خلاف الجنرالين الكباشي والعطا : خروج عن الإنضباط العسكري أم هناك شئ وجب الإفصاح عنه
تصاعدت حدة الخلافات بين قيادات داخل الجيش السوداني مؤخرا وذلك في الوقت الذي مازالت الأزمة السودانية مستمرة علي المستوي السياسي والعسكري، وتصاعد مؤشرات الخلاف بين قيادات داخل الجيش السوداني عكستها التصريحات المتباينة بين نائب القائد العام للجيش الفريق أول شمس الدين الكباشي ومساعد القائد العام للجيش الفريق أول ياسر العطا.
وأسباب تصاعد الخلاف داخل الجيش السوداني والذي أنعكس في تصريحات الرجلين يمكن إجمالها في الأتي :
√ المقاومة الشعبية وكتائب الإسلاميين.
√ ملف التفاوض مع قوات الدعم السريع المتمردة.
√ ملف هيئة العمليات التابعة لجهاز الأمن والمخابرات.
وطبيعة الخلاف داخل الجيش السوداني والذي صعد الي العلن والأعلام كأول مرة وجد رواج وتناول كبير بحكم الأوضاع العملياتية العسكرية حاليا بالخرطوم وبعض مدن الجزيرة ، بالإضافة إلي ما عرف عن الجيش السوداني من عدم ظهور الخلافات بين الجنرالات علي الإعلام والسطح.
والسبب الأخر يعود الي طبيعة الجيش السوداني مؤخرا بعد ثورة الإنقاذ وانقلاب الجبهة القومية الإسلامية في العام ١٩٨٩م علي الحكم الديمقراطي.
فالفريق شمس الدين الكباشي والفريق ياسر العطا هما من قادة جيش الحركة الإسلامية ونظام الإنقاذ والمجرم عمر البشير وأعضاء بالحركة الإسلامية وتنظيم الاخوان المسلمين والجبهة القومية الإسلامية التي قامت بالانقلاب علي أخر حكم ديمقراطي بالسودان.
حيث قامت الجبهة القومية الإسلامية “الحركة الإسلامية لاحقا” وابتداء من الدفعة (٤٠) بإختطاف الجيش السوداني بما يسمي بانتهاج التمكين حينها. وهو الشئ الي أثر مباشرة علي طبيعة الجيش السوداني من حيث تكوينه والإنضباط بداخله والعقيدة العسكرية ونوعية الجنود والتدريب والمهام القتالية التي قام بها الي حين سقوط. نظام الرئيس المجرم عمر البشير والمؤتمر الوطني.
والخلاف الذي في تصاعد مؤخرا هو في الظاهر عسكري هو بالأساس خلاف سياسي حول الموقف من الحرب الدائرة الان وحول ضرورة حسمها ام عسكريا أو توقيع اتفاق سياسي مع الدعم السريع بشكل يحافظ علي إرث الحركة الإسلامية وتحكمها في الجيش والقوات النظامية الأخري.
خصوصا بعد ظهور مليشيات إسلامية علنا في مشاركتها في المعارك مع الجيش السوداني ضد قوات الدعم السريع في تشكيلات عسكرية تحت مسمي كتائب البراء وغيرها.
وتشكيلات لواء البراء وغيرها هي نفس المجموعات التي كانت تسمي في السابق بكتائب الظل التابعة للحركة الإسلامية السودانية التي أشرف علي تكوينها مجموعة من الضباط الاسلاميين بهيئة العمليات بجهاز الأمن والمخابرات السوداني بإيعاز من التنظيم الاسلامي في السودان.
والاحياء هذه الإدارة “هيئة العمليات” مارس عددا ضباط من الحركة الإسلامية بقيادة الجيش وقيادات سياسية ضغوط كبيرة علي ياسر العطا في ما يخص بملف إعادة هيئة العمليات وارجاع عددا من الضباط برتب كبيرة الي الخدمة بهيئة العمليات مرة اخري.
