حسب الرسول العوض إبراهيم*
تنعقد الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الثمانين وسط زخم من القضايا الكبرى التي تشغل العالم من حرب غزة إلى الحرب الروسية الأوكرانية، مرورا بالحرب في السودان، إضافة إلى ملفات المناخ والتنمية وحقوق الإنسان. وفيما ينظر المجتمع الدولي والإقليم إلى حرب السودان كإحدى الأزمات المعقدة التي تستوجب البحث عن حلول واقعية وعاجلة، ينشغل معسكر الحرب داخل السودان بالبحث عن شرعية لحكومة كامل إدريس في مشهد يثير كثيرا من المفارقات.
فالمقولة السودانية الشهيرة “الناس في شنو والحسانية في شنو؟” يصف بدقة هذا الوضع، مع كامل الاحترام والتقدير لأهلنا الحسانية أصحاب الشهامة والتاريخ الضارب في جذور السودان. فالعالم منشغل بمحاولة إطفاء نيران الحروب وإيجاد حلول سياسية للأزمات، بينما يسعى البعض لإضفاء شرعية على حكومة لا تملك من أمرها شيئا، تم تنصيبها عبر سلطة انقلابية، وتستند في دعمها إلى جماعة مصنفة إرهابية في العديد من دول العالم.
الشرعية لا تُمنح بالشعارات أو عبر محاولات التسويق السياسي. فالمجتمع الدولي ليس بالسذاجة التي يتصورها هؤلاء، وهو يدرك أن الأمم المتحدة لا تمنع ممثلي سلطة الأمر الواقع من تمثيل دولهم، لكنها في الوقت نفسه لا تعترف بالضرورة بشرعية تلك الحكومات. ولذلك فإن بعض الأصوات التي اعتبرت مشاركة كامل إدريس في اجتماعات الأمم المتحدة اعترافاً بحكومته، إنما تنطلق من جهل بالقوانين والأعراف الدولية.
وتذهب بعض التقديرات إلى أن سماح البرهان لكامل إدريس بقيادة وفد السودان في اجتماعات الجمعية العامة لم يكن اعترافا به بقدر ما كان خطوة محسوبة لإحراقه سياسياً وقطع الطريق أمام الإسلاميين، في إطار مسعاه للتخلص من عبئهم، تنفيذًا لوعود قطعها أمام بعض أطراف الرباعية. وقد يتضح ذلك بعد عودته من نيويورك خالي الوفاض، دون أن يحقق أي مكسب سياسي أو اعتراف دولي يمكن البناء عليه.
وحتى إن تمكن كامل إدريس من تمثيل وفد السودان في الأمم المتحدة، فإن ذلك لا يضيف له أي صلاحيات داخل السودان، فكيف للعالم الخارجي أن يمنحه صلاحية وشرعية افتقدها في الداخل؟ الشرعية الحقيقية تُستمد من الداخل، ومن الإرادة الشعبية، لا من مقاعد المؤتمرات الدولية.
الأدهى من ذلك أن كامل إدريس نفسه أثبت محدودية أهليته لتمثيل السودان في المحافل الدولية. وما حدث خلال زيارته الأخيرة للسعودية يعد فضيحة دبلوماسية كبرى، إذ لم يُستقبل بصفته رئيس وزراء دولة، ولم يحظ بلقاء ولي العهد، واكتفت المملكة بزيارة بروتوكولية من وزير الخارجية لمقر إقامته في خطوة واضحة لرفع الحرج ليس إلا. وبعدها وجهت السعودية الدعوة مباشرة إلى الفريق عبد الفتاح البرهان لمناقشة التطورات الخاصة بالسودان باعتباره الطرف الذي يملك القرار الفعلي على الأرض.
من هنا يتضح أن الحديث عن “شرعية” لحكومة كامل إدريس ليس سوى وهم سياسي، فلا الداخل موحد خلفها ولا الخارج معني بالاعتراف بها ولا حتى التجارب الدبلوماسية البسيطة تسعفها لإقناع العالم بأنها حكومة جديرة بالاعتراف أو التعامل. الشرعية تُكتسب من الإرادة الشعبية والقدرة على فرض الاستقرار لا من البيانات الورقية ولا من محاولات التجميل الإعلامي.
*كاتب ومحلل سياسي
[email protected]
المصدر: صحيفة التغيير