خطاب ياسر العطا والردود المضادة السودانية , اخبار السودان
أثار حديث مساعد قائد الجيش ردود فعل حادة لدى قادة القوى المدنية والديمقراطية، وعدوه إعلانا مبكرا لموقف الجيش وقادته من قضية الحكم المدني الديمقراطي
منصور الصويم
شهد الأسبوع المنصرم الكثير من الأحداث التي تستدعي التوقف عندها في مجرى لقراءة وقائع الحرب الماثلة الآن بين الجيش والدعم السريع، التي تكاد تكمل عامها الأول منذ اندلاعها في الـ 15 من أبريل 2023.
أهم تلك الأحداث بلا شك كان تحرير منطقة الإذاعة والتلفزيون من قبضة قوات الدعم السريع، بعد أن سيطرت عليها وعلى كامل أحياء أمدرمان القديمة طيلة الأشهر الأحد عشر الماضية. أيضا من الأحداث اللافتة خلال الأسبوع المنصرم، التي تُقرأ ضمن سياق انتصار الجيش في معركة الإذاعة، ارتفاع وتيرة التحشييد والاستقطاب استعدادا لمعارك أعنف وأقوى بين القوتين المتصارعتين، فالجيش يريد تعزيز انتصاره الأخير بالمزيد من الانتصارات وهزيمة الدعم السريع بشكل نهائي، بينما تسعى الدعم السريع، إلى تعويض الخسارة الأخيرة، وعدها منطلقا تحفيزيا لتكبيد الجيش خسائر جديدة، والدليل الأوضح على ذلك ما نشهده على الميدان من تصاعد في وتيرة المعارك على عدة أصعدة في مدينة بحري، وفي مدينة بابنوسة غربي البلاد والمناوشات التمهيدية في ولاية الجزيرة، التي تشكل بالنسبة للقوتين مركز التحدي الثاني بعد الإذاعة.
تصريحات قادة طرفي النزاع خلال الأسبوع المنصرم يمكن قراءتها أيضا ضمن هذا الحراك العسكري المحموم، وبشكل أدق تصريحات مساعد القائد العام للقوات المسلحة وقائد منطقة أمدرمان الفريق ياسر العطا، التي لم يتوقف فيها عند حدود النصر والهزيمة ومستقبل الحرب الدائرة، بل رمى إلى أبعد من ذلك حين بدأ يؤسس لشكل الحكم ما بعد الحرب، بما يوحي بتيقنه الأكيد من النصر وهزيمة قوات الدعم السريع، ومن يقول إنهم أنصارها من السياسيين المدنيين.
أقوال العطا
في لقاء مع قادة تنسيقية القوى الوطنية في قاعدة عسكرية بأم درمان، قال الفريق ياسر العطا “إن الجيش لن يسلم السلطة إلى قوى سياسية مدنية دون انتخابات، أما فترة الانتقال فإن رأس الدولة فيها سيكون قائد القوات المسلحة”.
أثار حديث مساعد قائد الجيش ردود فعل حادة لدى قادة القوى المدنية والديمقراطية، وعده الكثير من الكتاب والسياسيين الديمقراطيين، إعلانا مبكرا لموقف الجيش وقادته من قضية الحكم المدني الديمقراطي، وإن الخطاب إفصاح تام عن الموقف المعادي لـ “الديمقراطية والحكم المدني في السودان”.
الردود المضادة
حديث الفريق ياسر العطا لم يمر مرور الكرام، فلقد انبرى له قادة الحراك المدني الديمقراطي، بالنقد والتفنيد ومقارعة الحجة بالحجة. القيادي بتنسيقية القوى المدنية “تقدم”، ياسر عرمان، كتب متناولا موقف العطا: ” أظهر الفريق ياسر العطا إنه الإسلامي الأول في الجيش على عكس الصورة التي حاول رسمها بعد ثورة ديسمبر وعليه ان لا يستعجل (وأن لا يلولح قبل ما يخلف) فربما تحرك حمار السلطة وتركه خلفه والحرب لم تنته بعد!”.
وأشار عرمان إلى أن العطا أفصح في خطابه عن الأهداف الحقيقية لهذه الحرب ونوايا الذين يقفون من خلفها فهي لم تكن يوماً من أجل الكرامة أو الوطن بل من أجل استعادة السلطة والجاه من قبل الإسلامين ومنسوبيهم وحلفائهم من كبار الضباط”.
