حرب من هذه؟ وما هو هدفها؟ السودانية , اخبار السودان
خراب سوبا
د. الباقر العفيف
الحلقة السابعة
الرأي قبل شجاعة الشجعان هي أول وهو المكان الثاني
فإذا هما اجتمعا لنفسٍ حرةٍ بلغت من العلياء كل مكان
المتنبي
تنبيه وتنويه
نشرتُ الجزء السادس من هذه السلسلة من المقالات، وشرعتُ في كتابة هذه الحلقة، ولكني دخلت المستشفى لإجراء عملية صغيرة، قبل اكتمالها. ولما خرجت من المستشفى وجدت المادة المُتُسَفِّلة التي عقب بها عادل الباز على نقدي لآرائه، وكذلك المقال الذي نشره الدكتور مجدي الجزولي معلنا فيه تضامنه معه. فرأيت إكمال ونشر هذه الحلقة أولا ثم الرد على مادتيهما بعد ذلك. وإن كانت لي من ملاحظة هنا تصلح كمؤشر إعلاني لمقالي القادم، فهي أن مقال مجدي التضامني مع عادل الباز يدل على أن الكيزان حققوا هدفا هاما من أهداف إشعالهم الحرب ألا وهو خلط الأوراق وإعادة الاصطفاف على أسس جديدة تستبدل البيئة السياسية التي خلقتها ثورة ديسمبر، والتي عزلتهم تماما. فكلنا نعلم أن الاصطفاف الذي صنعته ثورة ديسمبر المجيدة وضع الشعب السوداني الذي ينشد التغيير في جانب، والكيزان، وجهاز الدولة العسكري والمدني الذي يسيطرون عليه، والمنتفعين منهم، وكل سقط المتاع في الجانب الآخر. وبعبارة أخرى وضعت الثورةُ الشعبَ في الجانب الصحيح من التاريخ وأعدائه في الجانب الخطأ من التاريخ. ولعل مقال مجدي التضامني مع عادل الباز هو أصرح وأصرخ، وأوضح دليل على نجاحهم، من خلال إشعال الحرب، في خلق تلك البيئة الجديدة التي تجتذب لهم حلفاء، وتضمن قبولاً من خارج دوائرهم المعروفة. فهم مثلا كسبوا جزءا من مجموعة “غاضبون” بالإضافة لبعض من أسمتهم رشا “المثقفين النافعين”. إذن يبقى السؤال الأساسي الذي سأحاول معالجته من خلال المقال القادم هو “ما هي الدوافع التي تجعل شخصاً كمجدي الجزولي يجد المشترك بينه وبين عادل الباز، ومن يصطف بجانبهم (زي ناس المصباح قائد كتيبة البراء، وأنس عمر، والجزولي الداعشي، وتِرِك، وأردول)، أكبر من المشترك بينه وبين ياسر وخالد ورشا والحاج والباقر؟ وإني لأرجو أن تتوفر لي العافية لإخراج ذلك المقال قريبا.
المقدمة
أشرت في الحلقة السابقة إلى الخطاب المفتوح الذي أرسله ياسر عرمان لحميدتي، ناصحا له، باعتباره الآن المسؤول الأول عن حماية المواطنين الذين يقعون تحت سيطرة قواته، بعد الفشل المخزي لجيش الكيزان في حمايتهم. كما أنه المسؤول الأول أخلاقيا وقانونيا عن كل الانتهاكات والجرائم التي ارتكبتها قواته، أو أي قوات أخرى تستخدم زي قواته، في تلك المناطق، ضد المدنيين العزل. وإني لأرجو أن يستمع حميدتي، ويُصغي إلى نصيحة ياسر، وأن يتخذ إجراءات جادة وصارمة للحد من هذه الجرائم، وأن يشرف على تنفيذ تلك الإجراءات بنفسه. وأن تكون تلك الأفعال من الوضوح بحيث يراها الجميع. وأن يعمم التجارب الناجحة التي جرى فيها التنسيق والتعاون مع قادة المجتمعات المحلية مثلما حدث في طيبة ورفاعة وغيرها من المناطق الواقعة تحت سيطرة قواته. هذا هو التوجه الوحيد الذي سوف يساهم في تقريب الشقة بين خطابه السياسي والواقع الذي يكشف عن نفسه على الأرض. كما إنه أيضا التوجه الوحيد الذي ربما ينقذ البلاد من الوقوع في فخ الحرب القبلية والجهوية المكشوفة الذي نصبه الكيزان بإحكام، وبخبث ونذالة معروفين عنهم. لذلك فعلينا فعل كل ما في قدراتنا لتفادي الوقوع فيه، لأن الوقوع فيه ينذر بشر يفوق خيال أعتى الشياطين. فهو لن يمزق النسيج الاجتماعي لبلادنا وحسب، ولن يطيل أمد الحرب وحسب، ولن يفاقم من الموت والدمار والمجاعة والاغتصاب وإهدار كرامة الشعب كله بجميع أعراقه وقبائله وطبقاته ونسائه ورجاله وأطفاله وحسب، ولن يمحو ماضيه ويهدر مستقبله وحسب، ولن يحولنا إلى أمة من الذئاب والضباع وحسب، وإنما لن يكون لنا وجود بعدها. إذ سوف تدخل بلادنا الثقب الأسود. فإن فعلت، لا قدر الله ولا قضى، فلن تخرج منه، شأن كل شيء دخل الثقب الأسود. مما يعني ببساطة أنها سوف تخرج من الجغرافيا، وتدخل غياهب التاريخ.
