اخبار السودان

خطاب الكراهية يشعل الحرب بين السودانيين ويستدعى تاريخ ممتد من الظلم والتهميش

على مدى قرنين من الزمان شهدت الدولة السودانية الحديثة (18212023) العديد من الحروب والصراعات راح ضحيتها مئات الآلاف من الأشخاص، لاسيما أن تلك الفترة تخللها نظاميين استعماريين وجدا مقاومة واسعة من السودانيين.

الخرطوم: عبدالهادي الحاج

الحرب التي تدور في العاصمة الخرطوم بجانب أجزاء من إقليم دارفور غربي البلاد بين الجيش وقوات الدعم السريع منذ 15 أبريل الماضي، هي ليست الأولى بهذا الحجم من الدمار، رغم أن معظم الحروب كانت تدور في الأطراف البعيدة عن مركز البلاد، التي اختار شطرها الجنوبي الانفصال عن الدولة الأم في العام 2011.

لم تكن هذه الحرب مفاجئة كما يرى المراقبون وذلك من خلال تتابع الأحداث التي أعقبت الإطاحة بنظام حكم الرئيس عمر البشير في العام 2019، بجانب تصاعد الصوت العدائي بين المجموعات المدنية فيما بينها وخلافات القادة العسكريين مؤخراً.

احصائيات صادمة

وفقاً لإحصائيات الأمم المتحدة فإن أكثر من 3 ملايين سوداني، أصبحوا بين نازح ولاجئ، لاسيما في دارفور، فيما ذكر تقرير منسوب لسلطنة مساليت مجموعة إثنية أن حاضرة ولاية غرب دارفور الجنينة شهدت مقتل نحو 5 آلاف شخص على يد قوات الدعم السريع وذلك على أساس عرقي، بجانب إصابة 8 آلاف خلال الفترة من 20 أبريل وحتى 12 يونيو الماضي، في وقت يؤكد شهود عيان أن عدد القتلى في جميع انحاء البلاد يتجاوز هذه الإحصائيات بكثير، لاسيما أنها لاتتضمن القتلى بين العسكريين.

توثيق 56 حالة عنف جنسي واغتصاب في العاصمة الخرطوم فقط

وحدة مكافحة العنف ضد المرأة والطفل الحكومية، أكدت توثيق 56 حالة عنف جنسي واغتصاب في العاصمة الخرطوم فقط.

وذكرت أن الحالات المبلغ عنها والموثقة لدى الوحدة تمثل نسبة ضئيلة من العدد الفعلي لحالات العنف الجنسي في الخرطوم بحسب تقديرات الوحدة بناءً على الخدمات المقدمة وشهادات شهود العيان وما ترصده الوحدة من حالات على مواقع التواصل الاجتماعي.

وأشارت إلى أن أوضاع النساء في اقليم دارفور تزداد سوءاً كل يوم، لكن تعذر التواصل مع الجهات المعنية هناك .

كذلك أكدت تلقيها تقارير بتزايد جرائم الخطف والعنف الجنسي الجماعي في الخرطوم والتي تستهدف مع الأسف صغيرات السن (12 17 عاماً).

هذه الاحصائيات للضحايا أعادت التذكير بالحروب العرقية التي شهدتها القارة الأفريقية خلال العقود الماضية، لاسيما الدور الذي لعبه خطاب الكراهية والدعوة للاقصاء في اتساع دائرة الحرب وارتفاع عدد الضحايا، ليأتي السؤال عن مدى تأثر الواقع السوداني بخطاب الكراهية الذي ساد مؤخراً على وسائط الإعلام ووسائل التواصل الإجتماعي، حيث استدعى ذلك الخطاب تاريخ مرير من الظلم الإجتماعي والتهميش والهيمنة المركزية.

ويُنظر لخطاب الكراهية الذي ساد مؤخراً بين القوى الإجتماعية الداعمة للجيش السوداني وتلك التي تدعم قوات الدعم السريع، على أنه يمثل أساس لخطاب رفض على أساس إثني لاسيما أن معظم أفراد قوات الدعم السريع ينحدرون من غربي البلاد، مقابل القوى الداعمة للجيش والتي تمثل العديد من مناطق السودان.

خطاب الكراهية في السياق السوداني

بحسب تعريف الأمم المتحدة فإن الكلام الذي يحض على الكراهية هو: “أي نوع من الاتصال في الكلام أو الكتابة أو السلوك، يهاجم أو يستخدم لغة تحقيرية أو تمييزية مع الإشارة إلى شخص أو مجموعة على أساس هويتهم ، وبعبارة أخرى، على أساس دينهم أو عرقهم.

باحث في المركز الأفريقي لدراسات السلام والعدالة: تشكلت ذهنية مركزية اعتمدت التمييز على أساس المهنة واللغة والهجرة من خلال مفهوم الدخيل والأصيل

الباحث في المركز الأفريقي لدراسات السلام والعدالة محمد بدوي، يربط بين خطاب الكراهية وتكوين الدولة السودانية قبل تشكيل المفهوم الحديث للوطن، ويدلل على ذلك بوجود قانون المناطق المغلقة خلال فترة الاستعمار الإنجليزي (18991956)، والصراعات التي شهدتها الدولة المهدية (18851899).

ويشير “بدوي” إلى أن جميع الصراعات التاريخية كانت ذات محمولات جغرافية وأيضاً ارتبطت بالهجرات القادمة من الشرق والغرب والتي كانت تسير في حركة مختلفة.

ويضيف: “عند تشكيل الدولة السودانية لم يُنظر للتنوع كإضافة، بل تشكلت ذهنية مركزية اعتمدت التمييز على أساس المهنة واللغة والهجرة من خلال مفهوم الدخيل والأصيل”.

