حين تُجمّل الشاشات قُبح السلطة وتُهمل صوت الشعب

حسن عبد الرضي الشيخ
في زمن مات فيه الضمير، وتحولت الشاشات إلى مرايا تعكس قبح السلطان لا هموم الإنسان، يطلّ علينا ما يُسمّى زورًا بـ”نبض الوطن” برنامج باهت من تلفزيون السودان بينما هو في الحقيقة “نجر المحن”، الذي ينفث سمومه كل يوم لتجميل وجوه الفساد وإخفاء جراح الوطن الغائرة.
في إحدى حلقاته الأخيرة، نقل البوق الذي يُسمّى مراسلاً من الدمازين تغطية لزيارة الوالي أحمد العمدة إلى مراكز امتحانات المرحلة المتوسطة بولاية النيل الأزرق. زيارة تثير الاشمئزاز قبل أن تُثير الاهتمام؛ إذ ينطق الواقع بأن لا الولاية ولا التلاميذ كانوا على أهبة الاستعداد لأي امتحان. بالكاد يملكون أقلامًا للكتابة أو كراسات للقراءة. ما جرى لم يكن سوى عرض أجوف لسلطة جوفاء، وأداء مسرحي بطله “بطر الوالي”، الذي نافس بجسده البارز كل محاولات الكذب والتزييف التي اجتهد فيها التلفزيون.
ذلك الجسد المترهل المنفوخ كان تمثيلًا دقيقًا لانفصام السلطة عن الشعب، عن الجوع، عن العطش، عن فقر التعليم وانهيار الخدمات. شعب النيل الأزرق يئن تحت وطأة الجوع، بينما (كرش) الفساد تتخمت بما لذ وطاب من قوت الجائعين.
أي حضارة تُبنى على امتحانات تُقام في بيئة مهترئة؟ هل نضحك على أنفسنا؟! أي تنمية تلك التي يُنشدونها في ولاية لا ماء فيها ولا كهرباء، مدارسها مهجورة، وكرامة معلّميها مداسة، ورواتبهم محجوبة منذ عامين؟!
الوالي العمدة، الذي لا يملك من “العمدة” إلا الاسم، هو “عمدة خالي أطيان” يستعرض جسده لا فكره، ويتبختر كطاووسٍ فوق الركام. أما الإعلام، فلا يقل فسادًا عنه. عصام طه، مراسل التباهي الأجوف، لا ينقل معاناة الناس، بل يلهث خلف ما يُملى عليه، بلا حياء ولا مروءة. بوقٌ بلا صوت إنساني، وواجهة لخراب الكيزان.
لم نره يُوثّق حلقات الجوع، ولا عجز الوالي عن حماية المدنيين من هجمات قوات الدعم السريع، ولا عن الرعب والانتهاكات. لم يُسلّط الضوء على اعتقال الشرفاء من المعلّمين والإعلاميين والناشطين في ولاية النيل الأزرق.
هؤلاء يجب أن يُحاسَبوا. يجب أن يُلفَظوا كما تُلفظ النواة. لا نريد إعلامًا يعيد إنتاج الرداءة، ولا مسؤولين يتبخترون على أطلال أحلام البسطاء. نريد إعلامًا حرًّا نزيهًا، نريد مسؤولين من الناس وللناس، نريد وطنًا لا يبيع كرامته على شاشات الفساد.
[email protected]
المصدر: صحيفة الراكوبة