حرب “الكرامة” المزعومة … وفضيحة الخيانة المكشوفة

حسن عبد الرضي الشيخ
لطالما احترف متزعمو حكومة “بورتو كيزان” فن التزييف والتضليل، إذ يلبسون الباطل ثوب الحق، ويطلقون على الخيانة والغدر أسماء بطولية تخفي حقيقتها القبيحة. وها هم يطلقون على حربهم العبثية زوراً وبهتاناً اسم “حرب الكرامة”، وهي أبعد ما تكون عن الكرامة؛ بل هي حرب قائمة على الانتقائية والازدواجية الصارخة.
ما يجري في السودان اليوم يطرح تساؤلات عميقة : كيف تُترك القوة الأساسية لما يسمى بـ”مليشيا الدعم السريع” تغادر الخرطوم نهارًا جهارًا عبر جسر جبل أولياء، دون اعتراض أو استهداف، بينما يُقتل الأبرياء في بري، وجنوب الحزام، وكافوري، والأزهري، ومايو وغيرها لمجرد الاشتباه في تعاونهم مع تلك المليشيات؟ أي كرامة هذه التي تتحول فيها المعركة إلى تصفية حسابات انتقامية، تُدار بروح الإقصاء والغدر، لا برؤية وطنية ولا بمبدأ واضح؟
لقد انكشفت المسرحية، واتضح أن ما يسمونه “الكرامة” ليس سوى غطاء لأجندات خفية، تُترك فيها القيادات المنظمة دون مساس، بينما يُلاحق المواطن البسيط ويُعدم بلا محاكمة. إن المواطن المتطلع إلى الحرية والكرامة هو المستهدف الوحيد من الحرب. إنها ذات سياسة الرعب والبطش التي مارسها وما انفك يمارسها كيزان السوء لعقود، يقتلون بدم بارد، ثم يغمرون وسائل الإعلام بخطابات مزيفة عن البطولة والتضحية.
وإذا كانوا يبررون القتل لمن تعاون مع الدعم السريع، فأين العقاب لمن أسس هذه القوة، وموّلها، ومنحها صلاحيات الدولة ومقدراتها، بل وأهدى قائدها جبلًا من الذهب؟ ماذا عن “الوهمان” و”القشير”، اللذين رعيا هذا الوحش ونمّياه و”دوعلاه”؟ وماذا عن ضباط الجيش الكبار الذين كانوا يحيّون محمد حمدان دقلو التحية العسكرية وهم صاغرون، رغم افتقاره لأدنى مؤهل عسكري؟ أين “كاسات”، و”الكضباشي”، و”صلاح المخولق”؟ وأين “كيكل” الذي مارس القمع والانتهاكات في صفوف الدعم السريع وبعد “تحرير” الجزيرة المزعوم؟ بل أين سائر الضباط الذين منحوا حميدتي الشرعية والسلطة والمنعة؟
الجميع يعلم أن شباب ثورة ديسمبر المجيدة هم أول من رفعوا الصوت ضد الدعم السريع وقيادته، مرددين : “العسكر للثكنات، والجنجويد ينحل”، واسترقوا واخترقوا الزمن بتبنيهم شعار : “يا برهان ثكناتك اولى، مافي مليشيا بتحكم دولة”، فكان مصيرهم القتل والسحل أثناء الثورة، وبعد انقلاب البرهان المشؤوم، وأثناء هذه الحرب العبثية، والآن يُستهدفون مجددًا بعد انسحاب الدعم السريع من المدن، بعد هوجة زعم تحرير الخرطوم والجزيرة! فيتم تطهير المدن لا من المليشيات، بل من الثوار، ومن لجان المقاومة، ومن دعاة وقف الحرب والحالمين بالحكم المدني! إنها مفارقة تكشف حجم الكذب والخذلان!
هذه ليست حرب كرامة، بل خدعة لخيانة جديدة. ليست معركة للدفاع عن الوطن، بل مؤامرة لحماية فئة فاسدة نهبت البلاد، وسعت إلى إعادة إنتاج سلطتها القمعية عبر الدم والدمار. الكرامة الحقيقية لا تُنال بتصفية المواطنين الأبرياء، بل بكشف مؤامرات الإخوان، ووقف سفك الدماء، وتحقيق العدالة، وبناء دولة تحترم الإنسان وتُعلي من كرامته.
السودانيون اليوم أمام لحظة فاصلة : إما أن يدركوا أن ما يجري هو استمرار لحكم الاستبداد بأسماء وشعارات جديدة، أو يُسمح مرة أخرى لهؤلاء بإعادة تدوير أنفسهم، وإعادة إنتاج المأساة.
معركتنا اليوم ليست فقط معركة سلاح، بل معركة وعي. وعي يكشف زيف الشعارات، ويعرّي الخداع. لقد آن الأوان لكشف هذا الوهم، وفضح هذه المسرحية الرديئة الإخراج والتي تتخذ من الكرامة قناعًا، بينما تمارس أبشع أشكال الإهانة والخيانة.
[email protected]
المصدر: صحيفة الراكوبة