عمار الباقر
في فاتحة هذا المقال أود أن أتجه بالشكر والامتنان الي كل الذين تفاعلوا مع مقال الأمس حول مبادرة الحزب الشيوعي بمنطقة عطبرة. لقد احتوت جميع المداخلات علي أفكار وملاحظات جديرة بالاهتمام والتعلم منها والتناول بشي من التفصيل، مما يثبت أن شعبنا السوداني لازال قادراً علي أخذ زمام المبادرة واستعدال ما هو أعوج، كما تشير المداخلات والاتصالات التي تلقيتها من عدد غير قليل من الزملاء والأصدقاء بل وحتي من أولئك الذين لديهم مواقف تجاه الحزب، أن حزبنا هذا لا زال بخير وأن جذوة العمل الجماعي داخله وبين أصدقائه ومؤيديه بل وحتي بين أولئك الذين ابتعدوا عنه لازالت حية.
في هذا المقال أود أن اتناول بالنقاش بعض الأفكار التي تم طرحها حول المبادرة والتي أجدها افكاراً جديرة بالنقاش والتداول لفائدة تطوير الأداء السياسي لحزبنا ولمختلف الأحزاب السياسية الأخرى.
ولكن وقبل ذلك لابد لي من الاشارة الي أنني لست جزءاً من مبادرة الحزب الشيوعي بمنطقة عطبرة فهي تظل شأناً محلياً يلي المنطقة التي تتمتع بالولاية والاستقلال في تناول والقضايا التي تلي المنطقة بما لا يتعارض مع الخط العام للحزب طبعاً. وأنني مثلي مثل كثيرين غيري من عضوية الحزب انظر بعين الاعجاب الي هذه المبادرة وأسعي من موقعي كعضو في الحزب ومهتم بالشأن السياسي الي دعمها وتطويرها حتي تتحول الي نموذج يمكن البناء عليه لإصلاح الممارسة السياسية وجعلها أكثر قرباً من قضايا الجماهير.
من بين الأفكار المهمة التي أثيرت في مداخلات المقال السابق كانت مسألة تحويل هذه المبادرة الي مبادرة شعبية تلتف حولها جماهير المنطقة قبل الإعلان عن المبادرة والاتصال بالسلطات في الولاية؟
وبالاستفسار من الزملاء في منطقة عطبرة، كانت اجابتهم أنهم قد سعوا لإجراء عدد من الاتصالات عبر لجنة للاتصال السياسي بمكونات المجتمع المدني من أحزاب ومنظمات إلا أن تقييمهم كان ان هناك حالة من الضعف أو التردد في الاستجابة وهو أمر مفهوم بالنسبة اليهم نتيجة لحالة التردي الأمني والسياسي وتراجع الحريات في الولاية، لذلك قرروا إعلان المبادرة باسم الحزب لكسر حالة الركود الذي لازم العمل السياسي منذ اندلاع الحرب وجعله اكثر التصاقا بقضايا الجماهير وتشجيع بقية القوي المدنية في الانخراط في هذا النوع من النشاط الذي يتصدى لحاجات المواطن ويقترح الحلول لها.
تلك هي تقديرات الزملاء في منطقة عطبرة، وسيكون من قبيل إضاعة الوقت مناقشة صحة هذه التقديرات من خطئها، فهم أهل الاختصاص وأهل مكة ادري بشعابها. فالنقاش الان ينبغي أن ينصب حول كيفية توسيع هذه المبادرة وتحقيق أكبر التفاف شعبي حولها بما يضمن نجاحها في تحقيق الهدف المعلن لها وهو معالجة مشكلة إمدادات المياه بمدينة عطبرة، وذلك هدف يتجاوز قدرات الزملاء في منطقة عطبرة وحدهم ليمتد الي جميع مواطني عطبرة، بل يمتد ليشمل جميع السودانيين بمختلف انتماءاتهم السياسية والجهوية والقبلية.
ذلك ما اشار اليه الزملاء في عطبرة وذكروا بوضوح أن لا يوجد لديهم موقف رافض للتنسيق مع القوى السياسية والمجتمعية الأخرى، كما أشاروا أيضاً الي أن الواجب المقدم لديهم في الوقت الحالي هو ايقاف الحرب وتقديم الدعم والاغاثة للمواطنين. وفي تقديري المتواضع، يشكل هذا الموقف اساساً متيناً لنجاح المبادرة، كما ينبغي علي أي مواطن سوداني حادب أن يتساءل عن الدور الذي يمكن أن يلعبه لإنجاح هذه المبادرة، ذلك أن نجاح المبادرة سوف يقود ان انتشار مثل هذا النوع من المبادرات الي مناطق أخري في السودان.
