اخبار السودان

خبراء يشككون في التزام 250 شركة بتوريد عائدات الصادر

أصدر بنك السودان المركزي قرارًا أمهل بموجبه 250 شركة فترة شهرين لتوريد حاصلات الصادر. وحسب البيان الذي أصدره البنك المركزي، والذي برر فيه الخطوة بالظروف الحالية التي تمر بها البلاد. على أن تبدأ مهلة الشهرين من الأول من مايو الحالي.

وشملت القائمة عدداً من كبريات الشركات السودانية. وحذر الشركات التي تفشل في توريد حصائل الصادر بعد المهلة بأن ذلك يعرضها لحظر مصرفي كامل.

لكن هل يستطيع بنك السودان تطبيق القرار خاصة على هذه الشركات إذا كانت الحكومة أكبر مصدر ومستورد ممثلة في المؤسسة العسكرية، وهل ستؤثر هذه القرارات في الحد من تدهور قيمة الجنيه السوداني أم أنها مجرد قرارات لتخفيف النقد على الحكومة التي تواجه حربًا شرسة من قوات الدعم السريع.

قال خبير الاقتصادي فضل حجب هويته لظروف أمنية، لـ”راديو دبنقا”، إن قرار محافظ البنك المركزي بالحظر المصرفي وهمي ولا يعني إلا خداع الرأي العام، مشيرًا إلى أن من يصدر قرار التهديد هي الدولة الرسمية كأنها مفصولة عن الإسلاميين الذين هم مازالوا في السلطة. وذكر أن التجار معروفين بالاسم ويعملون مع الجيش والدعم السريع وتحت حمايتهم.

ونوه إلى أنه في العام 2023 كان حجم الذهب المنتج 250 طن، على حسب المعلومات التي ذكرها الخبير الاقتصادي الهادي هباني، ولكن كان كل دخل الدولة من حصيلة الذهب 2 طن فقط، وقال إنَّ المهرب الأكبر لصادرات السودان هي شركات الجيش.

الوراقة:

وأكد الخبير الاقتصادي الذي كان يتحدث في اتصال هاتفي لـ”راديو دبنقا” على أن طيلة الفترة الماضية منذ تاريخ فرض العقوبات الاقتصادية علي السودان، وحتي الآن بما فيها فترة الحكومة الانتقالية ظلت كل التجارة الخارجية تدار من خارج السودان، وقال إنَّ الاستيراد يتم بدون تحويل قيمة “النل فاليو Nil value” من مصادر تجارة العملة الأصلية في عواصم الخليج، دبي وجدة والدوحة وغيرها، وقال إنَّ الصادر يتم بأوراق مزورة في نفس هذه العواصم عبر من يطلق عليهم “الوراقة”. موضحًا أن الاستيراد يتم بدون تحويل قيمة من السودان بحيث يدفع المستورد القيمة للمصدر للبضاعة الي السودان (الصين مثلا) من دبي أو جدة أو أي مكان في العالم، والبنوك تصدر فورمات للمستوردين داخل السودان التي تعني اكتمال الإجراءات المصرفية للاستيراد.

وقال إنَّ هذا الأمر فيما يخص الاستيراد دون تحويل قيمة وهي تقريبا كل استيراد السودان عدا القليل المقنن للشركات الكبيرة، مثل مجموعة دال التي تستورد من الشركات المصنعة بلد المنشأ مباشرة وليس عن طريق مكاتب في دبي وذلك عن طريق خطابات اعتمادات تصدرها بنوك سودانية، تعزز عن طريق بنوك خارجية لان البنوك العالمية لا تقبل اعتمادات استيراد من بنوك سودانية (غير معززة) وقال بالتالي سهلت الدولة للإسلاميين عملية الاستيراد من مكاتب في دبي وليس من بلد المنشأ بل لكل من يرغب في استيراد أي سلعة بلا ضابط للجودة.