ونتيجة لرفض شمس الدين الكباشي وإبراهيم جابر لتلك الرؤية وعدم دفعها للموافقة من القائد العام أثار حنق وغضب الإسلاميين ومارسوا مزيد من الضغوط علي ياسر العطا وهو الشي الذي جعل ياسر العطا يصرح علنا بأن هذا الملف معطل من قبل شمس الدين الكباشي الذي وضع الملف أمامه للموافقة عليه بجانب المقاومة الشعبية.
وتحت هذا الضغط من الحركة الإسلامية لإعادة هذة المجموعة من الضباط الاكثر ولاء للقيادة الإسلامية علي ياسر العطا لم يجد سؤي الحديث عن تعطل الدولة بواسطة أشخاص علي مستوي القيادة ويقصد شمس الدين الكباشي حيث تتكون القيادة الحالية للجيش والحكومة من القادة العسكريين للجيش بمجلس السيادة.
ملف إعادة ضباط هيئة العمليات المنتمين للحركة الإسلامية بمبرر كفاءة هولاء المجموعة ال (١٠) وخبرتها في حرب المدن وإنفاق جهاز الأمن والمخابرات لأكثر من ١٠ مليون دولار علي تدريب هذى المجموعة هو لتضمن التنسيق بين كتائب المجاهدين “لواء البراء” بشكل أكبر في المستقبل القريب وهذا ما يرفضه شمس الدين الكباشي ويصر علي تبعيه هذة القوات الي الاستخبارات العسكرية بدلا من جهاز الامن والمخابرات السوداني.
ومعروف أن الفريق أول شمس الدين الكباشي كان توصل الي إتفاق مع قوات الدعم السريع بالبحرين منامة لإنهاء الحرب “إعلان مبادئ بالمنامة في يناير ٢٠٢٤م” ، وذلك بهدف إنهاء الحرب في شهر يونيو ٢٠٢٤م كما هي في رؤية الولايات المتحدة التي نسقت وحضرت هذة الاجتماعات بوجود عدد رؤوساء استخبارات من (٤) من الدول العربية المشاركة بشكل واخر في التعاطي مع الحرب في السودان.
واستمرار التفاوض مع الدعم السريع يقلص فرصة عودة الإسلاميين الي المشهد السياسي الحالي أو في المستقبل ، وهذا يتعارض مع مصلحة ورؤية الحركة الإسلامية التي أوجدت لنفسها مؤط قدم في المقاومة الشعبية وحسمت أمر القضاء علي الدعم السريع عسكريا لتقويه عودها.
ويري الفريق ياسر العطا المحسوب علي القادة الأكثر حرصا علي إستمرار سيطرة الحركة الإسلامية علي قيادة الجيش بأن القضاء علي الدعم السريع عسكريا يتم من خلال استغلال المقاومة الشعبية المسلحة لمساندة الجيش ، وان تكون تلك المقاومة مفتوحة للجميع بما فيهم الإسلاميين وأعضاء النظام السابق للمشاركة.
بينما يصر شمس الدين الكباشي علي حصر تلك المشاركة علي العسكريين من مرافيد الجيش والقوات النظامية وان تكون كل المقاومة الشعبية تحت إشراف مباشر لقادة الفرق والكتائب ووفقا لقانون يمنع منح السلاح وتوزيع الأسلحة خارج نطاق تحكم الجيش.
هذا الخلاف الداخلي بين قادة الجيش يعكس حالة الانقسام الداخلي بعد وصول الكباشي بمسؤدة الاتفاق “اتفاق المنامة” بين الجيش وقوات الدعم السريع والتي وجد صعوبة في إقناع عددا من قادة الجيش وقد وقف الإسلاميين المتشددين داخل الجيش أمام ذلك الاتفاق وتم عرقلت استمرار الاتفاق.
ووجد شمس الدين الكباشي فرصة جديدة أخري لقلب الطاولة علي من وقفوا ضد اتفاق المنامة بعد أرتفاع موجة تزمر عددا من قادة الجيش بعد ظهور هذه الكتائب الإسلامية ومجموعات أخري لا تخفي علاقتها بالحركة الاسلامية ، ومحاولتهم إظهار قدرتها علي إعادة الحروب الجهادية بمشاهد وأناشيد ومقاطع فيديو تشبه الي حد كبير ما تقوم به مليشيات “داعش” من قطع وإجتثاث للرؤوس وتصوير وتمثيل بالجثث بشكل أثار حفيظة الجنود بالجيش.
