا بالحرب المرتبة (نتنياهيا) ، التي تم شنها علي حركتي حماس وحزب الله إنهاءا تاريخيا لها ، بدعوي مهدداتها الأمنية المتكررة ، بسطا لحياة آمنة للشعب الإسرائيلي ، كوعد دينيصهيوني لا تفريط فيه! .

 

11 من علي خلفية النظرة من علي خلفية النظرة لقوات الدعم السريع من باب التكسب والإستغلال ، لا بد من الإشارة هنا ، لأكبر عملية خيانة ارتكبها النظام البائد ، بحق الشعب السوداني ، بجعل قواته المسلحة (جيشا/دعما) مصدرا استرزاقيا قابلا للمساومة فيه ، لانجاز اي مهام قتالية خارج حدود البلاد ، تماما كما حدث ذلك من قبل ، بجنوبي لبنان وغيره حتي الآن! هذه الثغرة هي ما عولت عليها المخابرات الإسرائيلية في إمكانية نشر قوات خاصة من السودان لمجابهة حزب الله ، بدءا بذلك اللقاء السري الذي جمع بين نتنياهو والمخلوع البشير بالعاصمة أم جمينا بوساطة الرئيس الراحل ديبي ، إلي آخر لقاء تم ما بين نتنياهو نفسه ورئيس مجلس السيادة الفريق أول البرهان بمدينة عينتبي اليوغندية! . الشواهد الدالة علي ذلك ، تتمثل في ذلك التمهيد الذي فتح أبواب التواصل مشرعة ما بين الموساد والمنظومة العسكرية ككل ، وعرضها بتوفير خدمات إستخباراتية ، الي جانب التمهيد لعقد صفقات في مجال الاستثمارات الزراعية معها بالبلاد! كل ذلك كان بعلم البرهان وهو يخطط للارتزاق من وراء هذه القوات ، الأمر الذي يفسر ، مدي افساحه المجال “قانونيا” لتوسيع قوات الدعم وتمددها السريع بالبلاد! بينما في المقابل نلاحظ حينها ، مدي تحفظ رئيس الوزراء حمدوك من تفرد المكون العسكري ، في تولي العملية المتسارعة للتطبيع مع الكيان الإسرائيلي ، والتي لا يري فيها الدكتور حمدوك مع الظروف المحدقة بالبلاد ، إلا مصيدة متربصة للأخذ بها لا غير! .

 

12 وبسبب المخاوف المصرية من إحتمالية تصدر قوات الدعم السريع للمشهد في السودان وهي النقطة الجوهرية في تورط مخابراتها المحتمل في الشأن السوداني ، تم ذلك الإلغاء لصفقة القرن ورؤيتها الإيجابية للتطبيع مع الكيان الإسرائيلي بمفاجاة العالم، بحدوث هذه المواجهة العسكرية الجارية ما بين القوات المسلحة وقوات الدعم السريع! من كل هذه التطورات التي تشمل؛ أزمة سد النهضة، تطبيقات صفقة القرن، التطبيع مع إسرائيل، قيام حكومة المكون المدني الانتقالية، وظاهرة الدعم السريع، كانت القراءة المصرية لها بأنها جميعها، قابلة للاحتواء او التأجيل او الإلغاء، عدا قوات الدعم السريع، وبروزها كأكبر قوة قتالية ميدانية بالمنطقة أجمع! عليه، فإن المؤشرات الدالة علي مدي تورط المخابرات المصرية في الحرب علي الدعم السريع، تتمثل في الآتي:

أولا: وجود قوات الدعم السريع برؤيتها الوطنية المتمسكة بها لإدارة شان البلاد، تري فيها مصر عقبة امام مخططها لنشوب حرب بالوكالة بالمنطقة، تستهدف من خلالها سد النهضة الإثيوبي بضربة قاضية

ثانيا: إن مجرد حدوث أي مواجهة ما ببن الجيش والدعم، يعني عند المخابرات المصرية إنتهاء أسطورة الدعم السريع وسلامة بقاء السودان دولة تابعة للتاج المصري! .

ثالثا: اختفاء وجود قوات الدعم من الوجود، يعني إنتفاء المهددات الأمنية لمصر، خاصة فيما يلي ملف استرداد حلايب ومراجعة صيغ التبادل التجاري ما بين البلدين! .

رابعا: تحفظ رئيس الوزراء حمدوك في طريقة وكيفية قيادة المكون العسكري للعملية المتسارعة، لإقامة التطبيع مع الكيان الإسرائيلي، والتي لا ير فيها مع تمكن تنظيم الإخوان بالبلاد ومواقفه من هكذا تطبيع، إلا مصيدة متربصة للأخذ بها بطريقة أو بأخرى! .