في حين أكد وزير التجارة والتموين الفاتح عبد الله يوسف إن اتباع الوزارة لسياسات تحكم عمليات الصادر والوارد بجانب اتخاذ إجراءات صارمة أدت إلى زيادة نسبة الإيرادات بما يفوق 600% وذلك خلال الفترة من فبراير العام المنصرم وحتى نهاية أبريل من العام الحالي مما جعل وزارة التجارة والتموين من اهم الوزارات الإيرادية لخزينة الدولة.

وأوضح أن وزارة التجارة تعمل وفق ضوابط تحكم عمليات الاستيراد وضبط الصادرات. وان التجارة أعطت أولوية قصوى قي  هذه الفترة للتوسع قي  فتح أسواق جديدة وواعدة بشراكات مع جهات مختلفة مشددًا أن على من يمارس الاستيراد التجاري أن يكون مقيدًا بسجل المصدرين والمستوردين وأن يكون حاصلًا على شهادة قيد سارية المفعول.

غير أن المحلل الاقتصادي أكد أن الصادر للسلع السودانية يتم بأوراق تصدرها ما تسمي بـ”الوراقة” وهي شركات أو أفراد في مكاتب في دبي وغيرها، تقبلها شركات الشحن في ميناء بورتسودان لتسمح سلطات الجمارك بخروج البضائع وهي أوراق شكلية لا تضمن وصول حصائل أو قيمة هذه الصادرات للسودان أو البنوك السودانية.

شركات الجيش:

واعتبر الخبير الاقتصادي أن كل الأطراف مشتركة في الجريمة من سلطات بنك السودان الرقيب والمنظم للعمل المصرفي والمصارف العاملة في السودان، وسلطات وزارية كالتجارة المنظمة للسلع المستوردة أو المصدرة، ومن سماهم بمافيا شركات الجيش والأمن والدعم السريع والشركات الخاصة المملوكة للإسلاميين.

وقال إنَّ هذه العملية تعتبر تهريبًا رسميًا للصادرات لكل السلع السودانية، مقابله تهريب بالموانئ وأضاف حين تتخلي الدولة عن دورها وتسمح لطائرات أجنبية بالهبوط في مواقع التنقيب وتحميل وشحن الذهب المختوم أو المعاير أو غير المختوم والخروج من البلاد بعلم الدولة.

واعتبر المحلل الاقتصادي أن ذات الأمر ينطبق على صادر البلاد من الثروة الحيوانية والحبوب وكل الصادرات السودانية بالشاحنات إلى جمهورية مصر العربية، بعلم الدولة. وتسائل عن أهمية فرض حظر مصرفي على شركة جيش تعمل مباشرة في الصادر والوارد.

وفي رده حول ما إذا كان عدد الشركات “250” كبيرًا، رد قائلاً ليس رقمًا كبيرًا مشيرًا إلى أنهم قصدوا كل المصدرين النشطين وفيهم صغار المصدرين وهم كثر، يصدرون سلعا هامشية مثل مصدري العدسية من حلفا الجديدة إلى الهند عن طريق مكاتب دبي نفسها التي يديرها الإسلاميون ووكلاءهم في بورتسودان. كما شمل ذلك بعض مصدري البهارات والأعشاب والفحم وغيرهم من المصدرين.

ماذا يعني الحظر:

واعتبر الخبير الاقتصادي في حديثه لـ”راديو دبنقا” أن الحظر المصرفي إذا كان يعني المنع من التعامل مع المصارف في السودان فهل لهذا أي أثر لشركات تعمل من دبي أو جدة أو كمبالا أو جوبا، أو أي بضاعة تصل من أي دولة ويتم الإفراج عنها بأوراق مزورة من مكاتب سماسرة الإسلاميين في دبي. وقال نفس الشيء ينطبق على أي بضاعة سودانية تصدر من الموانئ وتقبل سفن الشحن أوراق مزورة وعقود صادر مزورة جاهزة في مكاتب الوراقة، سماسرة الصادر في دبي وغيرها.

