صباح محمد الحسن

طيف أول:

الانتظار الذي يؤرق الشوارع، يحكي للمسافات أن ذاكرة الخُطى ماهي إلا مزيج ألحان لم تُختتم بعد!!

وتقع السلطة الانقلابية هذه الأيام تحت القصف السياسي الدولي ، في منطقة عُزلة قاتمة، تجلت في سلسلة مسيرات للقرارات الدولية ، تزامنت مع صدور بيان الرباعية الدولية.

وقد دأبت هذه السلطةالتي تتسم دبلوماسيتها بالضعف ، على إنكار الجرائم والانتهاكات الجسيمة التي ارتُكبت في ساحات النزاع، متجاهلة

بذلك الحقائق الدامغة التي وثقتها جهات مستقلة.

إن استمرار أطراف النزاع في نهجهم العدائي لم يفضِ إلا إلى تعميق المأساة الإنسانية، حيث ظل المواطن هو الضحية الأولى والأكبر، يدفع أثمانًا باهظة من حياته وكرامته.

وحذرنا مرارًا من الاستهانة بالقرارات والعقوبات الدولية، ومن تكرار نهج التهكم والسخرية الذي اتبعه النظام المخلوع، والذي لم يجنِ منه سوى العزلة والدمار.

إن إعادة إنتاج الخطاب الأحادي المتكلس، الذي تأسس منذ عام 1989 على شعارات جوفاء من قبيل “لن نُذل ولن نُهان”، لا يعكس سوى ضيق الأفق السياسي وانفصال العقلية الحاكمة عن الواقع.

فمن كان عزيز النفس بحق، لا يرضى بإهانة شعبه، ولا يتخذ من الكبرياء الزائف ستارًا لتبرير القمع والظلم والجريمة فالوطن لا يُبنى بالشعارات، بل بالعدالة، والمساءلة، واحترام إرادة الشعب.

وبالأمس، كشف التقرير السنوي لمفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان، والذي سيتم مناقشته الثلاثاء، الوجه الحقيقي لقناعة المجتمع الدولي وبلا شك فقد شكّل صدمة لطرفي الصراع، فالمشروع غطّى كل الجرائم التي ارتُكبت في السودان سيما دارفور من قبل قوات الدعم السريع، وضحايا القصف على المدنيين في مدن أخرى من قبل الجيش، وخلص إلى إدانة الطرفين.

وأشار إلى استخدام السلاح الكيماوي، وطالب حكومة الأمر الواقع بالتعاون مع منظمة الأسلحة الكيميائية للتحقق من صحة المزاعم.

كما قرر تمديد ولاية بعثة تقصي الحقائق الدولية المستقلة بشأن السودان لمدة عام واحد، بالرغم من الرفض القاطع لها من جانب الحكومة.

وأكد أنه يشجع البعثة على إيلاء العناية الواجبة لضمان تكامل جهودها مع جهود الجهات الأخرى، بما في ذلك الجهود الوطنية المستقلة للمساءلة والتحقيقات الإقليمية.

وطلب منها أن تقدم إلى مجلس حقوق الإنسان إحاطة شفهية بشأن عملها في دورته الثانية والستين، يليها حوار تفاعلي، وأن تقدم تقريرًا شاملًا في دورته الثالثة والستين.

ورحب مشروع القرار ببيان الرباعية، وكرر دعوته إلى وقف فوري وكامل لإطلاق النار من جانب جميع الأطراف، دون شروط مسبقة، وإنشاء آلية مستقلة لرصد وقف إطلاق النار، وإعادة تأهيل البنية التحتية الأساسية الحيوية، والتوصل إلى حل سلمي متفاوض عليه للنزاع، على أساس حوار شامل يملكه ويقوده السودانيون.

وأشاد المشروع بجهود القوى المدنية، وعلى رأسها “صمود”، وهو الأمر الذي يؤكد ما ذهبنا إليه سابقًا من أن القوى المدنية أبلت بلاءً حسنًا، في خدمة مشروع “لا للحرب” وانتصرت سياسيًا، بالرغم من الملاحقات والمطاردات والاتهامات التي طالتها من النظام الحاكم

كما لا بد من الإشارة إلى دور دبلوماسية الثورة، التي ظن البرهان أن إعفاء سفراء حكومة الثورة سيُنهي دورهم بنهاية تكليفهم، فما قدمته دبلوماسية الثورة لم تستطع دبلوماسية الحكومة هزيمته في المحافل الدولية!

ولأن الحصار الدولي على السلطة الانقلابية لا مفر منه، يبدو أن الولايات المتحدة الأمريكية حاولت الرد على الحكومة السودانية المترددة في الترحيب الرسمي ببيان الرباعية.

ولهذا صدر مشروع القرار الأمريكي في لجنة العلاقات الخارجية بالكونغرس، متزامنًا مع مشروع مجلس حقوق الإنسان، والذي يدعو إلى اتخاذ خطوات فورية مع لجنة الاعتمادات التابعة للجمعية العامة للأمم المتحدة لتفعيل المادة 29 من النظام الداخلي، من أجل نزع شرعية وجود أي تمثيل سوداني في الهيئات الدولية كممثلين شرعيين لجمهورية السودان، وذلك إلى حين أن يقرر الأمين العام أن السودان قد انتقل إلى حكومة مدنية أو حكومة منتخبة ديمقراطيًا.

وهذا ما قد يعني أن الحرمان لن يقتصر على قادة السلطة، لأن المشروع يرفض حتى (من يمثلها) . وإن تمّت إجازة المشروع، فقد يعيق مشاركة رئيس مجلس الوزراء، الذي من المقرر أن ينوب عن البرهان في حضور الجمعية العامة للأمم المتحدة.

طيف أخير:

القرار الجائر بحق الزميلة لينا يعقوب، ونكران جميلها خلال سنوات الحرب، يكشف أن السلطات السودانية تزعجها الحقائق إلى الحد الذي يجعلها تفشل حتى في صياغة القرار بطريقة صحيحة.

ما هذا الخوف الفاضح من الصحافة الذي يجعل يد السلطة تكتب بهذا الارتباك؟!

نقلاً عن صحيفة الجريدة السودانية

المصدر: صحيفة التغيير

شاركها.