I. ملخص تنفيذي
يقدم هذا التقرير تحليلاً معمقاً لإعلان “تحالف السودان التأسيسي” (تأسيس)، الذي تقوده قوات الدعم السريع وحلفاؤها، عن تشكيل حكومة موازية، وما تبعه من ردود فعل واسعة على منصات التواصل الاجتماعي. يمثل هذا الإعلان تصعيداً محورياً في الحرب الأهلية السودانية، حيث يشكل محاولة رسمية لترجمة السيطرة العسكرية على الأرض إلى شرعية سياسية. يكشف التقرير عن استقطاب حاد في الفضاء الرقمي، والذي يعمل كساحة حرب بالوكالة تعكس الانقسامات العميقة في الصراع الفعلي. تتمحور السرديات المتصارعة حول رؤيتين متناقضتين: رؤية المؤيدين التي تروج لـ”تأسيس سودان جديد”، ورؤية المعارضين التي تحذر من “تقسيم الأمة تحت حكم الميليشيات”. كما يسلط التقرير الضوء على التصدع الحاسم الذي أصاب المشهد السياسي المدني نتيجة لهذه الخطوة. ويخلص التحليل إلى أن هذا التطور، وردود الفعل الشعبية عليه، يدفعان الصراع نحو مرحلة أكثر تجذراً وتعقيداً، مما يعرقل جهود السلام ويثير شبح التقسيم الرسمي للدولة.
II. إعلان سلطة موازية: من السيطرة العسكرية إلى المشروع السياسي
يفصّل هذا القسم الإعلان الرسمي عن الهيكل الحكومي الجديد وإطاره السياسي، مما يؤسس للسياق الواقعي الذي بني عليه التحليل اللاحق.
A. إعلان نيالا: ولادة “حكومة السلام”
في يوم السبت الموافق 26 يوليو 2025، أعلن “تحالف السودان التأسيسي” رسمياً عن تشكيل “حكومة السلام الانتقالية”. ولم يكن اختيار مدينة نيالا، عاصمة ولاية جنوب دارفور، لإطلاق هذا الإعلان مصادفة، بل جاء ليرسخ حقيقة أن هذه الحكومة تنطلق من قاعدة إقليمية ومعقل استراتيجي لقوات الدعم السريع، بعيداً عن مركز السلطة التقليدي في الخرطوم. وقد تم تحديد هيكل قيادي طموح يهدف إلى إظهار طابع وطني وفيدرالي.
- المجلس الرئاسي: يتولى قيادة هذا المجلس الفريق أول محمد حمدان دقلو “حميدتي”، قائد قوات الدعم السريع، مما يضع السلطة العسكرية للتحالف في قمة الهرم السياسي الجديد.1 يتألف المجلس من 15 عضواً، من بينهم حكام الأقاليم، في محاولة لإضفاء طابع تمثيلي واسع.
- رئاسة الوزراء: أُسند منصب رئيس الوزراء إلى محمد حسن التعايشي، وهو شخصية مدنية بارزة وعضو سابق في مجلس السيادة الانتقالي الذي تشكل بعد ثورة 2019. يُعتبر هذا التعيين محاولة واضحة لاستقطاب شخصيات من مرحلة الانتقال الديمقراطي السابقة بهدف تعزيز شرعية الحكومة الجديدة.
- تعيينات رئيسية: شمل الإعلان تسمية حكام للأقاليم المختلفة، مثل الدكتور الهادي إدريس لإقليم دارفور، وفارس النور لإقليم الخرطوم، وجقود مكوار مرادة لإقليم جنوب كردفان/جبال النوبة، وغيرهم، مما يعكس سعياً لإنشاء هيكل إداري شامل يغطي جميع المناطق التي يطالب التحالف بالسيادة عليها.