ندلف الان الي تساؤل مهم تم طرحه بواسطة عدد من المتداخلين، وهو لماذا اختار الحزب أن يدشن مبادرته هذه بمدينة عطبرة؟ ولماذا لم يستهدف مناطق أخري أكثر تأثراً بالحرب؟.
علي الرغم من مشروعية السؤال فإنني أود الإشارة الي أن حزبنا وكحال جميع السودانيين قد عاني في المناطق المتأثرة بالحرب من التهجير والنزوح وعدم الاستقرار الأمر الذي أثر سلباً علي فعالية أدائه السياسي في تلك المناطق، إلا أننا لا ينبغي علينا الركون الي هذا التبرير والتوقف عن المحاولة، بل ينبغي علينا جميعاً كقوي سياسية ومجموعات مدنية الانفتاح علي بعضنا البعض والتجمع من أجل قيادة مبادرات مماثلة، خصوصاً في ولايات مثل الخرطوم، والجزيرة وكردفان ودارفور.
وأكرر هنا ولايات دارفور التي لا ينبغي أن تترك لقمة سائغة لمجموعة من الاقزام الطامحين للسلطة والمال علي حساب وحدة وسلامة هذا الشعب ووحدة أراضيه وموارده سواءاً كان ذلك في نيالا أو بورتسودان.
هنا لابد لنا من الاشارة الي الفكرة الخاطئة التي لازمت عملنا الطوعي ولسنوات طويلة وهي أن ظهور القوي السياسية في أي نشاط سوف يؤدي الي استهدافه بواسطة السلطة أو بذر الخلافات فيه.
تلك فكرة خاطئة جدا، فتباين الآراء والمواقف هو طبيعة بشرية ليست حكراً علي القوي السياسية وحدها، وقد شهدنا الكثير من الخلافات داخل المجموعات التي تصدت لتقديم المساعدات الإنسانية ودرء آثار الحرب ولم تكن هذه الخلافات ذات طبيعة سياسية.
كما شهدنا أيضاً كيف قامت السلطات بالانفراد بهذه المجموعات والانقضاض عليها في عدد من ولايات السودان كان أخرها قرار والي ولاية الخرطوم وقف العمل في التكايا والمطابخ ما لم تقم بالتسجيل في مفوضية العون الإنساني.
وبالتالي علينا إدراك حقيقة أن مشكلة المبادرات الشعبية مع اي سلطة تأتي بقوة السلاح ولا تحظي بقبول شعبي ليست في ارتباطها بالأحزاب السياسية، بل في قدرة هذه المبادرات علي كسب التأييد الشعبي وقدرتها علي التأثير في أتخاذ القرار علي المستويين المحلي والوطني.
وبالتالي كلما زادت شعبية ونفوذ هذه المبادرات كلما اصبحت أكثر ازعاجاً للسلطة. إلا أنه وفي نفس الوقت، نجد ان قوة واتساع الالتفاف الشعبي حول هذه المبادرات هو في نفس الوقت الترياق أمام قدرة السلطات علي وأدها أو تدجينها.
نأتي الان الي فكرة مهمة وردت من ضمن المداخلات مفادها أن هذا النوع من المبادرات غالباً ما تقوم السلطات بالسماح لها بالعمل حتي يكتمل المشروع ومن ثم تقوم بالاستيلاء عليه وتشغيله وفق رؤيتها وأولوياتها التي غالباً ما تتعارض مع رؤية وأولويات المواطن.
تلك حقيقة، وهي ممارسة لا يمكن القضاء عليها إلا بتغيير تركيبة وطبيعة السلطة نفسها، وهذا أمر لا يتحقق الا عبر ثورة. إذن ما العمل؟ هل نتوقف عن المبادرة؟
إن هذه المبادرات في حقيقة الامر تضع المواطن في خانة الفعل وتملكه أدوات التنظيم اللازمة للتصدي لمشكلاته الحياتية بصورة جماعية بما يطرح مسألة السلطة أمام ناظريه بصورة عملية مباشرة وبذلك يكون قد وضع أقدامه في طريق الثورة. فهذه المبادرات وإن ظل احتمال اختطافها بواسطة السلطة قائماً إلا أنها هي نفسها مقدمات الثورة وأبرز معالم طريقها. في الختام أود التأكيد علي أنه وعلي الرغم من أهمية كل الأفكار التي طرحت إلا أنه من الضروري جدا أن تذهب جميعها في اتجاه الخطوات العملية اللازمة لإنجاح هذه المبادرة وتوسعه قاعدتها وتعميم الفكرة لتشمل مناطق وولايات اخري في أرض السودان. هذا هو الهدف النهائي الذي ينبغي أن نسعي اليه جميعاً بغض النظر عن مواقفنا واختلافاتنا.
المصدر: صحيفة الراكوبة