اخبار السودان

حياة من نور الباقر العفيف

أبية الريح

 

“إنما نحن أفكارنا وعقيدتنا ومبادئنا ، ولكن هذه الأفكار التي نحملها قد تصبح ثقيلة على صدورنا إذا لم تكن مصحوبة بالعمل والمثابرة.”كان هذا أحد أوجه فكر الدكتور الباقر العفيف ، الذي رحل عن عالمنا تاركًا وراءه سيرة مشرفة تليق بمن عاش من أجل الكرامة الإنسانية ، يغيب عنا رجل كان لوجوده أثر عميق في حياتنا السياسية والفكرية، ترك بصمات لا يمكن طمسها. كان الباقر العفيف أحد أولئك الذين لا تنحصر حياتهم في زمن أو مكان معين. هو ابن الأرض السودانية ، نشأ في “الحوش” التي تكمن في عمقها هوية طافحة بكل ما هو سوداني أصيل ، وفي الوقت ذاته كان أفقًا منفتحة على آفاق العالم. من جامعة الخرطوم إلى رحلته التعليمية في المملكة المتحدة مرورًا بمسيرته الفكرية الغنية التي الفكرة الجمهورية ، حمل الباقر العفيف رؤىً لا تشبه أي رؤى أخرى .. رؤى مستنيرة لا تتوقف عند حدود الزمان والمكان بل تتجاوزهما لتشمل عوالم من الفكر والإنسانية.

قضى الباقر سنواته في خدمة قضايا حقوق الإنسان والديمقراطية ، شغوفا دائمًا بالنضال ضد الظلم والاستبداد. كان رجلًا لا يهاب الحقيقة ولا يركن إلى الراحة في سبيل المبدأ. فكما سعى لتفكيك قضايا الهوية السودانية وفتح أفق النقاش حول انقساماته الثقافية والاجتماعية كان أيضًا من أبرز المدافعين عن حق الشعوب في تقرير مصيرها بل كان من المدافعين عن الحق في أن يكون للإنسان الكرامة والحرية في عيش حياة إنسانية.

تجسد إرثه في مركز “الخاتم عدلان للاستنارة والتنمية البشرية” الذي أصبح منارةً للفكر التقدمي والحرية. كان العفيف أحد رموز حركة “القوى الجديدة الديمقراطية” وكان له دور حيوي في الأمانة الدولية لمنظمة العفو الدولية ، كما شغل منصب خبير بمعهد السلام الأمريكي. بيد أن أفكاره لم تقتصر على العمل المؤسسي فقط بل تداخلت مع أعماله الكتابية التي أثرت الفكر العربي والسوداني. هذا الإرث الفكري لا يقتصر على كونه فكرًا مجردًا لكن كانت شخصيته انعكاسًا حقيقيًا لهذه الأفكار. كان هادئًا في كلامه لكنه كان دائمًا يحمل في طياته قوة لا تخطئها العين. محاربًا من أجل العدالة في زمن يستنجد فيه العالم بالكلمات فارغة المعنى. كان إنسانًا يرتكز على مبادئه الفكرية كما يرتكز الجبل على الأرض. ولعل أكبر ما يميز الباقر العفيف هو قدرته على أن يرى في كل قضية أفقًا للمستقبل ، وهو ما تجلى في كل محاضرة له ، وفي كل مقالة كتبها. لم يكن يخاف من طرح الأسئلة الصعبة وكان دائمًا يتحدى السائد من الأفكار المجتمعية والسياسية. كانت أطروحاته عن الهوية السودانية وتحدياتها محط جدل ، بل كانت بمثابة دعوة مفتوحة للجميع لمراجعة أفكارهم وتصوراتهم حول من هم ، وكيف يمكن أن يواجهوا المستقبل.

وفي حديثه عن فكر أستاذه محمود محمد طه ، الذي تبنى الباقر فكرته الثورية ، نجد في ذلك مرجعية حيوية للحداثة والتجديد في فهم الدين والهوية. ولكن الباقر العفيف لم يكن مجرد ناقل للأفكار ، بل كان مبدعًا في صياغتها ، محولًا إياها إلى أدوات فاعلة لفهم الواقع وإعادة تشكيله. اليوم ونحن نقف في وداعه ، نستشعر غياب أحد أعمدة الفكر السوداني. غير أنه ورغم رحيله فإننا نعلم أن إرثه سيظل باقٍ في فكرنا وفي أعمالنا وستظل قضيته هي قضيتنا. لقد رحل الباقر العفيف عن عالمنا الجسدي ولكنه ترك لنا ذخيرة من الأفكار والرؤى التي لن يمحوها الزمن. الرحمة والخلود لهذا المفكر الذي عاش من أجل أن يرى الأمل في وطنه يزدهر. فها هو اليوم يتركنا في شجاعة الفكر وصدق المبدأ وقد أسهم في رسم ملامح مستقبل أكثر إشراقًا. إنا لله وإنا إليه راجعون ، وستظل سيرته دربًا لنا نسير عليه نحو مستقبل تشرق فيه شمس العدالة والحرية.

 

[email protected]

المصدر: صحيفة الراكوبة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *