حول رؤية تحالف صمود السياسِية

نضال عبد الوهاب

إطلعّت علي الرؤية السياسِية التي أعلنها تحالف صمود ونشرها للرأي العام وطالب في خاتمتها كُل الشعب السُوداني وقواه الفاعلة بالتفاعل معها وإبداء رأيهم فيها وماحوته وإثرائها…

ساكتب لهم رائي وملاحظاتي حولها وأتمني أن يطلعوا عليه جميعاً ، وهذا الرأي  والمُلاحظات هي لجميع الشعب السُوداني و كل قواه السياسِية والمدنية والديمُقراطية والحيّة والفاعلة ولكل المهتميّن بالداخل والخارج.

السادة في تحالف صمود:

تحية وإحترام.

إطلّعت كغيري علي رؤيتكم السياسِية والمنشورة منكم لكل القوي المدنية والسياسِية والثورية والفاعلة والديمُقراطية ولكل الشعب السُوداني  ، وهي رؤية “طويلة” نسبياً حوت الكثير من التفاصيل من المقدمة من حيث التعريف بكم والأهداف التي تريدون تحقيقها وتعملون عليها ، و تحدثتوا عن الكارثة الإنسانية ، ثم إنتقلتوا  للمبادئ لوقف كافة الحروب في السُودان وإنهائها  وتأسيس جديد للدولة في السُودان والذي حوي العديد من البنود ثم تحدثتم عن العملية السلمية لإنهاء الحروب وتحقيق السلام المُستدام ومساراتها ، ثم إنتقلتم لأطراف العملية السِلمية ذاتها ، ثم تحدثتوا عن الفترة الإنتقالية التأسيسة ومهامها وسُلطاتها ومستوياتها ومدتها ومرحلة الحكومة الإنتقالية المنتخبة ومهامها وسُلطاتها وكتابة الدستور الدائم ، وتطرقتم أخيراً للوسائل والآليات وذكرتوا الحوار والتواصل مع القوي الاخري وتكوين الجبهة المدنية وتركتم خيارات إما بالاندماج معكم في تحالف صمود و إما التنسيق وإما تكوين تحالف آخر أكبر.

حقيقةً الرؤية السياسِية هذه وبطولها وتفصيلاتها الكثيرة قد لا يكون من المُفيد المرور عليها جميعاً، خاصة أن جزءاً منها كان ولايزال هو ما كان متوافقاً عليه منذ أيام الثورة والمرحلة التي سبقت انقلاب ٢٥ أكتوبر ٢٠٢١، و مرحلة الحرب الحالية مابعد ١٥ أبريل ٢٠٢٣، ولكن إجمالاً وقعت الرؤية ومن “كتبوها” وصاغوها بهذه الكيفية في العديد من المُتناقضات في تقديري والتعقيّدات والتي لاتنسجم حقيقةً مع الواقع الحالي الداخلي والخارجي ولاتُفضي لحلول واقعية وحقيقة لوقف الحرب ولا للوصول لصيغة ورؤية مشتركة وخطاب موحد ينجح في وقف الحرب وفي المُحافظة علي بلادنا نفسها وينسف سيناريوهات تقسيّمها أو إعادة إحتلالها ، ولا تساهم هذه الرؤية بتلك الطريقة في توحيد الجهود المبذولة لوقف مُعاناة السُودانيّن ولاحتي في وقف خطاب الكراهيّة وأنهاء الحالة الإستقطابية والتناحرية والتشظي الموجود واقعاً علي كافة المستويات الشعبية والمُجتمعية وعلي مستوي القوي السياسِية والمدنية والثورية والفاعلة في بلادنا اليوم.

وبدون أدنى “تجني” وفي تقديري أن من فكروا وكتبوا أو ناقشوا هذه الرؤية ليخرجوها علي هذه الكيفية هم “بعيدون” كُل البعد عن الواقع الحالي لبلادنا وبدلاً أن تكون الرؤية سبيلاً ودافعاً للحل وتوحيد الخطاب السياسِي وآلياته ذهبت في ذات الإتجاهات السابقة التي لطالما تحدثنا عنها وناقشناها مع قيادات صمود أنفسهم وفاعلين وسطهم وداعميّن لهم، وظلت ذات هذه الإتجاهات والطريقة والأدوات وطريقة التفكير المُتبعة تمثل “عائق” حقيقي للتوصل لحلول توقف و تنهي الحرب وهذه الحالة الأستقطابية التناحرية والتشظي، وتذهب بإتجاه حلول عملية و واقعية تنظر للحالة الكُلية التي تعيشها بلادنا والشعب السُوداني وتُسهم في وقف هذه الإبادة والنزيف والدمار وتمضي للمُستقبل ولاتتمترس في الماضي بأخطائه وعلله الكثيرة ، وتنقلنا من الحالة الإستقطابية التناحرية الإقصائية والتمنيّات والصرّاع حول السُلطة ومُمارسة عقليتها في رسم الحلول إلي الحالة الوطنية الواقعية التي تجمّع ولاتُفرق وتذهب للأهداف الأكبر بأولوياتها وتفتح حوار حقيقي بين السودانين المختلفين وصولاً لهذه المُشتركات بدلاً عن وضع عراقيل ومتاريس وإستخدام لغة لاتساعد إلا في زيادة الحالة الإستقطابية التناحرية الإقصائية هذه ولاتتفق مع الواقع والمشهد المُعقد و المتأزم داخلياً وخارجياً وتطوراته الخطيرة.