الباحث في المركز الأفريقي لدراسات السلام والعدالة محمد بدوي

من ناحيتها قالت المدير التنفيذي لمجموعة التضامن السوداني لمناهضة التمييز العنصري “تسامي” رحاب حامد، إنه كان من المهم بالنسبة لهم وجود تعريف واضح لخطاب الكراهية والتأسيس على هذا التعريف، وذلك في ظل تصاعد الحديث عن خطاب الكراهية مؤخراً.

وأضافت: “كثير من الناس أصبحوا يتحدثون عن خطاب الكراهية دون وجود تعريف متفق عليه حتى بالنسبة للمؤسسات الدولية”.

وترى “حامد” أن هنالك خيط رفيع يربط بين خطاب الكراهية وحرية التعبير، لذا كان من المهم عدم الخلط بينهما.

التهميش وغياب العدالة

يذهب الباحث في المركز الأفريقي لدراسات السلام والعدالة، إلى أن غياب العدالة الإجتماعية ودور الدولة في تقديم الخدمات نتج عنه صراعات مسلحة وهجرات خلقت مايُعرف بـ” الكنابي” وهي مساكن العمال الزراعين غير المعترف بها من الدولة وأحزمة مساكن النازحين من الحروب حول المدن.

وأيضا يوضح بأن الفقر وضعف وسوء التعليم ساهم في “عسكرة” حياة تلك المجتمعات التي شكلت قوام القوات النظامية حيث ينظرون للعمل في صفوفها كفرصة للدخل.

ويضيف: “غياب المعرفة وتصنيف المواطنين وفق الذهنية المركزية أصبحت تعطي محمولات محددة للقادمين من الشرق أو الغرب أو المهاجرين الذين حصلوا على الجنسية السودانية”.

واعتبر “بدوي” أن صراعات مجتمعات التماس نشأت على مفهوم العرق وأنها تتفاوت في اتجاهات مختلفة ولا يخلو منها مجتمع، وفي جانب منها ترتبط بطبيعة العمل والمهنة.

ولفت كذلك إلى وجود ما وصفها بـ” العنصرية المضادة” التي قال إنها مواجهة ضعيفة ومحاولة لجلد الذات، لكنه يؤكد أن تنامي الخطاب الاقصائي وصل قمته خلال فترة حكم النظام الإسلامي (19892019) والذي قام على أساس الايدلوجيا الدينية وألغى الآخر من خلال سياسة “التعريب” وتنميط الحياة عبر قانون النظام العام والرقابة التي فُرضت على الجميع.

الموقف من اتفاق جوبا

تشير المدير التنفيذي لمجموعة “تسامي” إلى أن خطاب الكراهية برز بصورة واضحة عقب التوقيع على اتفاق سلام جوبا بين الحكومة الانتقالية السابقة وبعض المجموعات المسلحة، وكانت وسائل التواصل الإجتماعي هي ساحة الاستقطاب للاتجاهات ذات المواقف المتضاربة تجاه ذلك الإتفاق.

المدير التنفيذي لمجموعة “تسامي”: خطاب الكراهية برز بصورة واضحة عقب التوقيع على اتفاق سلام جوبا

وأوضحت أن خطاب الكراهية الذي تصاعد بعد اتفاق سلام جوبا تسبب في انقسامات عميقة كانت نتيجتها الحرب التي يشهدها السودان حالياً وتابعت: “الإتهامات المتبادلة كان مؤشر على الإتجاه نحو الحرب التي لو توقفت اليوم يمكن تلافي آثارها”.

المدير التنفيذي لمجموعة “تسامي” رحاب حامد

وبحسب الباحث في المركز الأفريقي لدراسات السلام والعدالة، خلقت الحروب المتصلة التي شهدها السودان قاموس جديد من الخطاب العنصري برز من خلال البرامج التلفزيونية والاذاعية التي كان يبثها النظام الإسلامي في سنواته الأولى، ووصل ذروته خلال الحرب الحالية عبر تمني الموت للآخر ومصادرة حقه في الحياة.

ويشير إلى مثال لخطاب الكراهية خلال الحرب الحالية عند ظهور مجموعات مقاتلة في العاصمة الخرطوم ينتمي افرادها لإقليم النيل الأزرق، دفعت لطرح تساؤل عن من يكون هؤلاء.

ويضيف: “رغم أن هذه المجموعة تنتمي للقمز وبني شنقول وهم من مجموعة الفونج التي تستوطن إقليم النيل الأزرق”، ويتابع: “كذلك النظر لقوات الدعم السريع باعتبارها تمثل مجموعة الرزيقات رغم وجود أفراد من مجموعات عربية أخرى ضمن هذه القوات”.

شبح الحرب الأهلية

تعتقد رحاب حامد، أن استمرار تصاعد خطاب الكراهية يمكن أن يقود لحرب أهلية شاملة لأن البيئة تعتبر ملائمة لذلك، وتضيف: “هنالك شواهد كثيرة تؤكد أن خطاب الكراهية كان له دور في الحرب الحالية”.

فيما يرى محمد بدوي، أن خطاب الكراهية خلال الحرب الحالية يظهر في الخطاب الرسمي ومواقف القادة دون مراعاة لحساسية المفردة وأنهم بذلك نسفوا ما جسدته شعارات ثورة ديسمبر 2018.

وأنه في ظل ظروف الحرب المشتعلة الآن وغياب القوانين التي تضبط حرية التعبير تشهد وسائل التواصل الإجتماعي توظيف المشاهير للتعبير عن الطرفين بلغة تحمل خطاب كراهية في ظل غياب التوجيه.

المصدر: صحيفة التغيير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *