التربية الإيجابية: حرية تنأى عن الفوضي ومسؤولية لا تعرف الخوف

بقلم: نخبة من معلمات ومعلمي مدرسة الاتحاد النموذجية

تَسَنَّت لنا فرصة ثمينة لحضور ورشة رائعة، هيّأتها لنا مدرسة الاتحاد النموذجية بالتعاون مع منظمة إنقاذ الطفولة. فكانت غاية في الأهمية، خاصة والصحبة كانت ثُلّة رائعة من المعلمات والمعلمين من مدرستنا الرائدة، ومدرستين أخريين لا تقلّان روعة. وقد يسّر الله لنا أروع الميسّرين المبدعين: الأستاذ أكمل (مصري) والأستاذة هويدا (سورية مصرية). فكان لزامًا علينا أن ننقل بعضًا من تلك الروعة في مقال نرجو أن يُسلّط الضوء على أهمية التربية الإيجابية.

في عالمٍ يموج بالتحديات النفسية والاجتماعية، وتشتدّ فيه الضغوط على الأُسر والمعلمين، تبرز التربية الإيجابية كمنهج تربوي إنساني متكامل، يعيد الاعتبار للطفل بوصفه كائنًا له حقوق، ويضع العلاقة بين الكبار والصغار على أسس من الاحترام المتبادل، والتفهُّم، والحزم اللطيف.

يتبادر إلى الأذهان سؤال مهم: ما هي التربية الإيجابية؟
ليست التربية الإيجابية مجرد طريقة لتقويم سلوك الطفل دون عنف، بل هي فلسفة تربوية تنظر إلى الطفل بوصفه متعلّمًا في طور النمو، يحتاج إلى التوجيه بالحب، والانضباط بالاحترام، والتشجيع بدلاً من العقاب. تعتمد هذه المقاربة على فهم مشاعر الطفل، وتعزيز شعوره بالانتماء والقدرة، وتمكينه من اتخاذ قرارات مسؤولة.

ولا بد من الإجابة عن السؤال التالي: لماذا نحتاج إلى التربية الإيجابية؟
في مجتمعاتنا، لا تزال العقوبات البدنية، والصراخ، والإذلال تُستخدم بوصفها أدوات “تأديب”، مما يخلّف آثارًا نفسية عميقة تبدأ بالانطواء والعدوانية، ولا تنتهي عند التمرّد أو كراهية السلطة. إن الطفل الذي يُربّى على الاحترام، والإصغاء، والتشجيع، ينشأ واثقًا من نفسه، قادرًا على التعاون، ومحترمًا للآخرين.

انتبهوا، أيها المعنيون بالأمر: التربية الإيجابية في البيت والمدرسة.

في البيت، تعني التربية الإيجابية أن يكون الأبوان قدوة حسنة، يضعان قواعد واضحة ويشرحانها، ويستمعان لمشاعر الطفل بصدق دون تهكُّم.

وفي المدرسة، تتجلّى في أساليب تعليم تحترم الاختلافات الفردية، وتُشرك التلاميذ في وضع قواعد الصف، وتستخدم التشجيع بدل التوبيخ، والحوار بدل الأوامر.

وللتربية الايجابية آثارها بعيدة المدى؛ إذ تشير الدراسات الحديثة إلى أن الأطفال الذين يُربَّون في بيئة إيجابية، هم أكثر قدرة على التحصيل الدراسي، وأقل عرضة للمشكلات السلوكية، وأكثر نجاحًا في علاقاتهم الاجتماعية مستقبلًا. إن التربية الإيجابية تبني جيلاً مسؤولًا، واثقًا، ومحبًّا، ومتصالحًا مع ذاته ومع مجتمعه.

وفي خاتمة المقال نقول:

في زمنٍ نحتاج فيه إلى إعادة بناء الإنسان قبل البنيان، تصبح التربية الإيجابية ضرورة وليست ترفًا.
إنها استثمار طويل الأمد في القيم، والسلوك، والصحة النفسية.

فكل كلمة طيبة، وكل استماع صادق، وكل احتضان في وقت الغضب، هو لَبِنة في بناء إنسان حرّ كريم، ومجتمع آمن يسوده العدل والاحترام.

المصدر: صحيفة التغيير

شاركها.