حركة جيش تحرير السودان تقود تحركات لبناء جبهة وطنية عريضة وسط تباين مواقف القوى السياسية السودانية حول «إعلان نيروبي»
قالت حركة جيش تحرير السودان بقيادة عبد الواحد محمد نور إنها ابتدرت تحركات لتكوين جبهة وطنية عريضة لإنهاء الحرب تضم كل المكونات السودانية ما عدا الحزب الحاكم السابق، تتجاوز كل الاصطفافات والتحالفات السابقة، منتقداً ما اعتبره خللاً بنيوياً في تلك التحالفات.
وقطع المتحدث باسم الحركة، محمد عبد الرحمن الناير، في تصريحات لـ” القدس العربي” أمس الإثنين، أن الإعلان الموقع بين قائد حركة جيش تحرير السودان عبد الواحد محمد نور، ورئيس الوزراء السابق، عبد الله حمدوك، جاء في سياق تلك التحركات.
وقال إن الحركة رفضت توقيع الإعلان مع حمدوك كرئيس لتنسيقية القوى الديمقراطية المدنية (تقدم) وإنما كرئيس وزراء البلاد السابق. وعزا ذلك إلى عدم اعترافهم بالتنسيقية والتحالفات التي رأى أنها تتكون من مجموعات قليلة تفرض على الآخرين مواقفها.
وشدد على بناء تحالف يشارك فيه الجميع منذ البداية وحتى النهاية، يخاطب القضايا الحقيقية وجذور الأزمة في البلاد.
وانتقد تحفظات بعض القوى السياسية على قضايا الإعلان، معتبراً ذلك محاولة للهروب إلى الأمام، وصولاً إلى المؤتمر الدستوري وتمرير ما أسماه “المشروع الإسلام عروبي” عبر الأغلبية الميكانيكية.
يأتي ذلك في وقت ما تزال تتوالى ردود الأفعال على الإعلان السياسي الموقع بين رئيس الوزراء السوداني السابق رئيس الهيئة القيادية لتنسيقية القوى الديمقراطية المدنية (تقدم)، عبد الله حمدوك، ورئيس مع قادة الحركة الشعبية شمال جناح عبد العزيز الحلو وجيش تحرير السودان الذي يتزعمه عبد الواحد محمد نور.
ونص الإعلان الموقع برعاية كينية على العمل معاً في المرحلة القادمة لمواجهة كل المخاطر التي تهدد السودان وإيجاد حلول لها، داعياً الجيش السوداني وقوات الدعم السريع للوقف الفوري لإطلاق النار تمهيداً للوقف الدائم للحرب والتعاون الجاد بإرادة حقيقية مع الجهود الإقليمية والدولية بما فيها منبر جدة.
وطالب الجانبين بالالتزام التام بمسؤولياتهما أمام القانون الدولي الإنساني بإزالة كافة المعوقات أمام العون الإنساني والسماح بالعون عبر دول الجوار وعبر الخطوط الموجهة بحيث تصل هذه المساعدات لكل المواطنين دون عوائق وتوفير الحماية لكل العاملين في الحقل الإنساني من منظمات دولية ومحلية.
ووجه الإعلان نداءً للشعب السوداني إلى الاصطفاف خلف الجهود الوطنية لوقف الحرب، داعياً إياهم للوقوف ضد خطاب الكراهية وعدم المساس بالوحدة الوطنية والنسيج المجتمعي وتفويت الفرصة على الدعوات الرامية إلى تمزيق وتفتيت الوطن بدلاً عن مواجهة جذور الأزمة الوطنية.
وفي أحد بنوده أشار الإعلان إلى أبرز القضايا الخلافية التي ظلت مثار جدل واسع، خاصة بعد اندلاع الثورة السودانية في ديسمبر/ كانون الأول 2018 والمباحثات التي سبقت تأسيس الحكومة الانتقالية وجولات مفاوضات السلام وصولاً إلى توقيع اتفاق سلام جوبا 2020 بعد انسحاب الحركة الشعبية جناح الحلو. كما ظل عبد الواحد محمد نور متمسكاً بحوار سوداني سوداني وامتنع عن الانخراط في مباحثات السلام.
وفيما اعتبرته بعض الأحزاب السياسية قضايا خلافية محل بحثها المؤتمر القومي الدستوري، نص الإعلان السياسي على علمانية الدولة و”حق الشعوب السودانية في ممارسة حق تقرير المصير، حال عدم تضمين مبادئ الإعلان في الدستور”.
وأبدى حزب الأمة القومي ترحيبه من حيث المبدأ بالإعلان وبكل جهد يصب في اتجاه إنهاء الحرب ومخاطبة الكارثة الإنسانية وحماية المدنيين واستعادة الاستقرار والتحول الديمقراطي.
وقال إن الإعلان تناول قضايا خلافية محل بحثها المؤتمر القومي الدستوري خاصة المتعلقة بطبيعة الدولة ومسألة الدين والدولة والهوية ونظام الحكم، مشيراً إلى ضرورة إجازتها بواسطة برلمان منتخب.
وأشار الحزب إلى تعقيدات المشهد السوداني بسبب الحرب، مبيناً أنه يعمل ضمن تنسيقية تقدم على نجاح المؤتمر التأسيسي لإدارة حـوار شفاف حول قضايا إعادة بناء الدولة السودانية؛ بغية التوافق على الرؤية السياسية للتحالف؛ ومن ثم مناقشة هذه القضايا بمشاركة كل الأطراف الوطنية في مائدة مستديرة لإيجاد حل للأزمة السودانية.
وقال التجمع الاتحادي إنه يرحب بكافة الجهود الرامية لتوسيع المظلة الجامعة للقوى المدنية الساعية لوقف الحرب واستئناف عملية الانتقال ووضع البلاد في مسار التحول المدني الديمقراطي.
وأشار إلى أن الإعلان اشتمل على العديد من القضايا الهامة التي تؤسس لمستقبل البلاد وضمان استدامة النظام المدني الديمقراطي.
ومن ناحية أخرى، أبدى الحزب تحفظه الواضح على طرح الإعلان لقضية “تقرير المصير” وربطها بموضوعات أخرى شائكة من بينها قضية “العلمانية”، مشيراً إلى ضرورة نقاشها في مائدة مستديرة وعبر المؤتمر الدستوري.
واعتبرت الجبهة الثورية التي تضم حركات مسلحة وتنظيمات سياسية إعلان نيروبي الموقع السبت الماضي في العاصمة الكينية نيروبي خطوة مهمة في اتجاه توسيع قاعدة الكتلة الرافضة لاستمرار الحرب “التدميرية” في السودان.
وأكدت على ما تضمنه الإعلان من مبادئ وأهداف، مشيراً إلى توافقه بشكل كامل مع رؤية الجبهة الثورية خاصة البنود المتعلقة بوقف الحرب والتأسيس لحكم مدني ديمقراطي فيدرالي يضمن حرية الدين والفكر وفصل الهويات الثقافية والإثنية والدينية والجهوية عن الدولة.
وجددت دعوتها للقوات المسلحة وقوات الدعم السريع من أجل العودة إلى طاولة المفاوضات دون تردد أو تسويف من أجل التوصل إلى وقف العدائيات وفتح الطريق لعملية سياسية شاملة تنهي كل حروب السودان بمخاطبة جذورها وأسبابها.
ورأى وزير العدل السوداني السابق، نصر الدين عبد البارئ، أن أبْرز ما تم النص عليه في إعلان نيروبي من أحكام هو العمل على المعالجة الشاملة لأزمات السودان التراكمية، لا عبر عملية انتقالية تقليدية، وإنما عَبْر “عملية تأسيسية”.
وقال إن المبادئ الأساسية التي نص عليها لازمة لبناء دولة جديدة، بما يتضمن الوحدة الطوعية وتأسيس دولة علمانية غير منحازة، تعترف بالتنوع وتعبِّر عن جميع مكوناتها بالمساواة والعدل وتأسيس حكم مدني ديمقراطي فيدرالي وضمان فصل الهُويات الثقافية والإثنية والدينية والجهوية عن الدولة (أي فك الارتباط بين الهُويات والدولة).
وكذلك شملت تلك المبادئ معالجة قضية انتهاكات حقوق الإنسان عبر العدالة والمحاسبة التاريخية وحق تقرير المصير للشعوب السودانية، في حال الفشل في تضمين هذه المبادئ في الدستور.
وأضاف أن “أكثر بنود إعلان نيروبي أهميةً على الإطلاق، والذي يعكس فهم القادة الثلاثة العميق للمدخل الصحيح والمنهج السليم لتنفيذ الأحكام التأسيسية المهمة الأخرى، هو الذي ينص على “تأسيس منظومة عسكرية وأمنية جديدة، وفقاً للمعايير المتوافق عليها دولياً، تفضي إلى جيش مهني وقومي واحد، يعمل وفق عقيدة عسكرية جديدة، يلتزم بحماية الأمن الوطني وفقاً للدستور”.
ورأى أن المنظومة الأمنية في السودان ظلتْ دوماً العقبة الكؤود أمام التغيير والاستقرار والنهضة، متهماً إياها بممارسة القهر والكبت والاستبداد، أحياناً كأداة بيدِ النخب السياسية الحاكمة، وفي غالب الأحيان بقيادة النخب العسكرية المهيمنة، حينما تقود هي بوجهٍ مباشرٍ الأنظمةَ السياسية.
القدس العربي ميعاد مبارك
المصدر: صحيفة الراكوبة