في حين كتب القيادي بقوى الحرية والتغيير خالد يوسف، في ذات الاتجاه بقوله: “حسناً فعل الفريق ياسر العطا وهو يكشف حقيقة جانب من أهداف هذه الحرب وغاياتها.. هي بالفعل حرب ترسيخ سلطة عسكرية استبدادية وقطع الطريق أمام أي آمال في تحول مدني ديمقراطي في السودان”. وفي السياق ذاته نقرأ موقف حزب المؤتمر السوداني الذي أصدر بيانا ورد فيه: “أن تمسك قادة الجيش بمقاليد السلطة في البلاد هو جريمة تم تنفيذها عبر الانقلاب على السلطة الانتقالية الشرعية بالاشتراك مع الدعم السريع، وأن حديث “العطا” حول عدم تسليم السلطة إلا عبر الانتخابات، هو “كلمة حق أريد بها باطل”. من خلال الردود المتتالية على حديث الفريق أول ياسر العطا، يقف المتابع على البون الشاسع بين رؤية قادة الجيش لما بعد الحرب، ورؤية الكتلة المدنية والديمقراطية لذات الفترة، وربما يتضح هذا التباين بشكل أوضح في “نبرة الانتصار” الواثقة التي يتحدث بها العطا وعليها يبني موقفه من فترة ما بعد الحرب، بعكس القوى المدنية التي تسعى أولا لأنهاء الحرب والعمل بعد ذلك على وضع لبنات تأسيسة لـ “المرحلة الانتقالية سياسيا”، برؤية تضع الجيش وكل الكيانات المسلحة الأخرى خارج إطار الحكم المدني الديمقراطي.
أما من الجهة المقابلة مدنيا فنجد تأييدا من الإسلاميين لأقوال الفريق ياسر العطا، إذ يقول “القيادي الإسلامي في حزب المؤتمر الوطني المحظور حاج ماجد سوار أن تصريحات العطا وضعت الجميع أمام خريطة سياسية جديدة تتجاوز مرحلة ما بعد نظام الرئيس السابق عمر البشير في أبريل 2019 بكل مساوئها. ويدعو القوى السياسية إلى التعاطي بإيجابية مع رؤية الجيش التي طرحها العطا وتقديم مقترحات لتحسينها”.
الجيش والديمقراطية
يقول الكاتب والمحلل السياسي ناصر السيد النور لـ التغيير “منذ أول انقلاب عسكري نفذه قائد الجيش بعد الاستقلال اللواء إبراهيم عبود في العام 1958 من القرن الماضي، وإلى آخر انقلاب نفذه قائد الجيش الفريق أول عبدالرحمن البرهان في 21 أكتوبر 2021؛ نجد أن شكل العلاقة ما بين المؤسسة العسكرية السودانية والحكم المدني الديمقراطي تبدو متعارضة ولا شيء يجمع بينهما، وأكثر ما يدلل على ذلك هوس ضباط الجيش على مختلف الحقب التاريخية بالمحاولات الانقلابية ومحاولة السيطرة على الحكم ( 20 محاولة انقلابية منذ الاستقلال وحتى الآن). وبقراءة متأنية لتاريخ الحكم في فترة ما بعد الاستعمار وحتى اللحظة الآنية سنلاحظ أن الشعب السوداني انتفض وثار ثلاث مرات ضد فترات حكم عسكري طويلة هي العامل الأساسي في تخلف السودان وغياب الحكم الديمقراطي. في المرة الأولى ثار الشعب في ثورة أكتوبر 1964 ضد الفريق عبود قائد أول انقلاب عسكري، في المرة الثانية ثار الشعب ضد المشير جعفر نميري الذي حكم البلاد لـ 16 عاما تدهورت خلالها أوضاع السودان بشكل ملحوظ، أما المرة الثالثة فكانت ضد حكم الرئيس المعزول المشير الفريق عمر البشير، وهي ثورة ديسبر المجيدة، (ديسمبر 2018)، وربما كانت هذه الثورة تلخيصا نهائيا ليأس السودانيين من حكم العسكر.
ويضيف: “فترة عمر البشير الطويلة في الحكم (30 عاما) متحالفا مع الإسلاميين تكاد تكون قد دمرت البلاد تماما وحولت مواطنها إلى إنسان فقير محاصر بالأزمات المعيشية والصحية والبيئية، وهيأت بشكل متقن لحال الخراب التي أعقبتها”.
ما بعد الإطاري
في الخامس من ديسمبر 2022، تم التوقيع على الاتفاق الإطاري بين المكون العسكري (الجيش والدعم السريع) وقوى إعلان الحرية والتغيير، ويهدف الاتفاق لحل الأزمة السياسية التي دخلت فيها البلاد بعد انقلاب (البرهان وحميدتي) في 21 أكتوبر 2021، وهو الانقلاب الذي أطاح بحكومة الفترة الانتقالية بقيادة رئيس الوزراء السابق عبدالله حمدوك.