 

13 ختاما:

تلخيصا لكل ما سبق، فانه بالضرورة بمكان وضع النقاط علي الحروف، مقابل حجم الأذي والضرر، الذي ألم بالدولة السودانية وشعبها العظيم الضحية، لكل الحكومات التي مرت متآمرة عليه ومع غيرها داخليا وخارجيا، ضد نيل حريته وتحقيق ديمقراطيته، منذ استقلاله وإلي تاريخ إندلاع هذه الحرب الدائرة! وبما أن المقال يسلط الضوء علي ذلك التآمر الخارجي خاصة فيما يلي هذه الحرب، فإن المؤشرات الدالة علي مدي تورط جمهورية مصر ودورها السلبي بدرجة أكبر من غيرها، هي ما وضعتها مشتبهة، للتحقق من حقيقة تداخلاتها واوجهها المتعددة، وقد كانت الأدلة كافية لإدانتها بإعتبار الآتي:

أولا: مع علم المخابرات المصرية التام بالعواقب الهائلة لأي مواجهة عسكرية محتملة بين اكبر قوتين عسكريتين بالسودان؛ القوات المسلحة وقوات الدعم السريع، فإن دولة مصر السيسي، تبقي مسؤولة تاريخيا تجاه تورطها التام في حدوث هذه المواجهة، وما نتج عنها من تخريب وتدمير وقتل ونزوح وتشريد من جهة، وتتحمل تبعات ذلك الدمار والتخريب الممنهج الذي احدثته آلتها الحربية بشكل حصري، طال البني التحتية وكافة مصانع الأغذية والصناعات الهندسية، بمدن العاصمة وما حولها، من جهة أخري! .

 

وهنا نشير للمناسبة، أن الرئيس الراحل السادات في أوج حرب 1973م، وهي بينه وبين عدو اجنبي، وليست حربا داخلية كما هي الحرب الدائرة الآن بالسودان، قد فاجأ الشعب المصري بقبول عرض وقف إطلاق النار مع العدو (اسرائيل)، بعدما رفضه لخمس مرات، حيث قالها بالنص: (لست علي إستعداد لتحمل مسؤولية تاريخية لمعاناة شعبي وإنهيار جيشي!) والسؤال هنا: أين البرهان من هذا الحس الوطني العميق، واين السيسي من هذه الأمانة التاريخية الشاملة حتي السودان “الشقيق”! علما بأن الشعب المصري حينها، كان بأسره مصطف خلف رئيسه السادات، ليس كما هذا الإصطفاف الجهوي والجبهجي الإخواني، مع القائد العام المقحم جيشه في حرب، وصفها بنفسه أنها عبثية! .

 

وننبه أن تلك المسؤولية التاريخية علي قول السادات، تمتد وتطال مصر أيضا، وهي تخطيط لاستهداف سد النهضة الاثيوبي دون مبالاة لفيضانه، المتوقع إحداث أكبر دمار من دمار هذه الحرب بالسودان! هذا الاستهداف المصري المحتمل لسد النهضة ولأغراض التمويه، سيتم بتفعيل سيناريو “حرب بالوكالة”، بدأ فعليا بتحركاتها العسكرية الجارية بالقرن الأفريقي، استدراجا للدول المحيطة باثيوبيا (أرض الصومال، جيبوتي، أرتريا، السودان) لشن هجوم عليها، بالقدر الذي يسح لسلاح الجو المصري، بتسديد ضربة مدمرة لسد النهضة، في خضم هكذا حرب! .

 

ثانيا: وبما ان أسباب هذه الحرب والدوافع المثيرة لها، تتقاطع مصالحها علي المستوي الداخلي والإقليمي، فان الدور المصري فيها يعد تحديدا، المحفز الأكبر الذي شجع الطرف الأول وهو الجيش السوداني، علي تجشم هذه الحرب دون تحسب لتبعاتها وآثارها المحتملة، لمجرد بقاء واستمرار الموالون لها (دولة56) في السلطة! هذه الأسباب بالنسبة لمصر والدوافع المحفزة لتدخلها في هذه الحرب، مبنية علي إحتمالية فوزها بانضمام إقليم الشمالية إليها، بحق وصياتها الجغرافية عليه! علما بان هذا الانضمام يعزز جغرافيا، مطامع تملكها لمثلث حلايب، وهو لا يزال تحت سيطرتها عسكريا، منذ العام 1995م! .

