
د. مرتضى الغالي
لا يجد المراقب، حتى ولو كان (في حياد سويسرا) و(براءة طيور النورس)، خطاباً أمعن في التضليل من الخطاب الذي يكرره بمثابرة ظاهرة وإصرار غليظ د. عبدالله علي إبراهيم، ويجد في إعادته لذّة غامرة تخاطب وتراً في دخيلته لم يستطع إخفاءه، رغم كل ما يملك من أدوات التعبير والبلاغة..! فهو دائب على (مكايدة) القوى المدنية، كما أنه دائم المدافعة عن الحركة الإسلاموية بكل تمثيلاتها، ولا يُخفي ولعه الشديد بالترابي (سبب ومصدر كل هذا البلاء)، والحديث عن (أفضاله على السودان)..!
وقد قال مرّة إن الترابي هو المفكّر الوحيد الذي حلّ المعضلة بين الإسلام والعلمانية، بأن جعل تقنين الشريعة يتم عبر تصويت البرلمان..!!
وهو لا شك يعلم أن الترابي هو الرجل الذي انتهت (بركاته) على الوطن بالانقلاب على الديمقراطية والحُكم المدني، وفصل الجنوب، وإعلان الحرب الدينية الجهادية على جزء من الوطن وساكنيه، وتقنين الفساد وتجيير مال الدولة للتنظيم، واستقدام الإرهاب والإرهابيين، واجتراح المذابح، وفتح بيوت الأشباح، ودفن الناس أحياء من أجل السلطة، وتعطيل أجهزة العدالة وتسييس مؤسسات الدولة، وتسميم حياة السودانيين بتشريع القمع والإقصاء، وإجازة القتل خارج ولاية القضاء…!
هذه المرة يختبئ الدكتور في دفاعه عن حركة الكيزان وحزبها خلف ستار (الرباعية)..! وهو يعلم تماماً أن قرار حظر هذه الحركة الكيزانية الآثمة (من المشاركة السياسية خلال الفترة الانتقالية) ليس من تأليف الرباعية، وذلك لسبب بسيط غاية في المنطق؛ وهو أن هذه الثورة في أساسها كانت ثورة على هذه الحركة، وعلى حزبها، وعلى الجرائم التي ارتكبتها على مدى ثلاثين عاماً، وهي جرائم لا تماثلها إلا (جرائم النازية) التي أجمع العالم على تجريمها وحرمانها من التنظيم..!
لقد تم التوافق على تجريم النازية في أعتى الديمقراطيات الغربية، وفي المواطن الأصلية لمذاهب الليبرالية السياسية..! وجرت على ذلك جميع منظمات العالم الأممية والدولية، ودوائره الحقوقية والفكرية، ومراكزه ومعاهده العلمية والأكاديمية، وقد تم الإجماع على حظر النازية بمثلما تم حظر (تنظيمات المافيا)، إلا ساكن الغرب د. عبدالله علي إبراهيم، الرجل الديمقراطي الليبرالي العلماني الذي يناصر النازية الإسلاموية بأكثر مما يفعل دهاقنتها ومجرموها..!
لا يعترف الدكتور بالجرائم التي ارتكبتها الحركة الإسلاموية، ولا يجد لذّته ولا تنفتح شهيته إلا بالسخرية من القوى السياسية المناهضة للكيزان..! وهو في هذا يخرج من سمت العلم ومن (قفطان الأكاديمية)، ليجتزئ بعض أقوال مناهضي الكيزان، ليمرر دفاعه المستميت عن الكيزان، ويهب لنجدتهم كلما تضاعف إجماع الناس على بيان جرائمهم على الوطن، لإطفاء مصابيحه، والتآمر لإجهاض كل هبّة من أجل نهضته، وإعادة مساره على دروب التعافي والحرية والعدالة والسلام..!
ولكن كل هذه الوقائع هي خارج دائرة اهتمام الدكتور؛ فهو في شغل عن ذلك بترصّد كوادر تقدم وصمود والحرية والتغيير (المُجرمة التي أشعلت الحرب وقتلت الناس)، وأكبر مثال لذلك اجتزاءاته المبتورة المُغرضة التي أوردها بالأمس عن خالد عمر وطه عثمان وعثمان فضل الله، دفاعاً عن الكيزان وسخرية من مطلب إيقاف الحرب، ومن (الرباعية) التي يرى أنها ظلمت الكيزان (الأبرياء المباركين)..!
أستاذ دكتور له تلاميذ، يتهم الناس جزافاً بمولاة الدعم السريع، وهي حالة لا تشبه المُعلّمين والمُربّين، ولكن لا يمكن استغرابها عندما تجري على ألسنة حكّامات ومكريّات الكيزان، و(صحافة الإفك والتضليل)، ودعاوى عطالى اللايفات المرتشين..!
ويواصل الدكتور في مقاله هجومه على الرباعية والهدنة على طريقة الكيزان (فهو من أنصار مواصلة الحرب)، ويذكر الحكاية القديمة عن شملة كنيزة (التلاتية وقدّها رباعي)، وهو يقصد أن الرباعية جارت على الكيزان الذين لا يستحقون الإقصاء.. وهو يعلم أن البرهان الكذّاب نفسه قال باستبعاد حزب الكيزان، وقد سبق أن قال الدكتور عن البرهان إنه (صاحب الملكية الوطنية الأوحد لحل الأزمة السودانية)..!
ويبدو أن كل ذلك هو أقل أقوال الدكتور افتئاتاً على الحقيقة والمنطق؛ فقد قال بلسان مبين إن كل ما يجري في السودان من موت وتهجير للآلاف والملايين، هو مجرد (أضرار جانبية لا يمكن تلافيها)، وأن ما لاقاه السودانيون من ويلات القتل والتشريد والخراب هم مشاركون فيه، بل قوله في (مغالطة لا تليق) إن قوانين الحرب الدولية تجيز قتل المدنيين (بقدر متناسب)…!
لا حول ولا قوة إلا بالله.. الله لا كسّب الكيزان ودُعاة الحرب.. لقد دمّروا الوطن، وقطعوا الطريق على حياة ومستقبل أطفالنا وأولادنا وبناتنا وأجيالنا القادمة… الله لا كسّبكم دنيا وأخرى..!
المصدر: صحيفة التغيير