حدث تاريخي مشابه
وعلى كل حال، فالتنبيه والتحذير الذي انطوى عليه خطاب ياسر هذا استدعى لذاكرتي حدثا تاريخيا مشابها مرتبطا بأسرتي، وتحديدا بجدي لأبي مختار محمد، المعروف بمختار العامل، وكان عامل الخليفة عبد الله ود تورشين على الجزيرة. هذا الحدث يمثل جزءا من التاريخ الشفهي الذي وصلنا متواترا أبا عن جد، ولكن وثّق أحداثه كل من بابكر بدري ويوسف ميخائيل في مذكراتهما.
“حرب كرامة” أخرى قبل أكثر من قرن وربع
عندما أمر الخليفة عبد الله التعايشي عبد الله ود سعد بإخلاء المتمة لجيش محمود ود أحمد، نصحه أحد شيوخ الجعليين وحكمائهم، ممن عركتهم التجارب، وخبر الحرب وما تحمله من شرور، بتنفيذ أمر الخليفة، وإخلاء المدينة، وذلك حفاظا على حياة القبيلة وعرضها. نصحه بأنه ليس من الحكمة أن يقابل قوة محمود ود أحمد التي تفوقه أربعين ضعفا في العدد ومثلها أو قريبا منها في العتاد. مذكرا له بأنها معركة خاسرة، ونتائجها معروفة سلفا. فهي ستسفر عن قتل رجال القبيلة واستحياء نسائها بغرض السبي. فأجابه ود سعد بكلمة واحدة، عبارة عن سؤال استفزازي مثل أسئلة عادل الباز الاستفزازية لياسر وخالد: قال له “خُفتَ؟” فرد عليه الشيخ قائلا: “بخاف أنا؟ آوْليْد آغْشَيِّم؟ يا العدوك في النَّقعة وفزعك في الريف”؟، في إشارة لقرب جيش محمود ود أحمد منه، وبُعد جيش كتشنر، الذي يبدو أن ود سعد كان يراهن عليه لمده بالأسلحة النارية التي كان يفتقر إليها، والمقصود “بالريف” مصر.
انفصل الرأي عن شجاعة الشجعان. وانتصرت مزايدة ود سعد على الشيخ الحكيم. ونجح استفزازه لمشاعر الجعليين واستثارة عواطفهم، ورفع (تِرمُومِتر) غشامتهم، خصوصا عندما قال لهم أنه ما زالت تؤلمه قولة “قام نمر من شندي”. إنها “حرب الكرامة” إذن. وسوف يخوضها ود سعد مهما فَدَح الثمن. فود سعد يتصورها حرب كرامة القبيلة، والشيخ الحكيم يدرك إنها “حرب كرامة ود سعد” الخاصة به وحده، لكنه أقحم القبيلة كلها فيها. كان الشيخ الحكيم يدرك أن مغامرة ود سعد الانتحارية ستعود على الجعليين بنكبة سوف تسير بذكرها الركبان عبر الحقب والأزمان. وسوف تهدر كرامتهم. وقد كان.
