يرى ناشطون أن الأزمة تفاقمت بسبب غياب الرقابة الحكومية وتقاعس وزارة الصحة، متهمين شخصيات داخل  بعض المستشفيات بالتورط في المتاجرة بالأدوية.

أمدرمان: كمبالا: التغيير

في الثورة، الحارة (53) بمحلية كرري، كانت فاطمة تصارع الحمى، بعد أن شخصت حالتها في البداية على أنها “ملاريا”، لكنها لم تتحسن رغم العلاج. ومع تزايد الأعراض، لجأت إلى ثلاثة مستوصفات متتالية، لكنها اصطدمت بقوائم انتظار طويلة تجاوزت السبعين مريضاً في بعضها.

وتوجهت في نهاية الأمر إلى مركز صحي بالحي، وبعد إجراء الفحص، أكدت الطبيبة أنها مصابة بحمى الضنك. تقول فاطمة لـ(التغيير) إن الأطباء وصفوا لها نحو 15 درباً من محلول البندول، غير أن أبناءها بحثوا في 24 صيدلية بكرري دون أن يعثروا ولو على واحد.

وتضيف أوصتهم طبيبة المركز باستخدام حبوب البندول كبديل، بمعدل قرصين كل ساعتين، بينما وجد أحد أبنائها محلول البندول في السوق الأسود، لكنه كان مبلغاً يفوق قدرته على الشراء.

قصة فاطمة تختصر مأساة آلاف الأسر في الخرطوم، حيث تفشت حمى الضنك بصورة غير مسبوقة. في محلية كرري وحدها، يؤكد ناشطون أن 90% من البيوت سجلت إصابات.

المستشفيات امتلأت ولم تعد تستقبل إلا الحالات الحرجة أو المصحوبة بنزيف، فيما تكدست المراكز الصحية بقوائم طويلة من المرضى.

وضع “كارثي”

في مستشفى النو، وصف الناشط علي، الوضع بأنه “كارثي”، إذ لم تعد الطاقة الاستيعابية تحتمل الأعداد الكبيرة.

وأشار في حديثه مع (التغيير) إلى أن عقار البندول، الذي يعد خط الدفاع الأول في علاج الحمى، شهد قفزات متتالية في سعره خلال أسبوع واحد، حيث كان متوفراً قبل الأزمة بسعر 3 آلاف جنيه، ليقفز إلى 5 آلاف، ثم إلى 7 آلاف، قبل أن يختفي تماماً.

وأكد أن تجار الأزمات بدأوا في ترويج المحاليل الوريدية في السوق الأسود بأسعار خيالية، على غرار ما حدث خلال تفشي الكوليرا في وقت سابق.

وروى الصحفي يوسف عبد المنان في مقال متداول على الإنترنت، رحلته مع المرض، قائلاً إنه جاب عشرات الصيدليات والمستشفيات في أم درمان دون جدوى، قبل أن يعرض عليه شاب “درب بندول” من سيارة مظللة بمبلغ 30 ألف جنيه. وأضاف أنه رفض شراء الدواء بهذه الطريقة، واصفاً ما يحدث بأنه “تجارة بآلام الناس ومعاناتهم”.

غياب الرقابة الحكومية

وسرد المواطن الطيب في شهادته لـ(التغيير) معاناة أسرته مع المرض، مبيناً أنهم قصدوا مستشفى أم درمان بعد ظهور الأعراض، وبعد الفحص تأكدت إصابتهم بحمى الضنك.

وقال إن الأطباء صرفوا لهم الكمية التي وصفها الطبيب من دربات البندول، مشيراً إلى أن المحاليل متوفرة داخل المستشفى، لكنها لا تُصرف إلا بعد استشارة الطبيب وإجراء الفحوصات اللازمة، غير أن الصيدليات الخاصة خالية تماماً من الدواء، والمستوصفات الخاصة أيضاً لا يتوفر فيها شيء.

ويرى ناشطون أن الأزمة تفاقمت بسبب غياب الرقابة الحكومية وتقاعس وزارة الصحة، متهمين شخصيات داخل  بعض المستشفيات بالتورط في المتاجرة بالأدوية. وأشاروا إلى أن عمليات الرش التي أعلنتها السلطات لم تتجاوز كونها عملاً دعائياً، بينما ما زالت المياه الراكدة وتخزين الأسر للمياه يوفران بيئة خصبة لتكاثر البعوض.

ومع انتشار المرض في كرري وشرق النيل وجبل أولياء والخرطوم وأمبدة، يحذر ناشطون في المجال الصحي من أن المرحلة المقبلة ستكون الأصعب، في ظل انعدام الأدوية الأساسية وازدحام المستشفيات.

المصدر: صحيفة التغيير

شاركها.