جدول 1: التعيينات الرئيسية في حكومة “تأسيس” الانتقالية
المنصب |
الشخصية المعينة |
رئيس المجلس الرئاسي |
الفريق أول محمد حمدان “حميدتي” دقلو |
نائب رئيس المجلس الرئاسي |
عبد العزيز الحلو |
رئيس مجلس الوزراء |
محمد حسن التعايشي |
حاكم إقليم دارفور |
الدكتور الهادي إدريس يحيى |
حاكم إقليم الخرطوم |
الأستاذ فارس النور إبراهيم |
حاكم إقليم جنوب كردفان/جبال النوبة |
السيد جقود مكوار مرادة |
حاكم إقليم الفونج الجديد |
السيد جوزيف تكا علي |
حاكم الإقليم الأوسط |
السيد صالح عيسى عبد الله |
حاكم الإقليم الشرقي |
الدكتور مبروك مبارك سليم |
حاكم الإقليم الشمالي |
بروفيسور أبو القاسم الرشيد أحمد |
حاكم إقليم كردفان |
السيد حمد محمد حامد |
B. المخطط الدستوري لـ “سودان جديد”
تستند هذه الحكومة إلى “دستور انتقالي لعام 2025” تم التوقيع عليه في نيروبي في مارس 2025، وهو يلغي صراحة الوثيقة الدستورية التي حكمت الفترة الانتقالية بعد ثورة 2019. ويطرح هذا الدستور رؤية سياسية جذرية تهدف إلى معالجة ما يسميه التحالف “الجذور التاريخية” لأزمات السودان المتلاحقة.
- المبادئ الأساسية: يُعرّف الدستور الجديد الدولة بأنها “علمانية، ديمقراطية، لا مركزية”، مع فصل تام بين الدين والدولة، وهو ما يمثل تحدياً مباشراً لنفوذ الحركات الإسلامية التاريخي في السياسة السودانية.
- التقسيم الإداري الجديد: يقسم الدستور البلاد إلى ثمانية أقاليم، بما في ذلك “إقليم الفونج الجديد”، مع منح كل إقليم الحق في صياغة دستوره الخاص.
- جيش وطني جديد: يدعو الدستور إلى تأسيس جيش وطني جديد وموحد، تكون نواته قوات الدعم السريع والحركات المسلحة المتحالفة معها، مع حل القوات المسلحة السودانية الحالية وما يرتبط بها من “مليشيات”، وهو ما يعد التحدي الأكثر مباشرة للدولة القائمة.
- فترة انتقالية ممتدة: يقترح الدستور فترة انتقالية طويلة تمتد لعشر سنوات وتمر بمرحلتين، مما يشير إلى مشروع سياسي طويل الأمد وليس مجرد ترتيبات مؤقتة.
إن التفاصيل الدقيقة للهيكل الحكومي والأساس الدستوري الذي يستند إليه تظهر تحولاً محسوباً في استراتيجية قوات الدعم السريع. لم يعد الأمر مجرد تمرد عسكري، بل تطور إلى مشروع سياسي يهدف إلى بناء دولة. إن صياغة دستور جديد، وتحديد أيديولوجية الدولة، وإعادة رسم الخريطة الإدارية، والتخطيط لجيش جديد، كلها أعمال تأسيسية للدولة وليست مجرد إدارة. هذا يعني أن التحالف لا يسعى فقط للحصول على مقعد على طاولة الحوار في الخرطوم، بل يقوم ببناء طاولة خاصة به في نيالا. هذه الخطوة تجبر المجتمع الدولي والخصوم المحليين على مواجهة رؤية سياسية منافسة لمستقبل السودان، مما يصعد الصراع من كونه صراعاً على السيطرة على الدولة القائمة إلى معركة حول تعريف الدولة نفسها.
III. تشريح تحالف “تأسيس”: هل هو ائتلاف مصلحة؟
يعمل هذا القسم على تفكيك التحالف لتحليل ديناميكياته الداخلية ونقاط قوته وضعفه.
A. ائتلاف التناقضات
يُعد تحالف “تأسيس” خليطاً غير متجانس من الكيانات العسكرية والسياسية والمدنية.
- القوى العسكرية الأساسية: تشكل قوات الدعم السريع بقيادة حميدتي، والحركة الشعبية لتحرير السودانشمال بقيادة عبد العزيز الحلو، العمود الفقري العسكري للتحالف.
- الفصائل السياسية: يضم التحالف تيارات منشقة عن أحزاب تقليدية كبرى مثل حزب الأمة القومي (بقيادة فضل الله برمة ناصر) والحزب الاتحادي الديمقراطي، بالإضافة إلى “الجبهة الثورية”.
- المكونات المدنية والقبلية: يشمل التحالف أيضاً مجموعات من المجتمع المدني، وإدارات أهلية، وشخصيات مستقلة.
- التوترات الداخلية: تشير التقارير إلى وجود احتكاكات وخلافات داخلية كبيرة أدت إلى تأجيل الإعلان الأولي عن الحكومة. كما تظهر بوادر خلافات أخرى، حيث حذرت حركة “تمازج” المتحالفة معهم من تهميشها في الحكومة الجديدة، بينما يظل تهديد الحركة الشعبية بالانسحاب قائماً.