ما أشبه الليلة بالبارحة
فهل يا ترى نرى شبها هنا؟ يسمى الكيزان حربهم “حرب الكرامة” ويوهمون الشعب أنها من أجل كرامة أهل السودان التي أهدرها الدعم السريع. وهي في الحقيقة حربهم الخاصة التي بدونها تنعدم فرصهم في العودة إلى السلطة. إنها حرب استعادة الفردوس المفقود، الذي لا طريق إليه إلا عبر هزيمة الثورة التي أطاحت بهم، والانتقام من الشعب الذي لفظهم. ولذلك أشعلوها في عاصمة البلاد، ودكوا البيوت على رؤوس ساكنيها، حتى قبل أن يحتلها الدعم السريع، وجعلوا الشعب يدفع مستحقاتها من دمه وماله وعرضه. وسرعان ما تكشفت نتائجها. إهدارٌ كاملٌ لكرامة الملايين من السودانيين الذين نزحوا وتشردوا وجاعوا، وضياع كامل لعروض آلاف النساء والفتيات اللائي اختطفن واغتصبن، وقيل أن بعضهن بيع في أسواق النخاسة داخل وخارج البلاد. يا لها من كرامة.
ورغم ذلك ظلت الآلة الإعلامية الكيزانية تركز على جرائم الدعم السريع وكأنها هي سبب الحرب، مع أنها نتيجة الحرب التي بدأوها هم. وظل هدف رسالتهم الإعلامية هو سوق الناس إلى إدانة الدعم السريع على جرائمه والصمت عنهم هم. أما الدعم السريع، فقد ذكرنا بعض جرائمه أعلاه بالإضافة لتلك الجريمة التي يكاد يتفرد بها من شدة اتساع نطاقها، ألا وهي استباحة الولايات والمدن والقرى التي وصلتها جحافلهم، ونهبها بصورة ممنهجة، ونقل ثرواتها وممتلكات مواطنيها إلى مناطق أخرى داخل وخارج السودان. هذا بالإضافة لاحتلال البيوت وانتهاك الحرمات. بيد أن الكيزان وحلفاءهم المثقفين النافعين يريدون لنا أن ندين المليشيا بأعلى صوت بينما نغمض أعيننا نحو جرائمهم وخوازيقهم مع أنها أكبر وأفظع وأشنع من جرائم الدعم السريع وبما لا يقاس، وذلك لأنهم هم مسؤولون، بالإضافة للجرائم التي اقترفتها أيديهم الآثمة، عن جميع الجرائم التي ارتكبتها صنيعتهم أيضا. وهذا ما يؤكده الدين الذي يتشدقون به. ألم يقل النبي الكريم ” من سن سنة حسنة فله أجرها، وأجر من عمل بها من دون أن ينقص من أجورهم شيئا، ومن سن سنة سيئة فعليه، وزرها ووزر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيئا”؟ بلى قد قال. والكيزان لم يسنوا سنة سيئة وحسب، وإنما صنعوا آلة للقتل والسحل والسلب، ووزرها كله معلق في عنق الكيزان، دون أن ينقص ذلك من وزر المليشيا شيئا. فقد اعترف الكيزان بلا خجل أن جيشهم له رحم، وأنه عاشر جنا أحمر، حبل منه بالمليشيا، وحملها وهنا على وهن، حتى ولدها. ثم أرضعها من حرام، وألبسها من حرام، ونَشَّأها على الحرام، إلى أن بلغت واكتمل نموها، فعلمها (الرماية كل يوم)، وأطلق يدها في الشعب ترتكب فيه الموبقات، وكل ما هو محرم في شرائع السماء والأرض، على مدى سنين طويلة، ظل فيها الكيزان وجيشهم يدافعون عنها، ويسبحون بحمدها، ويبررون جرائمها ضد الشعب، كونها كانت “تثلج صدورهم”. والآن، عندما استنفذت أغراضها بالنسبة لهم، وآن أوان التخلص منها، أنساهم الله أنه قد (اشتد ساعدها)، فلما بدأوها بالعدوان، (رَمَتْهُم)، وفَرَمَتْهُم، جزاء وفاقا.
