يا أيها الوطن المسافر
في الخطابة والقصائد والنصوص المسرحية
يا أيها الوطن المصور
في بطاقات السياحة والخرائط والأغاني المدرسية
يا أيها الوطن المحاصر
بين أسنان الخلافة والوراثة والأمارة
وجميع أسماء التعجب والاشارة
نزار قباني
حسن أبو زينب عمر
يبدو مما نعيشه الآن ان السودان (الوطن) أشبه بطائرة مختطفه يتشاكس في قمرة قيادتها الجيش الوطني والدعم السريع المتمرد ومئات من الميليشيات المسلحة الله وحده يعرف عددها ومكونات اثنية لا تقل عن خمسمائة قبيلة هي عدد القبائل في السودان ..الطائرة تطير نحو المجهول بسرعة الصوت وتصطدم من حين لآخر بمطبات هوائية عنيفة اسمها غياب الارادة وصراع المصالح وضعف الوازع الديني والأخلاقي والوطني وتتلقى توجيهاتها من أبراج مراقبة متناثرة في أبوظبي والقاهرة وأديس أبابا والدوحة وواشنطون وانجمينا .أما الركاب فان مصيرهم والحال هكذا أقرب لمصير ركاب الرحلة 763 السعودية والرحلة 370 الماليزية والرحلة 9525 الألمانية والرحلة 171 الهندية ولعل هذا سبب تحرير هذا (البوست) .
(2)
لا شيء ينبئ عن حالة استثنائية فقد كانت الرتابة تخيم على الأجواء داخل طائرة البوينج 747 السعودية في رحلتها رقم 763 والمتجهة من دلهي إلى الظهران شرق المملكة في الساعة السادسة والنصف صبحا بالتوقيت المحلي في الثاني عشر من نوفمبر 1996 ونحن جلوس على مقاعدنا بعد ربط الأحزمة وسماع قائمة إجراءات السلامة حسب التعليمات الصادرة كما جرت العادة في كل رحلات الطيران. بدأت الإضاءة غائمة قبل أضاءتها بعد استقامة الطائرة. لم نكن نسمع سوى هدير محركات الطائرة يختلط حينا بأصوات مراسلات كانت تأتينا بين حين وآخر لكنها لم تكن تعنينا في شيء وفجأة تناهى الى أسماعنا صوت ارتطام عنيف سمعنا بعدها قائد الطائرة (خالد الشبلي) يتشهد (أشهد أن لا إله الا الله وأشهد أن محمدا رسول الله) .
(3)
فجأة تم اضاءة الغرفة التي كانت تضمنا نحن مجموعة من الصحفيين كان مكتب الخطوط السعودية قد قام بتجهيزها داخل مكاتب الشركة بحي الكندرة في جدة وكأنها صالة ركاب حقيقية وذلك لوضعنا في (نفس الأجواء ) لحظة بلحظة حتى حدوث كارثة التصادم بطائرة الخطوط الكازاخستانية وهي من طراز (إليوشن) إيل76 كانت في رحلتها 1907 في طريقها من شيمكنت (كازاخستان) إلى دلهي، فوق مدينة تشاركي دادري، على بعد حوالي 100 كيلومتر غرب دلهي وكان هدف هذا التماثل simulation هو تقديم كل الأدلة العلمية والجوية لإبراء ذمة الطيار السعودي من الحادث.
(4)
الروايات هنا تختلف فكازاخستان ذهبت بأن قائد طائرة (الاليوشن) اصطدم بسرب من الطيور فحاول تفاديه بتغيير مسار الطائرة فحدث الصدام أما الجانب السعودي فقد أفاد بأن لجنة التحقيق أكدت أن الحادث كان نتيجة خطأ من جانب فني برجي المراقبة الكازاخستاني الذي وجه قائد الطائرة الكازاخستانية (وفقا للأدلة) للهبوط من الارتفاع المحدد 15000 قدم إلى 14500 قدم وبعد ذلك 14000 قدم وهو نفس مسار الطائرة السعودية. وأرجع التقرير سبب هذا الخرق الخطير في إجراءات التشغيل لعدم وجود مهارات التحدث باللغة الإنجليزية لدي فني برجي المراقبة الكازاخستاني حيث خلط بين كلمتي above وbelow.
