حول الجهود الدولية المبذولة في قضية التغير المناخي
حول الجهود الدولية المبذولة في قضية التغير المناخي
شهاب الدين عبد الرازق عبد الله
تعرف الأمم المتحدة تغير المناخ بأنه التحولات طويلة الأجل في درجات الحرارة وأنماط الطقس. ومنذ الثورة الصناعية تفاقمت ظاهرة الإحتباس الحراري الناتج من النشاط البشري، حيث يعيق تراكم غازات الإحتباس الحراري في الغلاف الجوي الإنعكاس الحراري من سطح الأرض إلى الفضاء الخارجي، وبذلك تظل الحرارة حبيسة الغلاف الجوي للأرض، مما يرفع درجة حرارة الكوكب.
ومع تزايد تركيز غازات الإحتباس الحراري في الجو، وأهمها غاز ثاني أكسيد الكربون الناتج عن إحتراق الوقود الأحفوري (البترول والفحم الحجري والغاز الطبيعي ) تتزايد العلامات والكوارث المرتبطة بالتغير المناخي، وتبدو أبرز علامات التغير المناخي في إرتفاع درجات الحرارة في كل أنحاء العالم، وقد زادت درجة حرارة الأرض، وأصبحت أكثر دفئا بنسبة 1.1 درجة مئوية مما كانت عليه في القرن التاسع عشر، وتشمل عواقب وكوارث تغير المناخ الجفاف والحرائق والفيضانات وتقلص مساحة اليابسة والعواصف وتدهور التنوع البيولوجي والإنتاج الغذائي.
وقد كانت أبرز الخطوات القانونية للأمم المتحدة بشأن قضية تغير المناخ هو إنجاز إتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ الموقعة في العام 1992 فيما يعرف بقمة الأرض والتي عقدت في مدينة ريو دي جانيرو بالبرازيل، وصادقت عليها حتى الآن 196 دولة إضافة للاتحاد الأوروبي، وتهدف الي منع التدخل البشري الخطير علي النظام المناخي، وأنبثق من هذه الاتفاقية مؤتمر الأطراف وهو هيئة إتخاذ القرار، ويُعقد مؤتمر الأطراف الذي يضمُّ جميع الدول الأطراف في الاتفاقية كلَّ عام بهدف تقييم تطبيق الإتفاقية، والتفاوض علي إلتزامات جديدة تدعم تنفيذ أهداف الإتفاقية الإطارية.
أعقب ذلك توقيع بروتوكول كيوتو للمناخ الموقع في العام 1997 والمصادق عليه من 195 دولة، وبروتوكول كيوتو في اليابان أول خطوه تنفيذية لانزال إتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ علي أرض الواقع بهدف خفض إنبعاثات غازات الإحتباس الحراري خاصة ثاني أكسيد الكربون، إلا أن بروتوكول كيوتو لم يحقق أهدافه لعدم توقيع الولايات المتحدة الأمريكية عليه، وانسحاب بعض الدول الاخري منه مثل روسيا وكندا واليابان وغيرها، وتمت الاستعاضة عن بروتوكول كيوتو الذي إنتهي أجله في 2020 بإتفاقية باريس للمناخ الموقعه في أبريل من العام 2016 والموقع عليها حتي الأن من قبل 194 دولة بالاضافة إلى الاتحاد الأوروبي وتهدف الي تعزيز إستجابة العالم لخطر تغير المناخ من خلال تحقيق ثلاثة أهداف رئيسية هي الحد من ارتفاع درجة الحرارة الي 1.5 درجه مئوية، ومراجعة التزامات الدول بشأن خفض الإنبعاثات كل خمس سنوات، وأخيرا توفير التمويل المتعلق بالمناخ للدول النامية.
وقد طالب تقرير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ الصادر في أكتوبر من العام 2018 العالم بضرورة الحد من الإحترار العالمي إلى 1.5 درجة مئوية وأن ذلك بحسب نص التقرير “يتطلب تحولات سريعة وبعيدة المدى في الأرض والطاقة والصناعة والمباني والنقل والمدن”، وأنه يجب أن تنخفض الانبعاثات العالمية الصافية الناتجة عن إنبعاثات ثاني أكسيد الكربون بنحو 45% عن مستويات عام 2010 بحلول عام 2030، لتصل إلى “صافي الصفر” في حوالي عام 2050، وهذا يعني إزالة أي إنبعاثات متراكمة ومعلقه لثاني أكسيد الكربون في الهواء.