فالموقف الصائب إذن هو إدانة جرائم الطرفين من ناحية، وإدانة من تفرد بصناعة المليشيا وبإشعال الحرب وفَتّح أبواب جهنم من ناحية أخرى. فبينما للدعم السريع جريرة تتمثل في جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبوها، للكيزان وجيشهم وميليشياتهم جرائر ثلاث. الأولى هي أمومتهم للدعم السريع، كما سلفت الإشارة، والثانية هي إيقاظهم الفتنة وإشعالهم الحرب. والثالثة هي جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبها جيشهم وميليشياتهم الداعشية.
عودة لحرب الكرامة الأولى
وبعكس ود سعد الذي تسبب في نكبة القبيلة، ولكنه ضحى بنفسه، لقاء كرامته الشخصية، فإن قادة الكيزان الذين اتخذوا قرار الحرب لم يضحوا بأنفسهم ولا بحيواتهم، بل ظلوا موفورين آمنين ومُرَفَّهين هم وأبناؤهم داخل وخارج البلاد، وفدوا أبناءهم بذبح عظيم من أبناء الفقراء المجهلين المهملين المستغلين المستغفلين ليموتوا نيابة عنهم. وأيضا بعكس حرب كرامة ود سعد الذي لم يخطط تخطيطا متعمدا لإهدار كرامة الجعليين، بل جاءت نكبتهم نتيجة افتقاده الحكمة والرأي، فإن حرب الكرامة الخاصة بالكيزان، خُطِّط لها وقُصِد منها إهدار كرامة الشعب السوداني الذي لفظهم انتقاما منه. والآن دعونا نرجع إلى التاريخ لننظر ماذا كانت نتيجة حرب الكرامة التي خاضها ود سعد بشجاعة أسطورية، ولكنها عارية من الرأي مجردة من الحكمة. كتب نعوم شقير عن معركة المتمة قائلا:
“هجم محمود ود أحمد ورجاله على المدينة وقتلوا عبد الله ود سعد ورجاله على بكرة أبيهم، وسبوا من النساء ثلاثمائة وستة وستين ومن الرجال قتلوا ألفان، وارتكب رجاله من المنكرات ما تقشعر منه الأبدان وكانت النساء يلقين بأنفسهن في النيل يفضلن الموت على حياة الفضيحة والعار”.
أرسلت النساء الأسيرات بالوابور لأمدرمان لخليفة المهدي بغرض السبي، وقد جردهن جنود ود أحمد من ثيابهن وتركوهن عرايا كما ولدتهن أمهاتهن. وهنا حدثت الحادثة التي كان بطلها جدنا مختار، وأرسل من خلاله رسالة تحذيرية للخليفة عبد الله مفادها أنه إن سمح بسبي نساء الجعليين، فتصبح أمدرمان بالنسبة له “أضيق من خرم الإبرة”. وقد وردت الحكاية في مذكرات بابكر بدري كالآتي:
“جاءني في أحد الأيام موسى يعقوب وأخبرني أن مختار محمد (العامل) محموم. وطلب مني أن أقوم معه لنزوره فركبنا. ولما وصلنا وجدنا معه ملازمية الأمير العظيم يعقوب (أخ الخليفة). وهم علي أحمد فضيل، وآدم جديد الحريري، ودودية بدوي وآخر يدعى داؤود وكلهم من قبيلة الجوامعة من غرب السودان. وكان أمامهم سموار نحاس أصفر فيه ماء لصنع الشاي. وبينما كنا نتحدث سمعنا صوت الوابور الآتي بنساء المتمة ممن قُتِل أو أُسِر ولاة أمورهن. فنهض داؤود قائما وضرب جبته على وركه بيده نشطا، وقال (بلفظه) “كب أمشي لخليفة المهدي يديني جعلية أسويها سرية. فما أن أتم كلامه إلا ونهض مختار المريض ورمى ثوبه الذي كان مؤتزرا به وقام بسرواله فقط وضرب داؤود صفعة كادت أن تلقيه على الأرض وضرب السموار برجله وقال: “وكمان تشرب شاي في بيتي تشرب سم”.