خصوصا ظهور المجاهدين بالكتائب الجهادية المنسوبة للمقاومة الشعبية بأنهم سبب الانتصار علي قوات الدعم السريع المنسحبة من مبني الإذاعة والتلفزيون السوداني موخرا.
وهذا الخلاف مضر جدا بالوضع العسكري علي الارض في حالة استمراره أو إنفجار الصراع الي مواجهة عسكرية بين مناصري الطرفين وهو مستبعد جدا في الوقت الحالي.
لكن التأثير المنظور لهذا التصاعد في حدة الخلاف سينعكس علي فرص توقيع اتفاق سلام بين قوات الدعم السريع والجيش وما الي ذلك.
وقد يوقف أي خطوات يمكن أن تؤدي إلي توقيع اتفاق وقف إطلاق النار للأغراض الإنسانية المتوقع الوصول إليه في مفاوضات يوم ١٨ أبريل المقبل والتي أعلن عنها المبعوث الأمريكي الخاص للسودان.
وتصريحات شمس الدين الكباشي تمثل في قراءتها رؤية لمجموعة من قادة الجيش الذين كانوا موالين للحركة الإسلامية السودانية وهي الآن تبدوا أن غير حريصة علي أي علاقة له مع الحركة الإسلامية والتيار السياسي الإسلامي مع الجيش.
وتصاعد مؤشرات الخلاف بين قادة الجيش السوداني المتمثلة في حدة الخلاف والتصريحات بين شمس الدين الكباشي وياسر العطا تكشف الفجوة التي بدأت تتسع بين المجموعتين بالجيش.
حيث بداء يتضح إن هناك مجموعة من قادة الجيش مازالت تأتمر وتنفذ ما تطلبه قيادة تنظيم الحركة الإسلامية وخصوصا ما طلب من تلك المجموعة بعد التوصيات والأدوار التي يجب أن يقوم بها ضباط الجيش من الحركة الاسلامية ، كما كشف عنه من تسريبات اجتماع الحركة الاسلامية بأنقرة/تركيا في مارس ٢٠٢٤م.
والمجموعة الأخري من قيادة الجيش هي مجموعة أصبحت تتململ من هذا الوضع الذي ظل مستمرا منذ العام ١٩٨٩م وتحاول الفكاك من ذلك الوضع نتيجة الضغوط منذ ثورة ديسمبر والي الحرب الحالية في العام ٢٠٢٣م ، وهذه المجموعة ترفض استمرار قبضة الحركة الإسلامية ويريدون التحرر من هذة القبضة.
وتحاول هذه المجموعة لتقوية موقفها من خلال كسب ود الحانقين علي قادة الحركة الاسلامية والمؤتمر الوطني من قادة الجيش والقوات النظامية الأخري ، بالاستعانة بهم وإعادة ارجاعهم للخدمة العسكرية أو الخدمة المدنية في وظائف سياسية عليا كوزراء وولاة ولايات.
كما تعمد الي تقوية علاقتها ببعض الأحزاب والقوي السياسية والحركات المسلحة من الموقعين علي اتفاق سلام جوبا في العام ٢٠٢٠م في مواجهة قادة الجيش من الإسلاميين وبقايا المؤتمر الوطني والنظام البائد.
لذلك حرص الفريق. أول شمس الدين الكباشي علي أطلاق هذة التصريحات في هذا التوقيت أثناء حفل تخريج قوات حركة تحرير السودان التي ستشارك في الحرب بجوار الجيش والتي انضمت أيضا حركة جيش تحرير السودان والحركة الشعبية لتحرير السودان بقيادة مالك عقار وغيرها للقتال في صفوف الجيش ضد قوات الدعم السريع.
نواصل مع تحياتي…
[email protected]
المصدر: صحيفة الراكوبة