جدول 2: مكونات تحالف “تأسيس”
الفئة |
المكونات |
القادة الرئيسيون |
القوى العسكرية |
قوات الدعم السريع، الحركة الشعبيةشمال، حركة العدل والمساواة، حركة تحرير السودانالمجلس الانتقالي، حركة تمازج |
محمد حمدان “حميدتي” دقلو، عبد العزيز الحلو |
الأحزاب السياسية (تيارات) |
حزب الأمة القومي (تيار فضل الله برمة ناصر)، الحزب الاتحادي الديمقراطي (تيارات منشقة) |
فضل الله برمة ناصر، إبراهيم الميرغني |
الائتلافات السياسية |
الجبهة الثورية السودانية |
الدكتور الهادي إدريس |
الشخصيات المدنية/المستقلة |
إدارات أهلية، منظمات مجتمع مدني |
محمد حسن التعايشي، نصر الدين عبد الباري |
B. الرؤية المعلنة مقابل الأجندة المتصورة
- السردية الرسمية: يقدم التحالف نفسه كمنصة وطنية تهدف إلى “مواجهة السودان القديم”، وإنهاء الحروب عبر معالجة جذورها، وبناء دولة جديدة على أسس الحرية والعدالة والمساواة. ويبررون هذه الخطوة بأنها رد فعل ضروري على فشل حكومة بورتسودان في توفير الخدمات والأمن للمواطنين في مناطق سيطرتهم.
- السردية المضادة: يرى النقاد والمعارضون على نطاق واسع أن التحالف ليس إلا واجهة سياسية لطموحات قوات الدعم السريع العسكرية والاقتصادية. ولا يُنظر إلى الحكومة على أنها مشروع سلام، بل “حكومة ميليشيا” ووسيلة لـ”حميدتي” لإضفاء الشرعية على سلطته وسيطرته على أراضٍ شاسعة، مع مخاوف جدية من أنها خطوة ملموسة نحو انفصال دارفور ومناطق أخرى.
إن تحالف “تأسيس” هو ائتلاف مصلحة، توحده مواجهة عدو مشترك (القوات المسلحة السودانية ومؤسسة “السودان القديم”) أكثر من توحده رؤية حقيقية ومستدامة. هذا يجعله هشاً بطبيعته وعرضة للانهيار على المدى الطويل. ومع ذلك، فإن هذا التنوع ذاته يمنحه قوة مؤقتة، حيث يسمح له بالظهور بمظهر التحالف واسع القاعدة في الوقت الراهن. إن وجود مكونات ذات مصالح تاريخية متباينة، مثل أجندة الحكم الذاتي العلماني للحركة الشعبيةشمال وأهداف قوات الدعم السريع القائمة على السلطة والموارد، يؤدي حتماً إلى صراعات داخلية حول تقاسم السلطة والاستراتيجية، كما يتضح من التأجيلات والتهديدات بالانسحاب. وفي حين أن هذا يمثل نقطة ضعف قاتلة على المدى البعيد، إلا أنه في المدى القصير يعد أصلاً استراتيجياً. فهو يتيح لـ”حميدتي” الادعاء بأنه يقود “تحالفاً مدنياً عسكرياً واسعاً” وليس مجرد ميليشيا، ويوفر له مجموعة من الشخصيات لملء المناصب الوزارية، مما يخلق مظهر حكومة فاعلة وشاملة. وبالتالي، فإن تركيبة التحالف سيف ذو حدين: فهي توفر الغطاء السياسي اللازم لمشروع قوات الدعم السريع الآن، لكنها تحمل في طياتها بذور دمارها في المستقبل.
IV. ساحة المعركة الرقمية: طيف من ردود فعل النشطاء
يتناول هذا القسم الأساسي استفسار المستخدم مباشرة من خلال تحليل الخطاب عبر الإنترنت، وتصنيف الردود للكشف عن الانقسامات المجتمعية العميقة.
A. أصوات التأييد: “تأسيس ضروري لسودان جديد”
- الحجة الأساسية: يصور المؤيدون على منصات مثل تيك توك وفيسبوك هذه الحكومة على أنها خطوة تاريخية وضرورية لتفكيك “السودان القديم” القائم على الحكم المركزي ذي النفوذ الإسلامي، وبناء دولة جديدة وعادلة.