ذهبت الوثيقة في تناقضات رئيسية، ساجمل هذه التناقضات في الآتي:

١/ تحدثت عن وقف الحرب وآلية التواصل والتنسيق وفي ذات الوقت مارست لغة إقصائية في أطراف العملية التي تفضي للسلام ، حيث فرقت بينها بناء علي واقع سابق في المرحلة الإنتقالية التي أعقبت الثورة ثم مرحلة إنقلاب ٢٥ أكتوبر والإتفاق الإطارئ وماصاحبهما ثم مرحلة الحرب الحالية والتحالفات والإستقطابات حولها.

٢/ تحدثت عن الحديث مع أطراف الحرب وتغافلت عن وجود قوي سياسِية مُحددة وضمن من يقررون في الحرب وأستمرارها في طرفيها هم من ذات القوي التي يرفض تحالف صمود الحوار معهم أو أن يكونوا جزءاً من تفاهمات السلام وأعني بهم الحركة الإسلامية سواء من المؤتمر الوطني أو مجموعاتهم من الإسلاميين الذين يدفعون في إتجاه الحرب وإستمرارها أو يتخذون قرارها.

٣/ مارست الرؤية ذات اللغة “أيام” الإتفاق الإطارئ في التعامل مع بعض القوي التي كانت جزءاً من إتفاقية السلام وأيدت القوي العسكرية بطرفيها في الجيش والقوات المُسلحة وطالبت بإقصائهم ، والمُدهش والتناقض “العجيب” هنا ويوضح مدي تركُز عقلية “السُلطة” والصراع عليها ، أن رئيس تحالف صمود نفسه الحالي الدكتور عبدالله حمدوك هو نفسه الذي قبِل أن يكون رئيساً للوزراء ويعود مع ذات القوي العسكرية وهم أطراف الحرب الحالية في الجيش ومليشيا الدعم السريع بعد الإنقلاب؟؟؟ ، وفي ذات الوقت لايزالون ينظرون للقوي التي أيدت الأنقلاب أو تصالحت وتحالفت مع المكونات العسكرية وقتها بذات النظرة لم تتغير ؟؟ ، بمعني أن الواقع الحالي الذي سمح لحمدوك بأن يتم التعامل معه كرئيس لصمود نفسها وبالتالي جزء من الحوار وعمليات السلام والعملية السياسية فلماذا لايجعل من تلك الأطراف شريكاً في الحوار وعمليات السلام علماً أنها هي نفسها قد تغير واقعها وإتجاهاتها ، منهم دخل في تحالف مع مكونات تقدم وصمود نفسها ومنهم من تحالف مع المليشيا أو الجيش؟؟؟

٤/ التناقض الأهم في تقديري هو الخلط مابين واقع كُل مرحلة والمرحلة الحالية، بمعنى عدم الفهم الصحيح لطبيعة مرحلة الثورة ثم مرحلة الانتقال ومرحلتي إنقلاب ٢٥ أكتوبر وتداعياتها ومابعدها في مرحلة الإتفاق الإطارئ ثم المرحلة الأصعب في الواقع الحالي لمرحلة الحرب وإفرازاتها السياسِية والإجتماعية ما بعد ١٥ أبريل ٢٠٢٣، فالذي يقرأ رؤية صمود هذه يُخيّل له أننا في ذات مرحلة ٢٠١٩ أو ٢٥ أكتوبر ٢٠٢١ أو ٥ ديسمبر ٢٠٢٢ “الإتفاق الإطارئ”، ولسنا في واقع قد تغير تماماً ، وبالتالي يتم التعامل معه وفق مصلحة الشعب السُوداني الحالية ومصلحة البلاد العليا في الوحدة والأستقرار وعدم التشظي والتقسيّم والمحافظة علي وجودها ووقف الإبادة والمعاناة والكارثة الإنسانية.