وخلص الخبير الاقتصادي إلى القول بأن كل هذا التغبيش مقصود به تحميل جهات وهمية سبب تدهور العملة وقال لا أحد سيحاسب أحد وعزا ذلك إلى أن الحكومة هي المضارب الأكبر في العملة والمتسبب في انهيار العملة المحلية المزورة وغير المزورة وكله سيان.

ضد الشركاء وليس الواجهات:

من جهته قال الخبير المصرفي والمحلل الاقتصادي د. لؤي عبد المنعم محمد رئيس قسم العلاقات الدولية بجامعة أفريقيا العالمية لـ”راديو دبنقا”، إنَّ مشكلة حصائل الصادر قديمة تعود للعقد الأخير في عهد حكومة الإنقاذ، بيد أنه رأى أن الأزمة بدأت تتصاعد في وسائل الإعلام في نهاية يوليو من العام 2021 عندما أصدر بنك السودان المركزي قرارًا بحظر 189 شركة حظرًا مصرفيًا شاملًا. لكنه كان أكثر وقعًا من القرار الحالي الذي رأي أنه اكتفى  بالتهديد بالحظر ل 250 شركة في حال عجزها عن إعادة حصائل الصادر خلال مدة شهرين.

وعبر عن اعتقاده أن مثل هذه القرارات السابقة والحالية غير مجدية بل تشجع على مزيد من الخروقات في عدم إرجاع حصائل الصادر ودلل على ذلك بأن هذه الشركات مجرد أسماء عمل صورية تستخدم لمرة واحدة مثل كرت تعبئة الرصيد “اسكراتش”.

ورأى الخبير المصرفي أنه كان من الأفضل اتخاذ إجراء حقيقي بعد تحري دقيق ضد الشركاء أو المنتفعين الحقيقيين وراء صفقات الصادر المخالفة وليس الواجهات لها. وشدد على أن يشمل القرار أيضًا المنع من التصدير والاستيراد لحين إرجاع الحصائل مع سداد غرامة بقيمة ٢٥% من مبلغ حصيلة الصادر أو السجن حتى السداد، وقال إنه أمر مؤثر وفاعل نسبيًا اذا تم تنفيذه بغرض إرجاع الحصائل إلى جانب حزمة متكاملة من السياسات المالية والنقدية والائتمانية التي من شأنها تحسين الميزان التجاري. وبالتالي تعزيز القوة الشرائية للعملة المحلية والحد من التضخم.

واعتبر أن رأس الرمح في هذه الحزمة هو الحد من الاستيراد غير الضروري والمنافس للإنتاج المحلي خاصة في ظروف الحرب.. وبافتراض نجاح بنك السودان في استرداد حصائل الصادر فان هذا لن ينعكس بشكل فوري على تخفيض أسعار السلع في الأسواق برغم تخفيض قيمة الدولار في السوق الموازي حتى تمر عدة أشهر ويشهد السوق استقرارًا في سعر الصرف.

وقال انه في ظل الحرب تتفاقم ازمه الأسعار بفعل الاضطرابات الأمنية وعدم الاستقرار السياسي وضعف القوى الشرائية نتيجة التضخم وإحجام المغتربين عن تحويل مدخراتهم عبر القنوات الرسمية الأمر الذي يدفع تجار الجملة لتخفيض مخاطر المخزون عبر زيادة المبيعات، وتحد المصانع كذلك من الإنتاج الواسع فينخفض الطلب فعليًا على الدولار بسبب اتجاه التجار تلقائيًا لتخفيض الاستيراد فتنخفض قيمة الدولار في السوق الموازي دون أو يؤثر ذلك في زيادة القوة الشرائية للعملة المحلية بسبب ضعف الصادر من جهة و قلة المعروض من السلع و تراجع المخزون من المواد الخام و البضائع المصنعة من جهة أخرى فيتم رفع أسعار السلع تبعا لذلك ولتخفيض تكلفة الإنتاج و البيع.

