في خضم الصراع الدائر في السودان، برز إلى الواجهة تشكيل ما يُعرف بـ”حكومة تأسيس”، مثيرًا ردود فعل متباينة بين السودانيين، فبينما يرى البعض فيها بصيص أمل لتقديم الخدمات الأساسية للمناطق المتضررة التي حُرمت منها من قبل حكومة بورتسودان، يتخوف آخرون من كونها خطوة تمهيدية نحو انفصال جديد وتقسيم البلاد.
الخرطوم: التغيير
استطلعت (التغيير) آراء عدد من السياسيين والناشطين والمواطنين للوقوف على وجهات نظرهم حول هذا التطور الجديد.
أعرب مصباح أحمد محمد، رئيس دائرة الإعلام بحزب الأمة القومي، عن موقف حزبه الرافض بشكل قاطع لتشكيل حكومتين من قبل طرفي الحرب. واعتبر أن هذا التطور “بالغ الخطورة ومهدد مباشر لوحدة البلاد، وينذر بانقسامها فعليًا إلى كيانين منفصلين، في ظل حالة الاستقطاب السياسي والانقسام المجتمعي المتفاقم”.
وأكد مصباح أن موقف حزب الأمة القومي مبدئي وواضح: “لا شرعية لأي من أطراف الحرب منذ انقلاب 25 أكتوبر 2021م، ولا سبيل لإنقاذ الوطن إلا بإنهاء هذه الحروب العبثية، والدخول في عملية سياسية شاملة تفضي إلى حلول وطنية جذرية، تحقق السلام المستدام، وتستعيد مسار الانتقال الديمقراطي، وتؤسس لمرحلة جديدة قائمة على الشرعية التوافقية ومستندة علي مؤسسات شرعية دستورية.”
واعترف مصباح بوجود مظالم حقيقية، مثل حرمان المواطنين من حقوقهم الأساسية في التعليم والصحة والخدمات واستخراج الأوراق الثبوتية، لكنه شدد على أن هذه الحقوق “لا تُستعاد عبر تكريس واقع التشظي وتشكيل حكومات موازية بلا شرعية، بل عبر معالجة جذور الأزمة التي في مقدمتها استمرار الحرب، وما ترتب عليها من شلل مؤسسي وانهيار إداري.”
واختتم حديثه بالتأكيد على أن “تمكين المواطنين من حقوقهم يتطلب العمل الجاد على وقف الحرب، ورفع المعاناة عن كاهلهم، والاتجاه الجاد نحو مشروع وطني شامل، يعيد بناء الدولة على أسس جديدة من العدالة، والمواطنة، والمساواة والتوافق.” معربًا عن أمله في أن “لا يطول أمد هذا الانقسام المصطنع، وأن تتوفر الإرادة الوطنية لإنهاء هذه الظروف الإستثنائية، ليعود الوطن موحدًا، معافى، وقادرًا على النهوض من جديد.”
مستقبل مظلم
من جانبه، وصف الناشط السياسي، حسام الضو، تشكيل حكومة “تأسيس” بأنه “مولود جديد على غير العادة”. وأشار إلى المخاوف الشعبية من أن تقود هذه الحكومة إلى تقسيم البلاد مرة أخرى، بينما ينظر إليها آخرون على أنها “حكومة جاءت لتحقق لهم الحرية والسلام والعدالة التي كانوا ينادون بها طيلة السنين الفائتة”.
وأوضح الضو أن المستقبل “مظلم والرؤية غير واضحة” في ظل تلك الهواجس والظنون، متسائلًا: “هل ستحقق الحكومة الجديدة أحلام من كانوا ينتظرون ميلادها؟ هل سيستتب الأمن في مناطق سيطرتها؟ وهل سيكون لها عملة جديدة وجوازات جديدة ونظام تعليم يختلف عن نظام التعليم في الدولة التي يصفونها بالدولة القديمة؟”
ولفت الضو إلى أن حديث ممثلي الحكومة الجديدة عن خلق نظام تعليم مختلف وعملة جديدة وجوازات هو “إشارة واضحة لحدوث انفصال وإن كان غير مرئي الآن ولكن ستتضح ملامحه في مقبل الأيام”. وختم الضو رأيه بالقول إنه “لا مخرج لكلتا الحكومتين سوى التفاوض والجلوس في تلك الطاولة التي ظللنا ننادي بها منذ انطلاق الطلقة الأولى، ولا بديل لتلك العملية السياسية لأن كلفة الحسم العسكري تطيل من أمد الحرب وبالتالي تزيد من معاناة الشعب السوداني لأن تلك الحرب هو أكثر من تضرر منها. يجب أن تتوقف تلك الحرب دون شروط وإلا سيضيع معها السودان شعبًا ودولة.”
رفض الحكومات بقوة السلاح
أكدت الناشطة السياسية، آلاء محمد، رفضها لأي حكومة تقوم “بقوة السلاح” وأي حكومة “غير شرعية”. وتساءلت :”قبل تسأل السؤال دا ما تسأل نفسك البدأ بسيناريو الانفصال منو؟” في إشارة إلى الطرف الذي قام بـ “صك العملة ومنع استخراج الجواز والهوية والقصص دي كلها وأفضى لواقع حكم فيه ابن دارفور بالقتل بقانون الأوجه الغريبة منو؟”.
وعلى النقيض، كتب المواطن أيوب خليفة على فيسبوك مباركًا “ميلاد حكومة تأسيس حتى تعمل على حماية المدنيين الذين يتم استهدافهم بالقنابل المتفجرة في مناطق سيطرة الدعم السريع وبقانون الوجوه الغريبة في مناطق الجيش”. واختتم تعليقه بعبارة “لعن الله البلابسة فقد مكروا والله خير الماكرين!!!!”.
فيما توقعت مها جمال اسم مستعار وهي سودانية مقيمة بمصر، أن تكون حكومة “تأسيس” “تمهيدًا لانفصال من وجهة نظرها الخاصة. وتوقعت فشل تأسيس في الخدمات وقالت: “لا أعتقد تقدر توفر أمن واستقرار، لأنه طرفي النزاع في الأصل هم كيزان هم امتداد للنظام البائد، إذا النظام الأسبق فشل فممكن تتوقع إيه؟ يا أخ السودان الحل الأمثل هو الحكم المدني والتوجه الديمقراطي.”
تظل الساحة السودانية تشهد تقلبات مستمرة، وحكومة “تأسيس” الجديدة تمثل فصلًا آخر في هذه الأزمة المعقدة. فهل ستنجح هذه الحكومة في تحقيق آمال المواطنين في الخدمات والأمن، أم ستكون مجرد خطوة إضافية نحو المزيد من الانقسام؟
المصدر: صحيفة التغيير