خطة الجيش الماكرة
ظل الجيش على الدوام هو العامل الاكثر نفوذا في السياسة السودانية منذ انقلاب عبود في عام ١٩٥٨م ، وهذا النفوذ هو السبب الرئيسي في كثرة الحروب وتفشي سياسة العنف والقوة والانقلابات ، حتى وصلت البلاد مرحلة صناعة المليشيات للدفاع عن سلطة الدولة في وجود الجيش ، الذي تفرغ تماما للسياسة وأصبح حزب سياسي مسلح ، ونسى او تناسى تماما وظيفته الرئيسية وهي الحرب والدفاع عن الوطن.
لذلك في ٢٠١٤م خرج قائد مليشيا الدعم السريع وقالها في وجه حكومة الكيزان وقادة الجيش بدون اي مواربة وعلى الهواء مباشرة : (نحن الجيش ، وكت الحكومة تعمل ليها جيش التجي تتكلم).
وحين تضخمت المليشيا وبلغت حدا موازيا للجيش ومتحديا لسلطته ونفوذه التاريخي المتمثل في تغيير اللعبة السياسية عن طريق القوة العسكرية متى اراد ، لم يجد قادة الجيش بد من محاربة هذا المنافس الوافد ، فمنافسة السياسيين المدنيين للجيش لم تكن تشكل خطرا ضخما ، فهي مهما بلغت تظل في النهاية في حدها الاضخم اشعال انتفاضة شعبية ، ينحني لها الجيش حين تبلغ اوجها العارم ، ومن ثم يعود مرة اخرى للانقضاض على السلطة بعد ان يستغل قدراته التاريخية في تحريك قطع المؤسسات الفوضوية مثل القبائل والادارات الاهلية والصحافة المرتشية والاحزاب المندفعة لبلوغ السلطة بطرق غير قانونية.
ذهب قادة الجيش إلى عبدالعزيز الحلو قبل زمن طويل من الحرب الحالية وطلبوا منه التحالف معهم لشن حرب ضد الدعم السريع ، وذهبوا لمصر وجاءوا بقواتها في معسكر مروي ، ثم انقلبوا على الاتفاق الاطاريء ، الذي كان سيحجم نفوذهم وحركتهم بسلطة القانون والسياسة ، وجمعوا الاحزاب الغاضبة من الثورة ، والمجموعات القبلية والجهوية وحركات دارفور ، وصنعوا منهم كما ظلوا يصنعون دوما ، كتلة انتهازية داعمة للعسكر ، يقفزون فوق اعناقها للسلطة.
لكل ذلك كان قرار الحرب الحالية هو قرار الجيش نفسه ، وهدفه لم يكن سوى إزاحة نفوذ وافد جديد هو الدعم السريع الجيد التسليح والسريع الحركة الذي صارعه على السلطة والقوة.
حين استعرت حرب ١٥ ابريل وعرف الجيش حجم قوته الضعيفة ، وضعف قدرته في مواجهة الدعم السريع ، عاد مجددا لاستغلال القوى السياسية الانتهازية الغاضبة من الثورة والقبائل والحركات المسلحة وصف طويل من النشطاء مدفوعي القيمة والصحفيين الذين يكفيهم مدفوع بنكك الشهري والجماهير الغاضبة والحانقة من ممارسات الدعم السريع ، ودفع بهم لخط المواجهة العسكرية وتخندق هو في الخلف في انتظار اللحظة المناسبة للانقضاض على السلطة التي كادت ان تفلت منه بهذه الحرب.
لذلك هذه حرب الجيش لاستعادة السلطة ، ولترتيب مسرح السياسة بحيث يظل الجيش وسدنته من الانتهازيين هم أصحاب النفوذ الاقوى في الساحة ، وهو واقع السودان منذ ١٩٥٨م الذي قاده للتدهور يوما بعد يوم حتى وصلنا للحضيص الحالي ، ودعاة لا للحرب هم الوحيدون الذين يفهمون هذه الخدعة الماكرة ، ويعلمون ان الشعب اذا لم ينتفض ضد الحرب ليكون هو صاحب النفوذ الاكبر في وضع سيناريو نهايتها ، بما يوحد الجيش ويعيده لثكناته وينهي عهد المليشيات والطبقة السياسية الانتهازية ، فانه سيظل شعبا غارقا في الفقر والجهل والمرض والحروب ، وشعب كهذا لا مكان له في الصدارة بين الامم ، وانما مكانه في أسفل سافلين.
المصدر: صحيفة الراكوبة