- الاحتفاء بالتعيينات: عبرت العديد من التعليقات عن التهاني (“مبروك”) وركزت على شخصيات بعينها، مما يشير إلى أن الدعم غالباً ما يكون مرتبطاً بولاءات إقليمية أو قبلية أو شخصية بدلاً من تأييد كامل للمشروع. على سبيل المثال، كان هناك ثناء خاص على مبروك مبارك سليم (من الشرق) والهادي إدريس (من دارفور).
- الأمل في الاستقرار والتقدم: أعرب بعض المستخدمين عن أملهم في أن تضع هذه الحكومة حداً للحرب وتفتح الباب أمام “التقدم والازدهار” (قدام بس ✌️). يعكس هذا شعوراً عميقاً بالإرهاق من الحرب واستعداداً لتبني أي بديل للفوضى الحالية.
- التبرير كرد على المظالم: يجادل المؤيدون بأن الحكومة هي رد فعل مشروع على إخفاقات حكومة بورتسودان، مثل عجزها عن توفير الخدمات الأساسية والأمن والوثائق الرسمية للمواطنين في المناطق الخاضعة لسيطرة قوات الدعم السريع.
B. جوقة الإدانة: “حكومة الخيانة والتقسيم”
- شرعية حميدتي: يتمثل خط الهجوم الأقوى والأكثر تكراراً في رفض “حميدتي” كقائد وطني بسبب التاريخ الموثق لقوات الدعم السريع في ارتكاب جرائم حرب وتطهير عرقي وانتهاكات لحقوق الإنسان. ويتجلى هذا الموقف في النقد الذي وجهه المحلل نور الدين صلاح الدين، الذي تساءل: “كيف يتحول مجرم حرب إلى زعيم تأسيسي؟”.
- تهديد السيادة والوحدة: الموضوع المهيمن بين المعارضين هو أن هذه “الحكومة الموازية” خطوة مباشرة نحو التقسيم الرسمي وتفتيت السودان، مع مقارنتها بالأوضاع في ليبيا واليمن. وقد وُصفت بأنها “حكومة العمالة والمهزلة”.
- رفض من قادة مدنيين بارزين: أدانت شخصيات بارزة مناهضة للحرب هذه الخطوة بقوة.
- مدني عباس مدني: صرح الوزير السابق بأن كل من يدعم “حكومة الدعم السريع” هو “شريك في جرائمها”، وأن هذه الخطوة تخدم في النهاية مشروع “الكيزان” (الإسلاميين) من خلال تقسيم البلاد. ويرى أنها خضوع خطير لمنطق السلاح (“الوقوع في حمى البندقية”).
- ياسر عرمان: رفض زعيم تيار في الحركة الشعبية وكتلة “صمود” باستمرار أي “حكومة في المنفى” أو سلطة موازية، معتبراً إياها “شرعنة لتقسيم السودان”.
- اتهامات بالرعاية الأجنبية: يلمح بعض الخطاب عبر الإنترنت أو يصرح مباشرة بأن الحكومة الجديدة هي وكيل لقوى أجنبية، وتحديداً الإمارات العربية المتحدة، ويصفونها بأنها قد تكون “دويلة إماراتية”.
C. السخرية والرفض: “حكومة الأونلاين”
جزء كبير من ردود الفعل السلبية تجلى في شكل سخرية واستهزاء، وهي أداة قوية لنزع الشرعية في الفضاء الرقمي.
- عبارات رئيسية: وصف المعلقون مراراً السلطة الجديدة بأنها “حكومة مواقع التواصل الاجتماعي” أو “حكومة أونلاين”.
- الوظيفة الخطابية: يعمل هذا التأطير على إنكار أي سلطة ملموسة أو دعم شعبي أو شرعية واقعية للحكومة. فهو يصور الإعلان على أنه “حيلة إعلامية” أو “مهزلة” (“ههههههههههه”) ، رافضاً إياه بفعالية دون الحاجة إلى الدخول في تفاصيل برنامجه السياسي. كما أن أسئلة مثل “المؤتمر وين بالضبط؟ 😂” تعزز هذه السردية القائمة على انعدام الجدوى.
