خالد فضل
بادئ ذي بدء لابد من طرح السؤال الجوهري , علاما تستند حكومة الأمل التي يراسها د. كامل إدريس ؟ فقد تعاقب على مقعده أربعة أشخاص في غضون عشر السنوات الماضية , ثلاثة منهم يستندون على ذات القاعدة التي يستند عليها الآن السيد إدريس . شغل المنصب من قبل , بكري حسن صالح , معتز موسى , محمد طاهر إيلا وعبدالله حمدوك .
السياق الذي استند عليه ثلاثة الأوائل هو خلفية إنقلاب الجبهة الإسلامية القومية في 30يونيو 1989م , وقاده كما هو معلوم ضابط التنظيم عمر البشير باسم القوات المسلحة السودانية , التي يزعم كثير من الناس أنها فوق الشبهات , وتقف على مسافة واحدة من كل التنظيمات السياسية , وأنها مؤسسة مهنية بحتة , تلتزم بحدود عملها , وتحترم الدستور الديمقراطي وتصونه , وتحميه من تغول المتغولين . فإذا بها غير ذلك . إنها مؤسسة حزبية بامتياز , يقود ضباطها الحزبيين الإنقلابات باسم تنظيماتهم , تشوبها شوائب العنصرية والجهوية , لدرجة أنّ بعض المواطنين السودانيين المفترضين , يمنعون من حق الترقي لرتب عليا فيها استنادا إلى منحدرهم الإثني من قبائل المساليت والفور والزغاوة (مفز) حسبما صرّح بذلك السيد مني أركو مناوي حاكم إقليم دارفور في سلطة حكومة أمل . قال بذلك في احتفال بمناسبة عيد الفطر الماضي أقامته حركة جيش تحرير السودان في بورتسودان . لم يصدرالضابط المتحدث الرسمي باسم القوات المسلحة بيانل يدحض فيه مزاعم القائد مناوي , لذلك تعتبر شهادته تلك صحيحة لحين صدور ما ينفيها . أمّا حزبيتها فقد أعلنها عمر البشير في سرده لقصة الإنقلاب , بعد أن أبلغهم الترابي أن أخوانهم قرروا استلام السلطة عن طريق الإنقلاب العسكري على السلطة المنتخبة من الشعب . لم يسألوا أو يترددوا , فقرارات التنظيم نافذة وما عليهم سوى التنفيذ , وبالفعل نفّذوا الإنقلاب وشاركهم بعض الأفراد المدنيين من عضوية التنظيم كما كشف الأستاذ عبدالعزيز عشر في مرافعته أمام القاضي مدثر الرشيد (عضو التنظيم)في محاكمة ما عرف الغزو الأجنبي للخرطوم بقيادة حركة العدل والمساواة أيام زعيمها الراحل د. حليل إبراهيم في 2008م والراحل من أعمدة التنظيم كذلك , مثله وممثل الإتهام وكيل النيابة الأعلى , وكذا نائب رئيس هيئة الدفاع , كلهم فرعون ليس من بينهم موسى كما كتب أستاذنا الراحل كمال الجزولي المحامي عليه واسع الرحمات .
سياق الفشل الذي تولى فيه بكري ومعتز وإيلا , تم لجمه لفترة عامين فقط , سبتمبر2019 إلى 25أكتوبر 2021م . عندما نهضت ثورة شعبية سلمية قوامها الرئيس سكان المدن خاصة الخرطوم ليتم اعلان خلع رأس النظام والتحفظ عليه في مكان آمن بوساطة قائد الجيش عوض بن عوف , الذي تنحى بعد24ساعة على قيادته عملية خلع البشير وعيّن مكانه البرهان , بعد أن أسبغ عليه صفات ومميزات الأفضلية على من سواه من ضباط . وكلا هما , المتنحي والمعين من عناصر مؤسسة الجيش بوضعيته الحزبية وميوله العنصرية _على مستوى القيادات طبعا_ ظلا يخدمان المشروع الحضاري طيلة 30سنة , لم يصدر عنهما ما يشير إلى مخالفتهما أو إعتراضهما على سياساته وبرامجه وخططه وممارساته بما في ذلك إقصاء الزملاء في الجيش من الضباط الذين ابدوا رأيا مخالفا لعملية أدلجة تلك المؤسسة الحكومية , أو الذين جاهروا بالنقد لبعض الممارسات الضارة بها , أو الذين ارتابت عناصر التنظيم في ولائهم لحزبهم , بالنتيجة فقد آلاف الضباط وظائفهم , صاروا يتبع رتبهم حرف (م) وفيهم من كان في العشرينات من عمره .
تلك هي البيئة السياسية التي انجبت حكومات بكري ومعتز وإيلا .وعلى سكتهم يسير كامل إدريس , نتائجها الظاهرة على سبيل المثال وليس الحصر , إنفصال جنوب السودان , رئيس البلاد مطلوب للمثول أمام المحكمة الجنائية الدولية بتهم جرائم الحرب والإبادة الجماعية والتطهير العرقي لمجموعات (مفز) المار توضيحها , عزلة دولية عن كل الهيئات والمؤسسات المالية والإقتصادية , سلسلة عقوبات أمريكية وأوربية , اتهامات بالإرهاب الدولي , إهدار ما يقدر ب70مليار دولار من عائدات النفط عن طريق الفساد والإفساد , تدمير البنى التحتية وتشليع المؤسسات العامة مثل مشروع الجزيرة , السكة الحديد , سودانير , النقل النهري , النقل البحري .. إلخ . وتحويل أصولها إلى شركات يمتلكها أفراد التنظيم الإسلامي ومن والاهم , تكوين المليشيات المسلحة بطابع آيدولوجي إسلامي أو طابع عنصري قبلي وإطلاق يدها لتخوض في حروب السلطة ضد بعض مواطني البلاد بذريعة محاربة التمرد . كل تلك الوقائع وقعت والسيد البرهان يترقى من رتبة لأعلى حتى بلغ الفريق أول _ لأنّه لا ينحدر من مجموعة مفز بالطبع_ وإلا كان قد لحقته اللاحقة التي لا راد لها (م) . تلك هي بيئة نبوغ قائد الجيش , وتتطوره المهني , وصلابة عوده التي خبرها فيه قائده ابن عوف , وتلك براءة الثوار أو حسن نواياهم . حتى بعد أن وقعت الواقعة , وأزهقت أرواحهم في مجزرة بشعة قادها أو خطط أو شارك فيها قائد الجيش نفسه أو أحيط بها علما على الأقل , ونفتتها كتائب خفافيش الظلام , وتورط فيها عناصر الدعم السريع في فخ نصب بعناية كما جاء في تصريح حميدتي نفسه بعد المذبحة مباشرة .