(5)
ولكن إذا أتضح جليا تفاصيل كارثة الطائرة السعودية فان الغموض لا زال يخيم على طائرة الخطوط الماليزية من طراز بوينج الي كانت متجه من كوالالمبور الى بكين برقم الرحلة 370 في 8 مارس 2014 فقد اختفت عن شاشات الرادار ولم يتم العثور على شيء الا على شظايا منها بل لم تكشف التحقيقات عن مكان سقوط الطائرة حتى تم العثور في 29 يوليو 2015 على قطع متناثرة تقدر بثلاثين قطع في جزيرة ريونيون الفرنسية وشواطئ جزيرة مدغشقر وموزمبيق وجنوب أفريقيا وتنزانيا على بعد 3700 كيلومتر ولم يعرف أحد ان كانت الطائرة قد تحطمت في الهواء أو اصطدمت بمياه المحيط.
(6)
في يوليو 2018 أصدرت الحكومة الماليزية تقريرها النهائي بشأن اختفاء الرحلة رقم 370. وتطايرت الاحتمالات حول الكارثة من أعطال ميكانيكية ووجدوا انها ضئيلة فأشارت الى تعرضها لاختطاف سيما وأنها غيرت مسارها من بكين الى استراليا جنوب المحيط الهندي ولكن لم تعلن أية جهة مسؤوليتها فطارت الاحتمالات الى انتحار أو إصابة من كانوا في الكابينة بلوثة عقلية القبطان (زهاري أحمد شاه) أو الضابط الأول (فريق عبد الحميد) ولكن رغم العثور على أي شيء مريب بشكل واضح في سلوكهما الا ان معظم الاحتمالات تشير الى هذا الاتجاه لتحتل الطائرة الماليزية لقب أشهر الطائرات المفقودة في التاريخ.
(7)
لكن مؤشر الحالات النفسية لمن يكون في كابينة القيادة أصبحت تتصاعد ولكن تظل آخرها رعبا هي طائرة إيرباص A320 (شركة جيرمان وينجز جيرمان وينجز) التابعة لشركة لوفت هانزا الرحلة رقم 9525 التي كانت متجهة من برشلونة إلى دوسلدورف والتي تحطمت في 24 مارس 2015 فوق سلسلة جبال الألب الفرنسية مما أسفر عن مقتل جميع من كانوا على متنها، وعددهم 150 شخصًا. التحقيقات كشفت أن الحادث كان متعمداً من قبل مساعد الطيار اندرياس لوبيتز، الذي كان يعاني من ميول انتحارية وأخفى مرضه عن الشركة. بيانات الصندوق الأسود أوضحت ان الطيار الأول يبدو انه غادر كابينة القيادة تاركا مساعده وحيدا في قمرة القيادة ربما لقضاء حاجة في الحمام ولكنه عاد مذعورا وهو يشاهد بأن مساعده اندرياس يندفع بالطائرة وبسرعة جنونية لأعماق الجبال الشاهقة بعد أن أغلق الباب وقد سمع المحققون صوت الطيار الأول يطرق بقوة على الباب محاولا تحطيمه وهو يصرخ في زميله لفتح الباب ولكنه لم يتلق أية استجابة.
(8)
كان آخر فصول دراما تدني الحالات النفسية لمن يديرون دفة الطائرة من كابينة القيادة كانت مع الطائرة الهندية وهي من طراز بوينج 7878 (دريملاينر) في رحلتها رقم 9525 والتي اسفرت عن مصرع كل ركابها 242 فضلا عن 19 على الأرض أثناء رحلتها من مطار أحمد آباد في 12 يونيو الماضي الى مطار جاتويك بلندن ووفقًا للتقرير فان الطائرة وصلت إلى سرعة 180عقدة عندما تم نقل مفاتيح قطع الوقود في كلا المحركين من وضع (التشغيل) إلى وضع (القطع) وسمعت لجان التحقيق من واقع تسجيلات الصندوق الأسود صوت مساعد الطيار كندر الذي كان يقود الطائرة يسأل زميله الطيار الأول سوميت سابهرفال عن سبب قطعه للوقود، فأجاب بأنه لم يفعل ذلك مما يعني ان الطيار الأول كان يعاني من لوثة عقلية . الناجي الوحيد من الطائرة المنكوبة هو البريطاني من أصل هندي هو فيشواش كومار الذي وصفت التقارير أنه المعجزة الأولى في عالم حوادث الطيران ولكن حامل الرقم هو السوداني محمد الفاتح محمد عثمان (16) عاما وكان رضيعا لا يتجاوز عمره شهران ورغم ذلك نجا من طائرة سودان اير التي انفجرت في الثالث من يوليو من عام 2003 وأسفر الحادث عن وفاة كل الركاب والطاقم البالغ عددهم 116 بما فيهم والدته التي كانت تحمله في أحضانها.
[email protected]
المصدر: صحيفة الراكوبة