إن الخطاب عبر الإنترنت ليس مجرد نقاش حول السياسات، بل هو معركة متعددة الجبهات من أجل الشرعية. تستخدم المعسكرات الثلاثة الرئيسية (المؤيدون، والمعارضون، والساخرون) استراتيجيات خطابية متميزة تكشف عن الدوافع الأساسية للصراع. يستخدم المؤيدون لغة الهوية والأمل، فيحتشدون حول القادة الإقليميين ووعد “سودان جديد” ، مخاطبين أولئك الذين شعروا بالتهميش من قبل النظام القديم. وفي المقابل، يستخدم المعارضون لغة الأخلاق والسيادة، حيث تتمحور حجتهم الأساسية حول أن قائداً متهماً بارتكاب فظائع لا يمكن أن يكون شرعياً ، وأن هذه الخطوة ستدمر البلاد. أما الساخرون، فيستخدمون السخرية كسلاح لنزع الشرعية ، فبرفضهم أخذ الإعلان على محمل الجد، فإنهم ينكرون عليه الثقل السياسي الذي يسعى إليه. تُظهر هذه الأساليب الثلاثة المتباينة أن النقاش عبر الإنترنت ليس حواراً عقلانياً، بل هو صدام بين رؤى عالمية وسرديات تاريخية وأطر أخلاقية متضاربة، مما يعكس الطبيعة المستعصية للحرب على الأرض.
جدول 3: مصفوفة مقارنة للحجج الرقمية المؤيدة والمعارضة لحكومة “تأسيس”
الحجج المؤيدة (سردية “التأسيس”) |
الحجج المعارضة (سردية “التقسيم”) |
سياسياً: تؤسس لـ “سودان جديد” علماني ولا مركزي لتصحيح المظالم التاريخية.1 |
أخلاقياً: حكومة يقودها شخص متهم بجرائم حرب وإبادة جماعية هي حكومة غير شرعية (“كيف يتحول مجرم حرب إلى قائد؟”). |
إنسانياً: رد فعل ضروري على فشل حكومة بورتسودان في توفير الخدمات والأمن. |
سيادياً: خطوة مباشرة نحو انفصال دارفور والتقسيم الرسمي للسودان. |
تمثيلياً: تمنح صوتاً للمناطق والجماعات المهمشة من خلال تعيين قادتها. |
شرعياً: هي “حكومة ميليشيا” غير منتخبة ولا تملك تفويضاً شعبياً، مجرد “حكومة أونلاين”. |
براغماتياً: قيادة حميدتي شر لا بد منه لإنهاء الحرب وتحقيق تغيير جذري. |
سياسياً: تفتت الجبهة المدنية المناهضة للحرب بشكل قاتل وتخدم مصالح النظام القديم بتعميق الانقسامات. |
V. رؤى تحليلية وتداعيات أوسع
يرتقي هذا القسم بالتحليل من الوصف إلى التفسير، مستكشفاً التبعات الثانوية والثالثية لهذا التطور السياسي.
A. التصدع الحاسم للجبهة السياسية المدنية في السودان
لقد حطم هذا الإعلان الوحدة الهشة للقوى المدنية المناهضة للحرب. فقد انقسم تحالف “تقدم” السابق فعلياً إلى معسكرين رئيسيين على الأقل: أولئك الذين انضموا إلى “تأسيس” (مثل التعايشي وتيارات من حزبي الأمة والاتحادي) وأولئك الذين يعارضونه بشدة، والذين يتجمعون في كتل جديدة مثل “صمود” (مثل ياسر عرمان ومدني عباس مدني). ويمثل هذا الانقسام نصراً استراتيجياً للمؤسسات العسكرية على كلا الجانبين (القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع)، حيث كانت الجبهة المدنية الموحدة تشكل التحدي الأكبر لهيمنتهما. أصبح الصراع الآن أكثر تحديداً كحرب بين معسكرين بقيادة عسكرية، مع إجبار الفاعلين المدنيين على الانحياز إلى أحدهما أو الآخر.
B. حرب السرديات: معركة من أجل الاعتراف الدولي
يُعد تشكيل الحكومة محاولة واضحة لكسب الشرعية الدولية. فمن خلال إنشاء مؤسسات شبيهة بالدولة وتبني دستور تقدمي (العلمانية والفيدرالية)، يرسل تحالف “تأسيس” إشارة إلى المجتمع الدولي بأنه شريك قابل للحياة في الحكم والسلام. وفي الوقت نفسه، ينخرط المعارضون في سردية مضادة تهدف إلى منع هذا الاعتراف. فهم يركزون على سجل قوات الدعم السريع في مجال حقوق الإنسان ويصورون الحكومة على أنها تهديد للاستقرار الإقليمي، ويحثون المجتمع الدولي وهيئات مثل الاتحاد الأفريقي على رفضها.20 ستكون نتيجة حرب السرديات هذه حاسمة في تحديد مسار الدعم الدبلوماسي والمساعدات والعقوبات المحتملة.
C. شبح الانقسام المتجذر وانهيار الدولة
بينما يتبنى تحالف “تأسيس” رسمياً مبدأ “الوحدة الطوعية”، يُنظر إلى إنشاء دولة موازية بجيشها ودستورها وعاصمتها على نطاق واسع على أنه يضفي طابعاً مؤسسياً على التقسيم الفعلي للبلاد. ويُعتبر البند الوارد في الدستور الذي يسمح بتقرير المصير في حال عدم تطبيق العلمانية على المستوى الوطني “قنبلة موقوتة” ، حيث يوفر مساراً قانونياً للانفصال، مما يحول الصراع العسكري إلى أزمة وجودية محتملة للدولة السودانية. ترفع هذه الخطوة سقف أي مفاوضات سلام مستقبلية بشكل كبير. فلن تدور المحادثات بعد الآن حول تقاسم السلطة داخل دولة واحدة، بل قد تتمحور حول شروط الانفصال أو إقامة كونفدرالية فضفاضة، وهي مهمة أكثر تعقيداً وخطورة.
إن ما يقوم به “حميدتي” وحلفاؤه هو رهان عالي المخاطر على خلق واقع سياسي جديد وقوي لدرجة أنه يجبر الخصوم المحليين والمجتمع الدولي على إعادة توجيه بوصلتهم نحوه. إنهم يحاولون نقل مركز الثقل السياسي في السودان بعيداً عن المؤسسة الحاكمة التاريخية التي تتمركز في الخرطوم والمنطقة النيلية، نحو نموذج فيدرالي جديد متجذر في الأطراف. لطالما عانى السودان من هيمنة المركز على الأطراف المهمشة، وهو ما كان سبباً جذرياً في حروبه العديدة.4 يأتي مشروع “تأسيس”، الذي يتخذ من دارفور قاعدة له ويدافع عن الفيدرالية وحقوق المهمشين، كقلب مباشر لهذا الهيكل السلطوي التاريخي. من خلال إنشاء حكومة ودستور وجيش، فإنهم لا يطالبون فقط بالاندماج في المركز القديم، بل يخلقون مركزاً جديداً منافساً. إذا نجحت هذه الاستراتيجية، ولو جزئياً، فقد تغير الخريطة السياسية للسودان بشكل دائم، مما يفرض على أي تسوية مستقبلية أن تستند إلى واقعهم الجديد. وإذا فشلت، سينهار التحالف وسيُوصم قادته بأنهم انفصاليون فاشلون.
VI. الخلاصة والتوجهات الاستراتيجية
A. خلاصة النتائج
يخلص التقرير إلى أن إعلان حكومة “تأسيس” يمثل لحظة فارقة في الصراع السوداني. لقد كشفت ردود الفعل على الإنترنت عن الانقسامات العميقة التي تبدو غير قابلة للتوفيق داخل المجتمع السوداني، حيث تحول الخطاب إلى حرب رقمية تدور رحاها حول الأخلاق والهوية وتعريف الأمة. النتيجة الرئيسية هي ترسيخ مشروعين سياسيين متنافسين، لكل منهما نواة عسكرية وواجهة مدنية، وهو ما أدى إلى تدمير الفضاء السياسي المدني المستقل.
B. آفاق الصراع السوداني
إن تشكيل هذه الحكومة يجعل التوصل إلى تسوية تفاوضية على أساس الوضع الذي كان قائماً قبل الحرب أمراً شبه مستحيل. فهو يصلّب مواقف الطرفين المتحاربين ويجعل الصراع أكثر وجودية. يواجه المجتمع الدولي الآن معضلة الاختيار بين التعامل مع هذا الكيان الجديد، وهو ما قد يضفي عليه الشرعية، أو عزله، وهو ما قد يطيل أمد الحرب ويفاقم أكبر أزمة إنسانية في العالم.6 سيعتمد المسار المستقبلي على ثلاثة عوامل رئيسية: التماسك الداخلي لتحالف “تأسيس”، وقدرته على حكم أراضيه بفعالية، ونتيجة المعركة الحاسمة من أجل كسب الشرعية الدولية.
Gemini
المصدر: صحيفة الراكوبة