أسرع الشيخ بابكر بدري للخليفة علي ود حلو وذهبا سويا للخليفة يسابقان الزمن في محاولة لإنقاذ رقبة مختار قبل أن يصله الملازمية. ولكن عندما وصلا مجلس الخليفة كان داؤود قد فرغ من إبلاغ الخليفة شكواه ضد عامله مختار. وبعد فترة صمت طويل رفع الخليفة رأسه وقال ما معناه جزى الله مختار عنا كل خير. “الجعليات ما بيسبوهن”. وأمر بتسليم النساء لذويهن. وقد فصل يوسف ميخائيل في مذكراته كيف أن هؤلاء النساء كن عاريات في الزريبة، وكيف كان أقاربهن ومعارفهن وغيرهم من أهل الخير الذين ذهبوا لاستلامهن يلقون إليهن بالثياب ليستترن ثم يخرجن.
الشاهد في الأمر هو أن مختار، عندما أطلق تحذيره ذلك، لم يكن يملك جيشٌا يستطيع أن يسير به لملاقاة الخليفة، ولكن كان يملك الشجاعة التي مكنته من قول الحق في وجه السلطة الغاشمة، وكان على أتم استعداد لتحمل النتائج. وكان من الممكن للخليفة أن يُستَفَز ويركب رأسه ويقتله صبرا كما قتل العديد من قادته وأمرائه. ولكن ربما كان التاريخ سيغير مجراه في وجهة أخرى.
وبالقدر نفسه الآن، ليس لياسر عرمان قوة يقابل بها قوة حميدتي وآلته العسكرية الضخمة، التي هرب الجيش أمامها في مواقع عديدة، ولكن يملك القوة على قول الحق والرأي الصائب أمام سطوته وسلطته. وهو بطبيعة الحال، بخلاف مختار، لا يواجه خطرا من حميدتي يهدد حياته، إذ قصار ما يصيبه منه هو ألا يستمع لنصيحته ويهملها، أو أن يغضب منه ويلومه عليها. ولكن المشترك بين المشهدين هو صواب النصيحة هنا وصواب التحذير هناك. فإن استمع حميدتي للنصيحة اليوم، مثلما استمع الخليفة لتحذير مختار بالأمس، فمن المؤكد سوف يغير مسار التاريخ. إذ قد تحمله على بذل جهود حقيقية تثبت براءته الشخصية من جرائم قواته بالدليل الملموس. إذ سيراه الناس يبذل جهودا تتجاوز الإنكار والتبرير. جهودا تتجاوز القول بأن هناك متفلتين ضمن قواته، أو أن هناك من جاءوا لفزعه وهم في الحقيقة جاءوا للغنيمة، أو أن أفراد الاستخبارات العسكرية وكتائب الظل والمجرمين والحرامية العاديين كلهم يرتكبون الجرائم في زي قواته، أو قوله إنه أعلن موافقته على لجان التحقيق الدولية وأنه مستعد للتعاون معها، بينما رفضها الجيش، وغيرها من الحجج التي يرددها هو ومستشاروه. بل يتوجب عليه إطلاق حملة تطهير ضخمة أهدافها الواضحة تنظيف قواته من المجرمين، والسيطرة على النهّابة والكسَّابة الخارجين عن سلطته. وإلقاء القبض على عناصر الاستخبارات العسكرية وغيرها التي يتهمها باستخدام زي قواته لارتكاب الجرائم باسم الدعم السريع لتشويه سمعته كما يزعم. عليه أن يقدم الإثبات للرأي العام على هذه الادعاءات. وعليه كذلك التقدم بخطة لاسترداد المسروقات وتعويض المتضررين. إن أي شيء أقل من تلك الإجراءات غير كاف لتغيير صورة قواته الشائهة في الأذهان الآن، رغم مواقفه السياسية المتناغمة مع ما يريده الشعب والمجتمع الدولي والإقليمي. أما الضيق والتبرم من النصيحة الذي أبداه بعض مستشاريه، فإنه يسير في الاتجاه المعاكس للحكمة، وإن سادت مثل هذه المواقف بينهم، فسوف تكلفهم وتكلف البلاد ثمنا أفدح مما هو حاصل الآن بكثير. إذ سوف تدخل بلادنا الثقب الأسود الذي ما منه خروج إلا من جغرافيا العالم كما أشرت سابقا. الله (يكضب الشينة). وينتقم ممن كان السبب.
#اللهم لا ترفع للكيزان راية ولا تحقق لهم غاية وأجعلهم للعامين عبرة وآية.
د.الباقر العفيف
المصدر: صحيفة التغيير