وقد أشارت إحصائيات الأمم المتحدة الي أن التحول للإقتصاد المراعي للبيئة يمكن أن يؤدي الي مكاسب إقتصادية تقدر بـ26 تريليون دولار حتي عام 2030 مقارنة بالاقتصاد المعتاد، كما يمكن أن تنتج 24 مليون وظيفة مقارنة بفقدان 6 ملايين وظيفة نتيجة للتحول الي الطاقة المتجددة والمباني الموفرة للطاقه وتصنيع المركبات الكهربائية.
وقد أسفرت الدورة السادسة والعشرين لمؤتمر الأطراف، التي عقدت في نوفمبر من العام 2021 في مدينة غلاسكو باسكتلندا، علي الإتفاق على قواعد تطبيق إتفاق باريس للمناخ أو ما يعرف بلائحة قواعد باريس، والتفاصيل التشغيلية للاتفاق.
وأكدت كل الدول المشاركة علي ضرورة الالتزام بخفض درجات الحرارة العالميه الي اقل من درجتين مئويتين والسعي للحد منها إلى 1.5. كما تعهدت الدول المشاركة في الالتزام بخفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بنسبة 45% للوصول إلى صافي صفري في 2050م، كما أتفقت الدول المشاركة علي أهمية التخلص التدريجي من الاعتماد على الوقود الأحفوري المسبب للإحتباس الحراري، وإن شكك ناشطون في مجال البيئة علي صدق وجدية إلتزام هذه الدول في الايفاء هذا الالتزام.
كما توافقت الدول المشاركة على ضرورة الحوار لمناقشة الترتيبات الخاصة بتمويل الأنشطة المكافحة لتقليل الأضرار السالبة لتغير المناخ. وقد كان موضوع التمويل أحد نقاط الخلاف الرئيسية في مؤتمر غلاسكو، حيث تراجعت دول الشمال عن تعهدات إتفاق باريس للمناخ الذي ينص على دعم مالي يقدر بـ100 مليار دولار سنويا لدول الجنوب بداية من عام 2020 في إطار دعم دول الجنوب للتحول لمصادر الطاقة النظيفة ومعالجة أضرار التغير المناخي، وقد دعا المؤتمر الدول الغنية لمضاعفة تمويلها المالي للتعامل مع تغير المناخ بحلول عام 2025م.
وقد أثمر المؤتمر عن تعهدات واتفاقات بين عدد من الدول فيما يخص الحفاظ علي الغابات والغطاء النباتي وقد التزمت 137 دولة بذلك، كما التزمت مؤسسات مالية بالقضاء علي كل الاستثمارات المرتبطة بإزالة الغابات، كما التزمت 103 دولة بالحد من إنبعاثات غاز الميثان أحد الغازات المتسببة في الإحتباس الحراري، وتخفيضه بنسبة 30% بحلول عام 2030 مقارنة بمستويات عام 2020، كما تم الالتزام بين أكثر من 30 دولة وست شركات تصنيع سيارات علي أن تكون جميع مبيعات السيارات خالية من الانبعاثات علي مستوي العالم بحلول عام 2040. كما أنشئ تحالف في غلاسكو بين مؤسسات القطاع الخاص والبنوك المركزية بأصول مالية تقدر 130 تريليون دولار بهدف تحقيق صافي إنبعاثات صفرية علي مستوي العالم استثمارا في المعرفة والعلم والتقنيات للوصول لتحقيق هذا الهدف.
كما تم عقد شراكة بين دولة جنوب أفريقيا وعدد من الدول المتقدمة للانتقال بجنوب أفريقيا من الإعتماد علي الفحم الي مصادر طاقة بديلة منخفضة الكربون وقد رصدت لذلك ميزانية تقدر بثمانية ونصف مليار دولار.
وبرغم ماتحقق من تعهدات في مؤتمر غلاسكو للمناخ في قمة الأطراف ٢٦ ، الإ أن رئيس قمة الأمم المتحدة للتغير المناخي كوب 26 السيد (ألوك شارما) وصف ما تحقق في غلاسكو بأنه: “انتصار هش”.
وفي مؤتمر المناخ كوب 27 المنعقد في شرم الشيخ بجمهورية مصر العربية في نوفمبر 2022 تم إقرار صندوق الخسائر والاضرار لمساعدة البلدان الفقيرة على معالجة آثار التغيرات المناخية كما تم اضافة مصطلح الحلول المستندة للطبيعة كتعزيز الغابات وحمايتها حيث تعهد الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا بالتوقف عن إزالة غابات الأمازون بحلول عام 2030 كما تم مناقشة ازمات التنوع البيولوجي وعلاقتها بأزمات التغير المناخي، وزادت عدد من الدول والمنظمات تعهداتها المالية لمواجهة مخاطر التغير المناخي. لكن يبقى المحك الحقيقي هو مدي التزام هذه الدول والمنظمات بما وعدت به، والوفاء بهذه الإلتزامات المالية التي يمكن أن تساهم في تخفيف آثار التغيرات المناخية. أيضاً تم مناقشة ضرورة التخفيف من الانبعاثات الكربونية وضرورة ان تتحول الشركات والدول الي مصادر الطاقه المتجددة.
وفي مؤتمر المناخ كوب 28 الذي أنعقد في نوفمبر من العام الماضي في مدينة دبي بدولة الإمارات العربية المتحدة، وعلى مدار اسبوعين، وبحضور أكثر من 80 الف شخص، حيث تم إنشاء صندوق “ألتيرا” للتمويل المناخي من قبل دولة الإمارات برأس مال قدره 30 مليار دولار، وصندوق ألتيرا صندوق إستثماري خاص صمم لسد فجوة التمويل المناخي وتيسير الحصول عليه بتكلفة معقولة، ويهدف إلى جمع واستثمار 250 مليار دولار بحلول عام 2030. بالاضافة إلى ذلك تعهد مؤتمر كوب 28 بأكثر من 85 مليار دولار كالتزامات مالية تجاه قضايا المناخ. كما تم تفعيل صندوق الخسائر والاضرار الذي تم إقراره في قمة شرم الشيخ للمناخ (كوب 27) بتعهدات مالية لا تقل عن 792 مليون دولار مساعدة للبلدان الفقيرة للتعامل مع الآثار الكارثية لتغير المناخ.
كما تم التوصل إلى اتفاق يقضي بضرورة الانتقال من استخدام الوقود الأحفوري في أنظمة الطاقة، بطريقة متدرجة وفعالة وعادلة، لتحقيق هدف صافي انبعاثات صفري بحلول عام 2050.
كما انتقد مؤتمر المناخ كوب 28 الدول الغنية لعدم التزامها بتعهداتها المالية السابقة والتي قطعتها على نفسها منذ سنوات خلت وتقدر بـ100 مليار دولار سنويا. حيث تقدر حاجة دول الجنوب لمبلغ 2.4 تريليون دولار سنويا للتعامل مع تحديات تغير المناخ.
ما سبق محاولة لعرض أبرز المحطات والجهود الدولية المبذولة في قضية التغير المناخي التي تمثل أكبر تحد يواجه كوكبنا ويهدد إستمرار الحياة فيه ، وقضية التغير المناخي قضية ذات طبيعة عالمية، وتحتاج الي أكبر تعاون وتضامن دولي ممكن، وهي إمتحان صعب يواجه المنظومة الدولية من أجل تلافي الآثار الكارثية لتغير المناخ علي حاضر ومستقبل الحياة والناس في كوكب الأرض، والمقال دعوة لكل الناشطين ولصناع الرأي للاهتمام والتنوير بقضية التغير المناخي وقضايا البيئة على وجه العموم، ووضعها في صدارة إهتمامات الرأي العام المحلي والعالمي، خاصة مع إرتفاع أصوات التيارات التي تدعو للنمو الإقتصادي الذي لايراعي ضمان سلامة البيئة والمحافظة علي صحة وحياة كوكب الأرض.
المصدر: صحيفة التغيير