 

ثالثا: إن استجابة مصر لهكذا انضمام محتمل، ستظل وصمة عار تاريخية في جبينها حكومة وشعبا، لتورطها بالمبادرة اللا اخلاقية في مؤامرة تقسيم السودان! أما فيما يلي تورطها وتسببها في إندلاع هذه الحرب، فيكفي أن الفتنة نائمة لعن الله، من أيقظها! .

 

رابعا: مع الإقرار باستقبال الحكومة المصرية لحوالي مليون لاجئ من الشعب السوداني كمستجيرين بها نتيجة هذه الحرب، ومع إعتبار ان هناك مئات الآلاف غيرهم، مقيمين فيها بشكل دائم ولعشرات السنين، ومع تقدير الشعب السوداني لهذه الاستضافة، إلا أن الملاحظ أن هؤلاء الملايين، فتحت لهم الأبواب لدخول مصر وهم يواجهون تحديات العيش، شأنهم شأن اي مواطن مصري عادي! فهكذا استقبال، هو ما يضيق فرص العيش عليهم مع المنافسين الوطنيين، تنتفي فرص المنافسة عندهم، مع من هم مستضيفين لهم! فهذه الطريقة … أن تستقبل الدولة الآوية لاجئين إليها، دون تقديم اي مساعدات لهم، أسوة بما تقوم به الدول الأجنبية الأخري، فهذه تعد فضيحة في عرفنا وديننا وثقاتنا! وهنا اغلب الظن، أن الحكومة المصرية تتلقي بشكل راتب معونات من وكالات الأمم المتحدة والمنظمات الدولية المعنية بحقوق اللاجئين، وهي لا تنفقها عليهم! .

 

عليه، يحق للشعب السوداني وبحق المسؤولية بكل معانيها، أن يربت علي كتف الرئيس السيسي “أن حسبك، كفاك تدخلا”، حتي تتدراك مصر حفظ ماء وجهها مع أشقتها جنوب الوادي! وبما ان الشعب السوداني، وخاصة ثقله السكاني والثرواتي بغربي البلاد، كمتضرر أكبر من آثار هذه الحرب وضرباتها الجوية المشتبهة مصريا، فإنه لا يزال يستذكر قمة الخرطوم ولاءاتها الثلاث، التي انعقدت لدعم مصر إقتصاديا بعد نكبة سنة 1967م، وكذا يتذكر زيارة الرئيس جمال عبدالناصر برفقة الرئيس إبراهيم عبود، وإستقبالهم المهيب من قبل ناظر عموم الرزيقات ابراهيم موسي مادبو ومعه كافة نظار وشراتي وأعيان مديرية دارفور الكبري، لحضور زفة وادي سبدو التاريخية المنظمة بدار الرزيقات تشريفا، لاستقبال قائد الأمة العربية، والتي شهدها (20,000) فارس من قبائل المجموعة الجنيدية، بالعام 1960م. فبحق كل ذلك وما يمليه حق الدين والأخلاق والتاريخ أيضا، حق للشعب السودان أن يرفع النصائح الواجب توجيهها للحكومة المصرية بشان تدخلها السافر في هذه الحرب، حفاظا علي شعرة معاوية بين شعبي وادي النيل، وتأسيسا لبناء عقد شراكات مستقبليه إستراتيجية عادله بين هذين الشعبين بالآتي:

أولا: علي الحكومة المصرية وبشكل عاجل مراجعة مواقفها وقطع جميع علاقتها وكافة اوجه ارتباطاتها القائمة مع تنظيم اخوان السودان، وتجميد نشاطه عندها وإعلانه مع كافة كوادره، جهات غير مرغوب فيها بأراضيها عامة! هذه الخطوة كقرار مستحق الإتخاذ فوريا، ينفي عن مصر ازدواجية المعايير في تعاملها مع هذا التنظيم المعلن عندها تنظيما إرهابيا محظورا، بينما هي في ذات الوقت ترحب بكل قادته السودانيين في أراضيها! .

 

ثانيا: إلتزام مصر بالتعهد بالإبتعاد عن دعمها وتاييدها لأي حكومة عسكرية انقلابية في السودان، تجد فيها البراحة الكافية لتحقيق مصالحها وتمرير أجنداتها الخاصة بها، وحسب! هذا الإبتعاد يبدد عن مصر تهمة ادخارها السودان بلدا مقعدا ومحروما، من تحقيق تطلعاته الديمقراطية ليبقي أرض خام، لتغذية عجلة الإقتصاد المصري لا غير! .