شركات تخلفت

واعتبر الخبير المصرفي والمحلل الاقتصادي د. لؤي عبد المنعم الذي كان يتحدث لـ”راديو دبنقا”، أن الشركات التي تخلفت عن توريد حصائل الصادر بلا شك ساهمت نسبيًا في ارتفاع أسعار الدولار بهذا السلوك، لكنه استدرك قائلاً ليست سببًا رئيسيًا لتراجع الاقتصاد الكلي.

وقال: “للتوضيح أكثر سوف أضرب مثلًا في الولايات المتحدة الأمريكية يتم تخفيض قيمة العملة لتنشيط الصادر، أي أن التضخم أحيانًا يصب في صالح تحسين الميزان التجاري” وأضاف “لكن هذا الاستثناء يكون في الدول الصناعية بسبب المنافسة الحادة مع السلع الأجنبية الأقل سعرًا”، ونبه إلى الولايات المتحدة لا تلجأ لتخفيض قيمة الدولار ورفع الدعم أو فرض زيادة في الرسوم والضرائب في وقت واحد حتى لا يحدث انهيار اقتصادي.

لكنه عاب على الحكومة في السودان أنها تحاول تطبيق كل السياسات بدون دراسة بشكل متزامن وإن تعارضت مع بعضها البعض كـ(التعويم المطلق + رفع الدعم + زيادة الضرائب والرسوم + زيادة المرتبات+ طباعة عملة جديدة).

وفي رده على سؤال حول حجم حصائل الصادر المأمول في عودتها قطع الخبير المصرفي لؤي عبد المنعم بأنه لا تتوفر معلومة دقيقة بهذا الصدد، مؤكدًا أنها لن تكون متاحة في ظروف الحرب وكل ما تم تسريبه بهذا الصدد مجرد تقديرات.

وجدد التذكير بأن عودة حصائل الصادر يمكن أن تساهم في الحد من الطلب على الدولار في السوق الموازي لشراء السلع الأساسية و الإستراتيجية لكنها لن تنعكس بشكل مباشر وسريع على تخفيض أسعار السلع في الأسواق، ورهن ذلك بتطبيق حزمة من القرارات بعضها لجذب مدخرات المغتربين و لتحفيز الاقتصاد عبر دعم وتمويل المصارف لمشاريع الاقتصاد التشاركي، إلى جانب طرح منتجات لتعزيز السيولة المصرفية بالتركيز على الجنيه الذهبي الادخاري المحصور التداول بين و داخل المصارف والذي سبق أن اقترحته في فبراير 2018،  قبل كل ذلك الحد من الاستيراد غير الضروري في ظل تراجع الصادر بنسبة 60٪ على محدوديته بسبب الحرب.

شركات الجيش:

وحول عدم قدرة المحافظ في تطبق قراراه على شركات الجيش باعتبارها المهيمن على سوق الصادر والوارد، دافع الخبير المصرفي والمحلل الاقتصادي لؤي عبد المنعم، بالقول: لولا شركات الجيش لانهار الاقتصاد تمامًا برغم أن حجم نشاطها في السوق لا يتجاوز 1015٪ من إجمالي حجم النشاط التجاري، واعتبره معدل طبيعي ويتناسب مع قدرات واحتياجات الجيش السوداني مقارنة مع الشقيقة مصر التي لا تقل حصة شركات الجيش فيها عن 50٪ من حجم السوق المحلي.

واعتبر أن مشاركة الجيش في الاقتصاد ليست بدعة كما أسلفنا بل تمليه الضرورة الأمنية لبلد مستهدف في إنسانه وثرواته مثل السودان

دبنقا

المصدر: صحيفة الراكوبة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *