اخبار السودان

حرب السودان… عام ثالث من الموت والجوع والنزوح واللجوء

سودانيون غادروا مخيم زمزم، 13 إبريل 2025 (فرانس برس)

على مدار عامَين من الحرب المستعرة، تعرّض ملايين الأشخاص في مناطق السودان المختلفة، وفي دول اللجوء إلى الجوع والعَوَز والأمراض، وتشاركوا مشاعر الخوف والقلق والمعاناة.

دخلت الحرب في السودان عامها الثالث، إذ اندلعت في 15 إبريل/نيسان 2023 بالعاصمة الخرطوم، بين الجيش السوداني وحليفه السابق قوات الدعم السريع، وامتدت سريعاً إلى أجزاء واسعة من البلاد مخلفة عشرات آلاف القتلى والجرحى، وملايين النازحين داخلياً واللاجئين في دول الجوار، ما يجعل وصف “أسوء كارثة إنسانية” يناسبها تماماً.
لا توجد أرقام دقيقة لأعداد النازحين داخل السودان مع تسارع وتيرة الحرب التي ظلت تمتد من مكان إلى آخر، ما يدفع الناس للفرار تجنباً للانتهاكات التي أصبحت سمة هذه الحرب. وفي آخر تقديراتها، قالت منظمة الهجرة الدولية في إبريل/نيسان الحالي، إن نحو أربعة ملايين سوداني عبروا الحدود إلى الدول المجاورة منذ اندلاع الصراع في إبريل 2023، بينما تشير تقديرات محلية إلى أن أعداد النازحين داخلياً تتجاوز 11,3 مليون شخص، موزعين على 10,285 موقعاً في 185 محلية في جميع ولايات السودان الثماني عشرة.
ويقول المتحدث باسم منسقية النازحين واللاجئين بإقليم دارفور، آدم رجال، لـ”العربي الجديد”، إن أعداد النازحين واللاجئين من إقليم دارفور منذ بداية الحرب أصبحت كارثية، وإن سكان 112 مركزاً للإيواء داخل مدينة الفاشر، أكبر مدن الإقليم، نزحوا مجدداً خلال الأسابيع الماضية، عقب تجدد القتال في المدينة.
وأوضح أن 4440 شخصاً غادروا مدينة الفاشر إلى المخيمات في جبل مرة، وبعضهم لجأ إلى خارج السودان في الفترة ما بين 3 و12 إبريل، بعد تكثيف قوات الدعم السريع الهجوم على المدينة، وأن 17 مخيماً جديدة أقيمت في منطقة طويلة بجبل مرة.

نحو 4 ملايين سوداني عبروا الحدود إلى دول الجوار منذ بداية الحرب

وتواجه مفوضية اللاجئين صعوبات في حصر أعداد اللاجئين في دول جوار السودان، وكشفت الأمم المتحدة في 12 إبريل الماضي، أن آلاف السودانيين يفرون يومياً إلى دول الجوار، مؤكدة أن الحرب في السودان خلفت “أكبر أزمة إنسانية في العالم”، وفصلت بقولها: “يحتاج ثلاثين مليوناً في السودان إلى المساعدة، من بينهم 25 مليوناً يعانون من الجوع الحاد، مع توقعات بزيادة الأعداد”.
وبحسب المفوضية، يبلغ عدد اللاجئين السودانيين في أوغندا 129 ألف لاجئ، 86% منهم يعيشون في كمبالا، و14% في المخيمات. من مخيم كرياندنقو بيالي في أوغندا، يقول اللاجئ السوداني عباس عزت، إن “أوضاع اللاجئين السودانيين في أوغندا غاية في السوء نتيجة عدم قدرتهم على التكيف مع ظروف البلد، وصعوبة توفير متطلبات الحياة اليومية من مأكل ومشرب”، ويوضح لـ”العربي الجديد”: “يعيش اللاجئون في أوغندا في مخيّمات بسيطة أقيمت داخل قرى نائية عدّة في مقاطعات مختلفة، من بينها مخيم نيومانزي قرب حدود دولة جنوب السودان، ومخيم كرياندنقو، وفي ظروف بالغة السوء. بعض اللاجئين الذين وصلوا حديثاً يعانون من حالات جوع شديدة، ويعتمدون كلياً على وجبات تقدمها لهم تكايا خيرية في المخيمات التي تأويهم”.
ويعيش في أوغندا آلاف اللاجئين الذين فروا من مناطق سودانية مختلفة هرباً من الانتهاكات التي صاحبت الحرب، ولا يزال تدفق السودانيين نحو أوغندا مستمراً، وارتفعت وتيرة الفرار من مدينة الفاشر ومخيمات أبو شوك وزمزم وأبوجا بولاية شمال دارفور عقب احتدام القتال بها أخيراً.
داخل أحد مخيمات اللجوء في أوغندا، تعيش السودانية مريم أدم مع أطفالها الثلاثة، وقد وصلوا حديثاً من إقليم دارفور، وتقول لـ”العربي الجديد”، إنهم قطعوا المسافة بين قريتهم في جنوب الفاشر إلى أوغندا في 40 يوماً، ويقيمون حالياً في خيمة صنعت من مواد محلية بعد الحصول على بطاقة الإقامة التي تمنحها أوغندا للاجئين، التي يتمتعون بموجبها بالإقامة الكاملة في البلد لمدة خمس سنوات، لكنهم يعيشون وضعاً مأساوياً، ولا يجدون ما يأكلونه سوى وجبات صغيرة يحصلون عليها من المطابخ الخيرية.

توفير الطعام اليومي أبرز مشاكل النازحين، 13 إبريل 2025 (فرانس برس)

من بنغازي في ليبيا، تقول اللاجئة السودانية نورة إبراهيم لـ”العربي الجديد”، إنها فرت من مدينة ود مدني في ولاية الجزيرة عندما اجتاحتها قوات الدعم السريع في ديسمبر/كانون الأول 2023، وبعد مخاطرة كادت تودي بحياتها عبر الصحراء، دخلت ليبيا بطريقة غير نظامية، واستقرت في بنغازي مع أطفالها ووالدتها، وإنها تعتمد في توفير قوتها على العمل في المنازل بمقابل مادي، وإنها تسعى حالياً لجمع المال من أجل العودة إلى السودان بذات الطريقة، كونها لا تملك مقدرة مالية لشراء تذاكر العودة بالطُرق النظامية.
ويُقدّر عدد اللاجئين السودانيين في ليبيا بنحو 200 ألف شخص، وفقاً لأحدث تقديرات مفوضية اللاجئين الصادرة في يناير 2025.
من مدينة الكفرة، تقول آمنة حامد القادمة من مدينة الفاشر، إنها لم تستطع حتى اللحظة تعديل أوضاعها القانونية؛ لأنها عاجزة مالياً عن الوصول إلى المفوضية، إلى جانب مخاوفها من جرائم الاختطاف مقابل الفدية، التي تمارسها عصابات في ليبيا منذ سنوات، وأفادت بأن مئات السودانيين في ليبيا لم يتمكنوا من تقنين أوضاعهم عبر مفوضية اللاجئين، ما يشير إلى أن الأرقام الحقيقية أكبر بكثير من الأعداد التي جرى تسجيلها.
وقالت مفوضية اللاجئين إن نحو 600 ألف سوداني جرى تسجيلهم في مصر، وأكثر من 700 ألف لاجئ في تشاد، في حين قالت الحكومة المصرية في وقت سابق، إن عدد اللاجئين السودانيين يتجاوز 1,2 مليون شخص، وقدرت الحكومة التشادية أن عدد اللاجئين السودانيين قد يرتفع إلى ما يقارب المليون بحلول نهاية عام 2025.

رحلات نزوح السودانيين محفوفة بالمخاطر، 13 إبريل 2025 (فرانس برس)

ويواجه اللاجئون السودانيون في مصر معاناة كبيرة لتوفير احتياجاتهم اليومية بعد تطاول أمد الحرب، وتوقف المساعدات التي كانوا يحصلون عليها من أقاربهم. تقول السودانية عائشة التي فرت من أم درمان إلى مصر بعد اشتداد المعارك، إنها تفضل العودة على البقاء في مصر، لكنها متمسكة بالبقاء حتى لا تخسر أطفالها بعد أن قُتل والدهم برصاصة طائشة في أم درمان قبل مغادرتهم السودان.
وفي 11 إبريل الماضي، اعترفت مفوضية اللاجئين بتدهورٍ مستوى التمويل الإنساني، وقالت أنها لم تشهد له مثيلاً على مدى عقودٍ من الزمن. وخلال العاميين الماضين، فشلت مناشدات الأمم المتحدة في جمع تمويل كافٍ لمعالجة الوضع الإنساني للنازحين واللاجئين السودانيين، ووفقاً لتقرير حديث، لم تتلق خطة الاستجابة الإقليمية حتى الآن سوى 10% من قيمة التمويل المطلوب، ما يجعل تلبية الاحتياجات الأساسية مهمةً مستحيلة.
وأشار تقرير أممي إلى أن تراجع حجم المساعدات يعرّض البرامج الإنسانية الضرورية للخطر، ويدفع طواقم العمل لاتخاذ قرارات صعبة، بينما يُجبر اللاجئون على اتباع استراتيجيات سلبية لتلبية أبسط احتياجاتهم.
وتوقفت عشرات التكايا الخيرية التي كانت تقدم الطعام للنازحين في أم درمان والخرطوم، وكشف أحد أعضاء لجان الطوارئ التي تشرف على التكايا، الذي فضل عدم ذكر اسمه، أن 31 تكية في أم درمان توقفت بسبب نقص التمويل، و26 تكية أخرى توقفت في الخرطوم، ما أفقد آلاف الأشخاص فرصة الحصول على وجبات الطعام اليومية.
وتحاول وزارة الرعاية الاجتماعية بولاية الخرطوم إخلاء 20 مدرسة كانت تستخدم مراكزَ إيواء من أجل بدء العام الدراسي للمرحلتين الابتدائية والمتوسطة، واعتبر أعضاء من لجان الطوارئ بالولاية قرار إخلاء مراكز الإيواء بأنه “متعسف”، وقال ثلاثة منهم، فضلوا عدم كشف هوياتهم لدواعٍ أمنية، إن ولاية الخرطوم تريد التخلص من عبء إعاشة النازحين، وبحجج غير منطقية ولا مقبولة.

في إقليم كردفان، ضاعفت قوات الدعم السريع المنسحبة من الخرطوم معاناة السكان في نحو 36 قرية تقع ما بين مدينة تندلتي بولاية النيل الأبيض (وسط) ومدينة الأبيض حاضرة ولاية شمال كردفان، وبدأت موجة نزوح جديدة نحو المناطق التي استردها الجيش السوداني مؤخراً رغم أنها تفتقر إلى الخدمات الأساسية مثل المياه والكهرباء والرعاية الصحية.
نزح أحمد الطاهر بأسرته إلى مدينة الرهد الواقعة شرق مدينة الأبيض، ويقول إن مئات الأسر نزحت للمرة الثالثة خلال العامين الماضيين بعد أن فقدوا ممتلكاتهم ونفدت مدخراتهم، وأصبحوا ينتقلون من مركز إيواء إلى آخر بحثاً عن الأمن المفقود.
ويواجه النازحون داخلياً وسكان المُدن التي استردها الجيش مؤخراً من الدعم السريع ظروفاً غاية في السوء، إذ تضاعفت أسعار المواد الغذائية، ويعانون من ندرة مياه الشرب وانقطاع الكهرباء، وفي 9 إبريل الماضي، أعلنت شركة كهرباء السودان توقف تشغيل سد مروي الذي يغذي شبكة الكهرباء القومية، ونتج عن توقف عمل مضخات السد انقطاع التيار الكهربائي عن ولايات عدّة.

المصدر: صحيفة الراكوبة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *