حملات الدفتردار السوداني الإنتقامية بقيادة سلاح الطيران
صلاح جلال
(١)
أرسل محمد على باشا الحاكم التركى على مصر جيشه للسيطرة على السودان وكان على رأسه إبنيه إسماعيل وإبراهيم باشا فقد كان هدف الحملة المعلن المال والرجال ، وصلت القوات أرض الشايقية فواجههم ملكها شاويش وتمت هزيمته وتوجهت القوات إلى المتمة وشندى وتمت هزيمة المك نمر ، فاصطحب إسماعيل باشا معه مك الجعليين المهزوم إلى سنار فأخضعها فبدأ التخطيط للتوغل جنوباً إلى فاظوغلى وغرباً نحو كردفان حيث كانت معظمها تحت سيطرة ملك الفور فقد أرسل السلطان محمد الفضل خطاباً موسوماً بالبلاغة والشجاعة والتحذير أورد نصه المؤرخ نعوم شقير جاء فيه لا يغرنك إنتصارك علي الجعليين والشايقية نحن الملوك وهم الرعية أما علمت أن كردفان ودارفور محمية بالسيوف والقواطع الهندية وخيل جُرد أدهمية ورجال صابرين علي القتال بكرة وعشية ، إنتهت الحملة بالسيطرة على بارا وبدأ إسماعيل وشقيقه إبراهيم فى جمع الرجال والمال وإرسالهم إلى أسوان فى حملات جائرة أرهقت كاهل السودانيين وزادت من غضبهم وحنقهم على الإستعمار التركى ، فى هذه الأثناء حدث تمرد الدرعية فى الحجاز بقيادة آل سعود على الخلافة العثمانية فأرسل محمد على إبنه إبراهيم إلى الضفة الشرقية للبحر الأحمر الذى كان تحت سيطرة العثمانيين حتى مدينة مصوع لإخماد ذلك التمرد وتخريب الدولة السعودية الأولى وإقتياد ثوار الدرعية مقيدين خلف الخيول إلى الإستانه حيث تم قتلهم وتعليق رؤوسهم على بوابات القصور فى عاصمة الخلافة العثمانية ، لهذا السبب كان ولازال تعاطف آل سعود مع ثوار الدولة المهدية التى أذلت الأتراك وطردتهم من السودان وإنتقمت لمقتلهم الشنيع كما أُعجب الشعب الصينى بالسودانيين لمقتلهم لغردون الذى أذاقهم العذاب فى فترة الإستعمار .
(٢)
بعد عامين من سيطرة الأتراك على مملكة الفونج قرر إسماعيل العودة إلى مصر ليشهد تكريم والده له لنجاح إخضاع السودان وفى طريق عودته إلتقى المك نمر وطلب منه كمية كبيرة من المال والجمال والأبقار والرجال فأحتج المك نمر على المطالب أمام إسماعيل فغضب ورماه بغليونه (كدوس) فأسرها فى نفسه وطلب من الباشا أن يعود فى الغد لإستلام الضريبة المفروضة وفى إحتفال شعبى كبير بأحد قصوره فى شندى دبر محرقة الباشا الشهيرة إنتقاماً لكرامته ورداً على عنجهية إسماعيل باشا وإحتقاره لممكلة الجعليين فقد دون المؤرخ البريطانى مكامايكل تلك الأحداث وذلك الإنتقام النوعى فى كتابه تاريخ العرب فى السودان ، نتيجة لهذه المحرقة المذلة لإبن محمد على باشا (إسماعيل) كلف زوج بنته (نازلى هانم) الدفتردار محمد الذى قام بمجازر واسعة راح ضحيتها عشرات الألوف من الأبرياء من المواطنين حرقت مدن وقرى ونهبت ممتلكات فى سلوك بريرى إنتقامى لايميز بين المجرم والضحية مما أشعل غضب معظم السودانيين ضد الحكم التركى للسودان وتهيئت البلاد لإستقبال الثورة المهدية *هل يصنع غضب القصف الجائر بالبراميل المتفجرة ثورة أخرى*؟؟ .
(٣)
منذ بداية حرب ١٥ أبريل ٢٠٢٣م كان السلاح الوحيد المتفوق للقوات المسلحة ضد الدعم السريع هو سلاح الطيران ، لكن قيادة القوات المسلحة أساءت إستخدام سلاح الطيران لعدم دقة إحداثياته فأصبحت القنابل الغبية تتساقط على رؤوس المدنيين وقتل الألوف منهم وتدمير الممتلكات والبنيات الأساسية للسودان فتبدل حال سلاح الطيران من سلاح للتفوق العسكرى إلى سلاح لتربية الغبائن والجور على المدنيين لايميز بين الجانى والضحية خاصة فى مناطق سيطرة قوات الدعم السريع فى العاصمة والجزيرة وكردفان وجبال النوبة وبابنوسة والمجلد وسنار ونيالا والضعين والفاشر والزرق فأصبح قصف الطيران حملات دفتردار إنتقامية إستهدفت المدنيين الأبرياء وكان آخرها قصف البراميل المتفجرة لمدينة مليط التى لم يسلم فيها الإنسان والحيوان ، لقد زاد حنق المدنيين من القتل العشوائي بالطيران الذى لايميز بين الشيوخ والنساء والأطفال فأصبح الإعتقاد السائد بأن القوات المسلحة أصبحت تستهدف بالطيران كل من تعتقد أنهم حواضن للدعم السريع مما يطعن فى حقوق المواطنة المتساوية ومبادئي العدالة والقانون الإنسانى حكموا الظلم والغدر بين الناس بأفعالهم ساء زمن المسغبة .
(٤)
قصف الطيران العشوائي للمدنيين جريمة حرب مكتملة الأركان تتم بوتيرة متكررة على مدى عام كامل تحت سمع وبصر كل السودانيين وأحزابهم السياسية ومنظماتهم المدنية ورصد ومراقبة المنظمات الدولية الأمم المتحدة والإتحاد الأفريقى والجامعة العربية والإتحاد الاوربى ومفوضية حقوق الإنسان كل هذه الجهات لا زالت فى مرحلة ندين ونشجب وننظر بقلق والمدنيين الأبرياء يدفعون أثمان باهظة من جراء تساقط البراميل المتفجرة على رؤوس أسرهم وأطفالهم وممتلكاتهم، القصف العشوائي على المدنيين جريمة حرب يدينها القانون الإنسانى الدولى ومواثيق المنظمات الإقليمية والدولية ضد المدنيين الأبرياء جريمة تعبر بجلاء على إزدواجية المعايير الدولية وعلى عنصرية مقيته تقوم على الجنس والمناطقية وتزرع عميقاً عدم وحدة الشعور الوطنى وسوف يدفع ثمنها عاجلاً أو آجلاً القيادة الحالية للقوات المسلحة التى يجب عليها وقف هذا القصف العشوائي فوراً قبل أن يجدوا أنفسهم أمام محرقة إسماعيل باشا إنتقاماً لكرامة وكبرياء مجروح للمواطنين إنتهكت حُرمة دمائهم وممتلكاتهم من طرفى الحرب الجائرة حتى. لايأتى أحد البلابسة محتجاً لماذا تدين القصف بالطيران وتتجاوز عن إنتهاك حقوق المدنيين من طرف الدعم اولاً كل الإنتهاكات ضد المدنيين إنتهاكات الدعم الشريع لاتعطى القوات المسلحة حق الإنتهاك المضاد وثالثاً هذه الحرب اللعينة يجب وقفها اليوم قبل الغد وهو أقصر الطرق لوقف الإنتهاكات المروعة فى حق المدنيين .
(٥)
ختامة
نردد مع شاعر الشعب محجوب شريف عليه شآبيب الرحمة والغفران القول
*البزدريك يا شعبنا يا ويله ،، من غضبك عليه ومن مشيك ياويله من أجله الوشيك ،، يوم ينكسر قيد الحديد السونكى والزنزانة والسجن السميك منك قُراااب ياشعبنا كفاح من أجل المواطنة المتساوية فى الحقوق والواجبات.
٢٩ أبريل ٢٠٢٤م
المصدر: صحيفة التغيير