هنالك أيضاً تناقضات ثانوية جاءت بها الوثيقة أو الرؤية السياسِية لتحالف صمود ، فاي دعوة لتوحيد القوي المدنية الرافضة للحرب لاتتفق حول آليات وقفها لن يكتب لها النجاح ، والملاحظ ذهاب رؤية صمود في ذات الإتجاه الخارجي للحل والإعتماد عليه بدلاً عن التركيز علي الإتجاه الداخلي للحلول ، ووضح هذا في مخاطبته في عديد المرات بالعمل المشترك مع الشركاء والأصدقاء الإقليمين والدوليين حتي دون “تسميتهم” ، وجاء في وسائلهم وادواتهم لتحقيق أهداف حماية المدنيين ووقف الكارثة الإنسانية التعامل معهم بكل الوسائل المشروعة في هذا ودون توضيح عن ماهي هذه “الوسائل” وهل من بينها التدخل الدولي والأممي العسكري كما كان في رؤية ذات المُتحالفين في “تقدم” قبل فك الإرتباط مع من ذهبوا في إتجاه المليشيا في تحالف “تأسيس” أو الإتجاه المدعوم بشكل أكثر وضوحاً من “الإمارات”  وحلفاؤهم في المجتمع الدولي؟؟؟ ، ومكتوب  في رؤية صمود الحالية هذه ذات المطالبة السابقة بتمديد حظر السلاح ليشمل كل السودان وليس دارفور فقط ، وذلك في رؤيتهم لحماية المدنيين ، أي ان صمود نفسها مع التدخل الأممي العسكري داخل السودان ، فهل هذا يتوافق مع آليات القوي الأخري التي يريدون إما الأندماج أو التنسيق معها ؟؟؟ وهل يعتبر تحالف تأسيس أو أجزاء منه ضمن هذه القوي حيث أنهم كانوا لايمانعون في التدخل الأممي العسكري هذا لحماية المدنيين ووقف الكارثة الإنسانية؟؟؟

وهنا يبرز تساؤل اليس هنالك سلاح متدفق “حالياً” بدارفور بعلم القوي الدولية والأممية التي تحظر السلاح حتي الآن من المفترض بدارفور؟؟؟

كل هذه اسئلة هي للأخوة في تحالف صمود للإجابة عليها لتوضيح كيف يمكن لنا جميعاً وكقوي مدنية  وسياسية وثورية وفاعلين أن نكون معاً في جبهة توقف الحرب أو ننسق علي ماذا لهذا الهدف والوسائل والأدوات مُختلفة والخطاب لوقف الحرب غير موحد وغير مُنسجم ؟؟؟

أختم بأن المصلحة العليا للبلاد والشعب السُوداني والواقع الحالي يتطلب نظرة مُغايرة ورؤية مختلفة لتلك التي توصل لها الأخوة في تحالف صمود في رائي ، وأن رؤيتهم ونظرتهم للحلول بهذه الطريقة لن تُسهم إلا في مزيد من التعقيدات و إستمرار الحالة الإستقطابية التناحرية والنهج الإقصائي المُتعمّد المّمنهج ، وأنها تعطي أولوية للصراع حول السُلطة وليس الحوار الجدّي المُثمر الموصل والمؤدي لمشتركات وحلول “عملية” توقف إبادة الشعب السُوداني ومُعاناته وخطر تقسيّم البلاد أو إعادة إحتلالها.

إنني أدعوا للعمل علي أولويات مصلحة بلادنا العُليا ، وللحلول الداخلية والتركيز عليها مع الحلول الدبلوماسية الخارجية التي تتفق مع مصالح شعبنا و بلادنا وأولوياتها وسيادتها ، وأدعوا للحل السياسِي السلمي الشامل والحوار الوطني السياسِي غير الإقصائي الذي فيه الإعتراف والقبول بالآخرين لصالح البلد والعمل الجماعي للخروج من هذه الأزمة وحالة التناحر والتشظئ وعدم الإعتراف بالآخرين كشركاء في الوطن وأمره ، و التعامل مع جميع أطراف الحرب بشكل واقعي والحوار معهم للوصول لمشتركات وطنية توقف الحرب بمن فيهم أصحاب قرارها من الإسلاميين وحتي المؤتمر الوطني ، وأنتم هنا في صمود قد تتخيلوا أنكم تكافئوهم وهذا ليس صحيحاً فانتم فقط مع مصلحة البلاد والشعب ولاتتحاوروا معهم علي قسمة سُلطة أو إفلات لمجرمين من العدالة الحقيقية ، وللوصول لمشتركات توقف الحرب وتصنع مستقبل خالي من العُنف وتنبذه وفق مبدئية المُشاركة في الوطن والتداول السلمي للسُلطة ، فإذا كنتم تعتقدوا أنه بهذا تكافئوا  الإسلاميين والمؤتمر الوطني وواجهاتهم إذا أصبحوا جزاءاً من هذا الفهم والعملية السلمية فأنتم في ذات الوقت إن لم تفعلوا تعاقبوا الوطن والشعب بإستمرار الحرب والإبادة والموت والفظائع والإنتهاكات والتدمير وخطر الإنقسام وإعادة الإحتلال والفناء من الوجود!.

وأتمني أن تجد مُلاحظاتي ورائي هذا القراءاة وبصدر رحب وعقل مفتوح للوصول لرؤية مشتركة لنا جميعاً وتنسيق وعمل جماعي مُثمر وحقيقي لصالح مصلحة بلادنا والشعب السوداني ،،، ولكم جميعاً الشكر والتحايا والتقدير…

مقدمها/ نضال عبد الوهاب

فاعل سياسِي وعامل من داخل القوى المدنية الديمُقراطية لوقف الحرب ووحدة القوى المدنية والسياسِية لهذا الهدف.

18 يونيو 2025

المصدر: صحيفة التغيير

شاركها.