ونلفت الإنتباه، بأن أهمية تعهد مصر بالابتعاد عن دعم الإنقلابات في السودان، وقرارها التاريخي المرتقب بحق تنظيم الإخوان، هي ما تثلج صدور قوم مكتوون ستين سنة بنيران دكتاتورية العسكر تارة، وجشع هذا التنظيم المتطرف تارة أخري، وهي ما تجعلهم يستعيدون ثقتهم في الحكومة المصرية، مجددا! .

ثالثا: وبما أن البرهان حتي يظل حاكما (تحقيقا لحلم أبيه)، فانه أخطأ التحالف مع تنظيم الإخوان ذلك، بإيعاز محتمل من المخابرات المصرية، بينما هو في قرارة نفسه يريد تحقيق ذلك عبر الدعم السريع، إلا أن إصرار الدعم السريع في دعمه ثورة التغيير، هي ما حالت دون ذلك، بل وترتب عليها فتور العلاقة ما بين الجنرالين! الحكومة المصرية بحكم إيعاذها لذلك التحالف للقضاء علي الدعم السريع، فقد سقطت هي الأخري في خطأ تحالفها القائم مع تنظيم اخوان السودان، بهدف إستعادة السلطة للنظام البائد! وحتي تتدارك مصر كل ذلك، فان عليها الأخذ برغبات وتوجهات الشعب السوداني الرافض بأجمعه، لأي عملية إعادة تدوير للنظام البائد، وانصاره تنظيم الاخوان، لحكم السودان! وهنا لا نلزم الحكومة المصرية ان تتخلي عن دعمها لحكم جماعة العسكر وتتحمل بالمقابل تبعات ذلك، إنما ان تضع نفسها في الموقف والمحل الصحيح، بالتحالف مع خط ثورة التحرير والتغيير الجارية حتي الآن، والتعامل معها بجدية الأمر الواقع، الذي لا تراجع فيه، ولا تزح زح عنه!  .

رابعا: فيما يلي المسكوت عنه وهو يشمل مسائل عديدة بدءا؛ من نظرة مصر وشعبها للسودان كتابعية للتاج المصري، اتفاقات مياه النيل والسدود المجحفة بحق السودان، المواقف الغير مساندة للسودان في المحافل الدولية، وملف احتلال حلايب وغير ذلك الكثير، فان المطلوب من مصر حكومة وشعبا، النظر للسودان والسودانيين، بعين الندية لا التبعية، وحسب! .

 

علما بأن التدخلات المصرية في الشأن السوداني، لم تبدأ مع هذه الحرب الجارية! فقد سبق للطيران المصري أن قصف معقل الانصار بالجزيرة أبا بالعام 1970م ، دعما لثورة مايو الانقلابية من جهة، واستهدافا للإمام الهادي المهدي بسبب مذكرة رفعها للرئيس جمال عبدالناصر بتاريخ 27 يناير 1969م، من جهة اخري! ولمصادفة اعادة التاريخ لنفسه، فإن محتوي هذه المذكرة، هو التحرر من تلك التبعية، التي اشار إليها الجنرال حميدتي في خطابه الاخير وما تضمن من قرارات منع بها صادر المواد الخام الي مصر! .

 

وحتي تنتهي نغمة هذه التعبية، يكفي ان نوضح ان مجلس النواب السوداني بالعام 1951م، صوت بالإجماع على عدم البقاء تحت التاج المصري (ملكية الملك الفاروق)، مؤمنا بذلك علي إلغاء معاهدة 1936م، ومعها إتفاقية الحكم الثنائي للسودان. وبناءا عليه، أعدت حكومة الباشا مصطفي النحاس في 08 أغسطس 1951م، مرسوما بمشروع قانون نص، بأن يكون للسودان دستور خاص تضعه جمعية تأسيسية تمثل أهالي السودان، خلافا عن الدستور المصري! إلا أن الشعب المصري لا يزال يعيش أحلام الرئيس عبدالناصر، الذي حاول منذ اليوم الاول لثورته، ليس لبقاء السودان تحت الحكم الثنائي، وإنما لسعيه الحثيث بجعل السودان تابعا لمصر كدولة واحدة معها، دون ان يدرك ان الإنجليز خططوا للانفصال بين مصر والسودان منذ أن دخلوا مصر محتلين لها عام 1882م! وهنا إن كانت لمصر نية صادقة للتوحيد بين البلدين كدولة واحدة، فليكن ذلك شاملا لدولة جنوب السودان ايضا، وفقا لدستور السودان للعام 2005م، وتعديله بما يؤسس لقيام دولة نهر النيل المتحدة الكبري (The United River Nile Greater State)!

 

#لا للحرب

#لازم تقي

 

[email protected]

المصدر: صحيفة الراكوبة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *