حكومة المنفى «3».. حتمية الانتقال الديمقراطي
حكومة المنفى «3».. حتمية الانتقال الديمقراطي
محمد عثمان مناع
* أيها المواطنون الشرفاء لقد ظلت قواتكم المسلحة تراقب الأوضاع السياسية والمعيشية المتدهورة عن كثب…!!!”.
هكذا يمضي قائد الانقلاب في إذاعة البيان الأول عقب نجاح انقلابه العسكري ومن ورائه حفنة سياسية ما نالت حظها من حصة الديمقراطية فتحالفت مع المغامرين من العسكر.
فإذا ما فشل الانقلاب كان مصيره المحكمة العسكرية والحكم بالتجريد من الرتبة والطرد من الخدمة والإعدام رمياً بالرصاص.
وإذا ما نجحت المغامرة العسكرية نادته الجماهير المغيبة بالرئيس المفدى والزعيم الأوحد ومنحته من النياشين والرتب العسكرية ما يشاء حتى رتبة المشير. وعندما يتعثر الانقلاب لا يجد صاحبنا المفدى إلا التمسك بشرعيته الزائفة رغم أنف الجماهير فيقتل منهم ما يشاء للإفلات من العقاب الذي يعلم تماما نصوصه.
وفي حالة نجاح الانقلاب تكون الحكومة المدنية في إحدى حالتين:
الانهيار التام والخضوع لبطش العسكر، وبعد فترة من الاعتقال والتعذيب، ينزوي أعضاء الحكومة المدنية في بيات طويل حتى الانتفاضة التالية إذا مد الله في أعمارهم، أو
تنتفض الحكومة الديمقراطية المنقلب عليها، فتهاجر إلى منافي صديقة تؤمن بالحق التاريخي في التداول السلمي للسلطة والحكم، وتعمل على إحباط الانقلاب والعنف الذي عادة ما يعقبه ليرهب به من لا يؤيده وينحني لسلطانه.
حكومة المنفى هي أولى درجات حقوق المدنيين المسلوبة لمناهضة صلف المغامرين من العسكر وإسقاط انقلابهم، ولقد تنازلت كل الحكومات الديمقراطية السابقة عنه لإقرارها بفشلها في التحول الديمقراطي وعدم قدرتها على استقطاب الدعم الجماهيري والدولي لمشروعها الكسيح..
الآن لن يعيد التاريخ نفسه كما ظن المتآمرون على السلطة المدنية. فقد ارتفعت درجة الوعي الجماهيري بحتمية فشل العسكر في إدارة شؤون البلاد واتضحت صفة الفئتان العسكرية والمدنية كما لم تنجل من قبل.
فالمؤسسة العسكرية آثرت ممارسة الفساد الحر في كل المجالات وتركت أعمال العنف للمليشيات تستأجرها كما تشاء من حر مال المواطنين. فانقلبت عليهم تلك المليشيات كما عودتهم المؤسسة العسكرية في ممارسة الانقلاب ونقض العهود و المواثيق.
وفي المعسكر المقابل قامت القوى المدنية بوعي شبابي غير مسبوق تتربص بالاثنين للحصول على مبتغاها في الحرية والسلام والعدالة، وأنهم لمدركوها بإذن الله لا محال.
فاليوم وقد انطلقت الجماهير المهاجرة في المنافي البعيدة والقريبة تهتف بصوت ديسمبر المجيدة، في تفويض حر للحكومة المدنية لممارسة نشاطها بالمنفى وعدم الاعتراف المطلق بسلطة الأمر الواقع المنقلبة على الشرعية الدستورية والمخالفة لقوانين المؤسسة العسكرية نفسها.
اليوم يرتحف الجنرال ذعراً في مخبأ قصره وتتحرك القوى المدنية في المنفى وتتحفز قوى الداخل المغلوبة على أمرها، لتكتب كتاباً جديداً عن النضال المدني، وليخزي الله كيد الفاسدين.
21 ديسمبر 24
المصدر: صحيفة التغيير