عبدالله رزق أبو سيمازة


عبدالله رزق أبو سيمازة

إن إنشاء حكومة  موازية لحكومة الأمر الواقع، النازحة في بورتسودان، هو امتداد للحرب، بطريقة اخرى، بطريقة سياسية ودبلوماسية، ضمن مسعى، ينظر إليه كماراثون لاكتساب شرعية خارجية، اقليمية ودولية، في ظل المساعي المتواترة من أقسام مؤثرة من المجتمع الدولي لإنهاء الحرب، ومن قبل، إنهاء الانقلاب، الذي تشكل الحرب، احد افرازاته.

يستبعد هذا التحليل  رهان حكومتي الأمر الواقع، على الدعم الشعبي، وما يرتبط بذلك من شرعية. إذ أن حكومة بورتسودان، ونسختها الضرار، ما هما إلا نتاج الحرب، والاحتكام للسلاح، في ظل عقيدة ” المجد البنادق “، وليستا نتاج فعل الإرادة الشعبية، الراسخة في السلمية، والنهج المدني والديموقراطي، ورفض العنف، والحرب، وعسكرة الحياة السياسية.  وهو جماع لحمة ثورة ديسمبر وسداها، وخلاصة حكمتها، كما تتمثلها ادواتها وجمهورها، وفعلها في الشارع. ومن الطبيعي، أن يتسابق طرفا الحرب، لاكتساب تأييد خارجي، أو شرعية، من القوى الإقليمية والدولية، التي تجد في استمرار الحرب، ضمانا لمصالحها، إن لم تر فيها تهديدا للأمن والاستقرار في المنطقة، وتنشط في تغذية أطرافها بالسلاح. ووفق هذا المنطق، تراجعت حرب السودان إلى أدنى درجة من درجات الاهتمام الدولي، مقارنة بالنزاعات المماثلة في اليمن وفي الكنغو الديموقراطية  وغزة، على سبيل المثال.

غير أن افتراق هذا التطور، من تطورات مسار الحرب، عن إرادة الشعب، ومصلحته الملحة في إنهاء الحرب، يتعلق أكثر، من اي أمر آخر، بابتعاده عن ملامسة أهم مطالب الشعب، والمتمثلة في وقف الحرب فورا، ودون أي شروط مسبقة، ومن ثم دخول الأطراف في مفاوضات مباشرة للتوافق حول كيفية وشروط تحقيق السلام المستدام. فقيام حكومة هنا أو هناك، أو سقوطها، لا يعني الملايين من المشردين في المنافي والملاجئ أو العالقين في مسارح العمليات، في شيء، طالما أن تلك الحكومات، في كل أحوالها، قائمة أو ساقطة، لا تحقق السلام، والأرجح، أن التطور الاخير، في هذا الصدد من شأنه أن يعرقل اي جهود تبذل لإنهاء الحرب، من جانب، وتكرس تقسيم البلاد، الذي أحدثته الحرب، بما تبني عليه من أبنية سياسية وإدارية ودبلوماسية. وتشكل، من ثم، تهديدا خطيرا لوحدة البلاد، بالفعل، خاصة، في ظل التعثر الذي تشهده مسعي السلام الإقليمية والدولية طوال سنوات الحرب. إن هذا التعثر،  الذي يسهم بشكل مباشر في إطالة أمد الحرب، وإطالة امد معاناة المدنيين، بالنتيجة، قد يساهم، كذلك، في تكريس الانقسام كأمر واقع، كما هو الحال، في انقسام قبرص، قبل أكثر من خمسة عقود، وتأييد انقسام الصومال، في ثلاث جمهوريات. ان وجود انفصاليين، لهم قابلية التفريط في الوطن، شعبا وارضا، بجانب سابقة انفصالية، سيجعل من هذا المصير احتمالا  راجحا. ففلول نظام المقلوع عمر البشير، الذين سبق لهم أن دفعوا بالجنوب نحو الانفصال، وجعلوا من أبيي، الشمالية بموجب إطار مشاكوس نفسه، موضوعا للمساومة،  ليس ثمة وازع مبدئي او أخلاقي، يمنعهم من التخلي عن  المزيد من أجزاء الوطن . وقد المحوا لذلك، عندما أعلنوا استعادة الخرطوم نهاية للحرب، ما يشي بتقاصر عزمهم وهمتهم  عن استعادة كردفان ودارفور، وبقية المناطق التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع.

المصدر: صحيفة التغيير

شاركها.