رئيس الوزراء الرابع ممن سبقوا كامل إدريس مباشرة , اسم ما أن يُذكر إلا وتذكر الثورة الشعبية والإرادة الجماهيرية . يحفظ التاريخ الخطوات الملموسة نحو إعادة بناء وطن بعد تدمير ثلاثين سنة , اطلاق سراح الشعب بعد أسر واحتجاز في قبو المشروع الحضاري , براح حريات عامة تم خنقها لثلاثة عقود ؛ دون الحق في التعبير والتنظيم بيوت الأشباح وزنازين خفافيش الظلام , دونها البشاعة حد توظيف (مغتصبين) لحماية دولة تمكين الدين. يحفظ التاريخ ؛ إعادة السودان للمحافل الدولية مرفوع الراس متبوعا بالتنويه والتقدير , يقول بذلك جوبايدن رئيس الولايات المتحدة الأمريكية منوها بشجاعة ونجاعة نساء السودان , تثير إعجاب ماكرون رئيس فرنسا فيوجه شباب بلاده للإقتداء بشباب السودان في سلميتهم وتحضرهم . تنفتح ابواب العالم الموصدة , ويقود عبدالله حمدوك بلاده خطوة خطوة بثقة نحو آفاق التغيير , شرعيته مستمدة من الشوارع التي لا تخون _لها المجد_ برنامجه واضح وصريح , بياناته خطط تنموية , ومعالجات للتعقيدات , وشفافية حد إدماء الفاسدين . لجنة إزالة التمكين تكشف المثير الخطير المخبوء عن العين لثلاثين سنة , عن عناصر جهاز الأمن المبثوثين في الخدمة العامة المدنية بما في ذلك القضاء والنيابة (مظان العدالة) والسفارات (واجهات البلد للخارج) ناهيك عن البترول والعمل الإنساني وآلاف المنظمات . تكشف اللجنة آلية الحساب التجميعي وكيف تدار الأموال العامة لمصلحة تنظيم الإسلاميين , وكيف وكيف وكيف , ورئيس الوزراء يضع النقاط فوق الحروف 82% من حركة الإقتصاد الوطني في حضن المؤسسات العسكرية بما فيها الدعم السريع, والأمنية الشرطة وجهاز الأمن والمخابرات . والأجهزة الموازية (كتائب الظل والخفافيش) .. إلخ , يدخل رئيس الوزراء مسنودا بشرعية الثوار ورافعة التغيير إلى عش الدبابير , ويتحدث عن التصدير لمواردنا بعد التحويل , وعن المناطق المحتلة من الجيران , وعن الأحزمة التنموية للنهوض بالسودان . يستمد قوته من شعبه الذي أسقط الكيزان .
ليجئ كامل إدريس , خجولا لا يمكنه نطق كلمة (سلام) في بلد تمزقه الحروب , يريد تحقيق الأمل لشعب منكوب , ملايين في حساب اللاجئين والنازحين ومئات الآلاف من القتلى والمصابين , لكنه لا يستطيع قول لفظ (سلام) , وقد تابعه المشاهدون في المؤتمر الصحفي المشترك مع رئيس الوزراء المصري , بدا لي الرجل مشدوها تتملكه (أم فريحانة) كما يحسن لساننا الشعبي التعبير بزيارة القاهرة , فيما تولى المسؤول المصري الرفيع فصل الخطاب , مسميا الوضع في السودان كما هو , مشيرا لفرار الملايين جراء الحرب الداخلية , منوها بدور بلاده في سبل وقفها ومعالجتها , فيما يكرر كامل (الطيب) عبارات الإنشاء السمجة (مثمنا عاليا) استضافة الهاربين من ويلات حرب الكيزان ضد الثورة , يصفها بالحرب المفروضة ؛ ولعله صدق في هذا التعبير إنْ تجرأ وأفصح عن المشعلين . لكنه لن يستطيع , ففي فيهه (كوز) ماء . ثمّ تراه يزعم تمثيل شعب السودان كله , يحمل إنحناءة (أمة) أمام مصر قيادة وشعبا , تبجيلا وتقديرا لدور سخي , وليس عليه تثريب , فبعض شعوب السودان لديه (وجوه غريبة) عن بلد الخور والترعة _في توصيف الزميلة رشا عوض_ . وسلفه عبدالله حمدوك , يطلقها بوضوح , لابد من الصراحة فييما يعكنن مزاج العلاقات السوية بين بلدينا , وفي وعي حمدوك كل شعوب السودان إذ ليس فيهم غريب الوجه واليد واللسان . يستند على شعار الثورة الخالد (حرية سلام وعدال) لكن دكتور الملكية الفكرية لا ينطق بالحرية , ويلوذ بالصمت والعدالة تذبح أمامه . إّنه مجرد طارئ في مواصلة مشوار الفشل , ولكن حتما سيشرق الأمل في يوم ما , ستشرق الشمس من خلف الضباب ويعود للوطن الشباب حتما نعود .
المصدر: صحيفة التغيير