أبرز بنود الاتفاق الإطاري تمثلت في (تسليم السلطة الانتقالية إلى سلطة مدنية كاملة دون مشاركة القوات النظامية؛ وتتكون من مستوى سيادي مدني محدود، بمهام شرفية، يمثل رأساً للدولة، ورمزاً للسيادة، وقائداً أعلى للأجهزة النظامية؛ ومستوى تنفيذي يرأسه رئيس وزراء مدني تختاره القوى الموقعة على الاتفاق، إضافة إلى مجلس تشريعي وآخر للأمن والدفاع يرأسه رئيس الوزراء ويضم قادة الأجهزة النظامية و6 من حركات الكفاح المسلح الموقعة على سلام جوبا). و(النأي بالجيش عن السياسة وعن ممارسة الانشطة الاقتصادية والتجارية الاستثماربة؛ ودمج قوات الدعم السريع وقوات الحركات المسلحة في الجيش وفقاً للترتيبات التي يتم الاتفاق عليها لاحقا في مفوضية الدمج والتسريح ضمن خطة إصلاح أمني وعسكري يقود الى جيش مهني وقومي واحد). هذه بعض أهم البنود التي وردت في مقدمة الاتقاق، كما اشتمل على بنود أخرى لا تقل أهمية، مثل: (تنظيم عملية انتخابية شاملة بنهاية فترة انتقالية مدتها 24 شهرا على أن يتم تحديد مطلوباتها والتحضير لها في الدستور الانتقالي، لتكون ذات مصداقية وشفافية وتتمتع بالنزاهة). إضافة إلى بنود تؤشر جميعها نهاية إلى أيلولة الحكم إلى المدنيين وإبعاد العسكر “كافة المكونات” عن السلطة بشكل نهائي.
عضو منصة (محامون ضد خطاب الكراهية)، المحامي حاتم الياس يرى أن الاتفاق الاطاري كان سببا من أسباب الحرب، لأنه كان سيذهب باتجاه السلطة للمدنيين، وكان سيعيد الحكم للمسار المدني وهذا ما لا يرغب فيه الجيش ولا يرغب فيه المؤتمر الوطني، ولا يرغب فيه الذين استفادوا من حكم البشير وكونوا ثروات وأموال وكانوا يريدون أن يتم عبر المؤسسة العسكرية إعادة انتاج صيغة أخرى من الإنقاذ، لذلك الاتفاق الاطاري هو سبب رئيسي للحرب ليس لأنه في حد ذاته كان سببا للفتنة أو للخلاف بين الفرقاء ولكن لأن الاطاري يضع اللمسات الأولى والمسار الصحيح للمسار المدني الديمقراطي، بالتالي كان سببا للحرب، وهذا لا يعني أن قوى الحرية والتغيير أو القوى المدنية كيفما اتفقنا أو اختلفنا، وضعت الاتفاق الاطاري كلغم يمكن أن يفخخ المجال السياسي في السودان، ولكن الاتفاق الاطاري وقع في منطقة تناقض بين مصالح الكيزان ومصالح الاسلاميين ومصالح المؤسسة العسكرية وما بين الخيار المدني، ونعني بالخيار المدني دولة المؤسسات ودولة الشفافية ودولة العدالة وهذا الذي كان يحمله الاتفاق الاطاري إلى الشعب السوداني ولكن لم يكن يرضي أطراف أخرى وهي الأطراف التي أشعلت الحرب خوفا على مصالحها المشتركة المرتبطة بجهاز الدولة والمتكمنة منه، فلم يكن بإمكانهم القبول بغير الدولة المافوية التي كانوا يديرونها لثلاثين عاما. أما الصحفي والمحلل السياسي محمد عبد العزيز فيقول ” لا أعتقد أن الاتفاق الإطاري هو سبب الحرب المباشر، فالتوتر بين الجيش والدعم السريع تصاعد بعد انقلاب 25 أكتوبر. يمكن أن نقول إن الحرب هي بمثابة المحاولة الأخيرة لتصفية ثورة ديسمبر. واستنادًا على ما سبق يصبح من الواضح أن من وقفوا ضد الاتفاق الإطاري وهددوا بنسفه هم من أشعلوا الحرب ووسعوا الشقة بين الجيش والدعم”.
اتساع الحرب
بقراءة ميدانية لخطاب العطا الأخير، مقرونا مع تصريحات أخرى، نجد أن الخط العام للجيش السوداني، والجهات المناصرة له وعلى رأسها المؤتمر الوطني، تسعى إلى إطالة أمد الحرب إلى أن تقضي تماما على قوات الدعم السريع، مثلما صرح من قبل القائد العام للجيش الفريق البرهان، بينما نرى في الاتجاه الآخر أن قوات الدعم السريع ورغم التصريحات المتوالية لقادتها بميلهم لـ “الحل السلمي”، فإن رد الفعل الذي أظهرته ذات هذه القيادات والقيادات الوسطى بعد فقدان القوات لمنطقة الإذاعة والتلفزيون يؤشر أيضا إلى الاتجاه صوب التصعيد الحربي بقوة أكبر، الأمر الذي يسهم بدوره في إطالة أمد الحرب إلى أوان بات غير المعلوم. من جهتهم يبقى المدنيون (القوى الديمقراطية) في منطقة وسطى، تحاصرهم محاولات الشيطنة والإبعاد من جهة، وتتكسر مبادراتهم السلمية أمام “صوت النار” الملتهب على لسان كلا الجهتين المتحاربتين من جهة أخرى، وبين كل هذا يظل المواطن السوداني هو الضحية الوحيدة لما يجري في أرض السودان.
المصدر: صحيفة التغيير