خديعة كلمة «متدين»… التي حوّلت التدين إلى وقود للحرب
بقلم: حسن عبد الرضي الشيخ
يروج على وسائط التواصل الاجتماعي مقطع فيديو للعنصري عبد الرحمن عمسيب، يرثي فيه بعض ضباط الجيش الذين قضوا في معارك ضد إخوانهم في قوات الدعم السريع. ولم أبتدع الصلة بينهما (الجيش وشقيقه الدعم السريع)؛ فمشيرهم “البرهان” نفسه وصف الدعم السريع بأنه من “رحم الجيش”.
الذي أثارني في ذلك الرثاء الممجوج ليس البكاء ولا النحيب، بل ترديد عمسيب المكرور لعبارة: “الضابط فلان كان متديناً… الضابط علان كان متديناً”. ولعمري، ما أدرك عمسيب أن هذه الكلمة بالذات ـ متدين ـ هي مفتاح المأساة، وهي الشرارة التي أشعلت النار ولا تزال تزيدها ضراماً، وهي التي “غطّست حجرنا” وأغرقت بلادنا في بحر الدم.
قد يتهمني البعض بالمبالغة، فأجيب مطمئناً: كلا، ولا كرامة. دعوني أوضح.
منذ عقود، دأب المتأسلمون على دسّ عناصرهم في الجيش، وتحويله من مؤسسة وطنية إلى أداة للتمكين. ولم يكن الطريق عسيراً؛ لحى مطلقة، ثياب قصيرة، صلوات طويلة، ومظاهر ادعاء الورع. تلك كانت مفاتيح الخديعة التي وقع فيها شعب محبٌّ للدين بالفطرة. فكانت النتيجة أن ابتلع الجيش طُعم “التدين”، فصار وسيلة لانتزاع السلطة بالقوة، ثم لإشعال الحرب دفاعاً عن كرسيّ سلطة أصبحت ملكاً لـ”تجار الدين” بعد أن انكشف زيف الخديعة أمام وعي الشباب.
إذن، ليست كلمة متدين بريئة. هي كلمة استُخدمت لتمرير الطغيان وتبرير الاستبداد. هي التي جعلت السودان رهينة للحرب، وأوردته مورد الهلاك.
تأملوا حولكم، وابدأوا من هنا:
الإخوان المسلمون والحركة الإسلامية في السودان… متدينون.
والذين بقروا بطون الشباب ومضغوا أحشاءهم… متدينون.
والذين رموا شباب الثورة الشجعان في نهر النيل… متدينون.
والذين يذبحون أبناء السودان بتهمة التعاون والتخابر مع شقيق الجيش… متدينون.
وقوات الدعم السريع، أنفسهم… متدينون، حتى إن قائدهم نحف جسمه من أثر الصوم كما صرّح “كيكل” المتدين.
الإخوان في مصر، صانعو الفتن… متدينون.
اليهود الذين يقتلون الفلسطينيين ويجوعون غزة… متدينون.
داعش التي قطّعت الرقاب وسبت النساء… متدينون.
بوكو حرام التي أعاقت نهضة إفريقيا… متدينون.
الحوثيون الذين دمّروا اليمن… متدينون.
شيعة إيران الذين يغذّون العنف… متدينون.
حزب الله الذي أنهك لبنان… متدينون.
المتطرفون السيخ في شرق آسيا… متدينون.
المتعصبون المسيحيون في أمريكا وأوروبا الذين يضيّقون على اللاجئين… متدينون.
هؤلاء جميعاً يرفعون لافتة التدين، لكنهم يحملون في حقيقتهم بذور الخراب. فحقٌّ لنا أن نقولها بالفم المليان: إن كلمة متدين، حين تتحول إلى أداة سياسية أو شعار سلطوي، تصبح لعنة لا فضيلة. وحريٌّ بها أن تستفز كل إنسان سوي، لا أن تنفخ فيه شعوراً أجوف بالفخر.
ويحسن بي أن “أديكم الزيت” ـ بس ما تكلموا زول: “شيخ!!” محمد الأمين إسماعيل و”شيخ!!” عبد الحي يوسف المتدينان، قالوا: حمدوك ما بصلي، يعني (ما متدين)… حمدوك الذي لا يحمل “رشاشاً” ولا يحرض على الحرب من على منابر المساجد (الهاملة)، حمدوك الذي يصرخ أن أوقفوا الحرب، غير متدين. فيا سبحان الله!!
فهل آن لنا أن نميّز بين الدين الذي يحرّر، و”التدين” الذي يدمّر؟ وأن لا نُلام حين نتحدث عن التطرف والهوس الديني؟
المصدر: صحيفة التغيير