حرب السودان تزيد عدد «اللاجئين» إلى «120» مليون شخص حول العالم
على خيمة متهالكة تواجه الطقس القاسي، بغابات الأولالا في إقليم أمهرة الإثيوبي، كان يوسف، البالغ من العمر (12) عامًا، يحاول بشجاعة أن يكون “رجلاً” لعائلته. يساعد والدته في البحث عن الماء والطعام
التغيير:كمبالا: سارة تاج السر
عندما تبدأ درجات الحرارة بالانخفاض وتهطل الأمطار، يشعر الصبي يوسف بالقلق على شقيقته الصغيرة ذات التسع سنوات التي تعاني من مشاكل بالجهاز التنفسي، خاصة في ظل عدم توفر الأدوية اللازمة.
يوسف وشقيقته يمثلان (65%) من أعداد اللاجئين البالغ عددهم (9) ملايين شخص أجبروا، على الفرار من مناطق القتال بعد اندلاع حرب منتصف أبريل من العام الماضي بين الجيش والدعم السريع، حيث لجأ بعضهم إلى مصر وتشاد وإثيوبيا وجنوب السودان وأفريقيا الوسطى وأوغندا ودول أخرى.
يقول يوسف لـ«التغيير»: “نفتقر إلى مأوى آمن وموارد أساسية مثل الماء النقي والغذاء” وأضاف “كما تتعرض حياتنا باستمرار للخطر بفعل العنف المسلح والهجمات اليومية”.
مأساة متواصلة
وقُتلت لاجئة سودانية، وأُصيب أربعة آخرون الأحد الماضي في هجوم شنته عصابة مسلحة مجهولة الهوية على العالقين السودانيين في إقليم أمهرا الإثيوبي
وخرج أكثر من (6) ألف لاجئ سوداني بداية الشهر الماضي، من معسكري اولالا وكومر، الذي يبعد حوالي (20) كيلومترا من الحدود السودانية الإثيوبية، بسبب التهديدات الأمنية في المنطقة، وتوجهوا سيرا بالأقدام إلى إقليم قندر للاعتصام أمام مقر الأمم المتحدة، وأثناء تحركهم وعلى مسافة تبعد (3) كليومترات من المعسكر، تم إيقافهم من قبل السلطات واحتجازهم منذ الأول من مايو وحتى الآن.
جهود ولكن
الكاتب والصحفي الإثيوبي المهتم بالشأن السوداني، أنور إبراهيم أحمد قال في مقابلة مع «التغيير» إن التوترات لا تزال تسيطر على الوضع، حيث شهدت الأيام الأخيرة اشتباكات بين مليشيات محلية قرب المعسكر أدت إلى إصابات متفاوتة وسط اللاجئين، وحوادث أخرى، بما في ذلك هجمات على السيارات التي كانت تتحرك في المنطقة، مما تسبب في وفاة سيدة وإصابة آخرين.
وأكد إبراهيم أن حكومة بلاده تبذل جهودها للسيطرة على الوضع في ظل الحراك الذي تقوم به المفوضية السامية لشؤون اللاجئين والسفارة السودانية وبعض الجهات المهتمة بالملف، حيث الحديث مستمراً حول مستقبل اللاجئين والخيارات المتاحة أمامهم.
أما في مصر، فقد تضاعفت أعداد السودانيين الراغبين في التسجيل لدى مفوضية اللاجئين (3)مرات، وفقا لتصريحات المتحدثة باسم المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، رولا أمين لـ”الجزيرة نت”.
وقالت أمين “بعد أن كنا نستقبل (800) طلب في اليوم الواحد وصل هذا العدد إلى ما بين ألفين و(3) آلاف طلب يوميا، وهذا يمثل عبئا كبيرا على مكاتبنا في القاهرة والإسكندرية”.
وبيّنت المتحدثة أن هذه الأرقام تنعكس سلبا على واقع اللاجئين، إذ يطول وقت الانتظار، ولا يتم إنهاء المعاملات بالسرعة التي يتمنونها”، وأضافت”رغم أننا ضاعفنا إمكانياتنا وعدد الزملاء الذين يعملون في التسجيل والعمل حتى في أيام العطل”.
مسؤولة أممية:العجز في الموارد المالية يمثل “عائقا كبيرا” أمام المفوضية من أجل تلبية كل احتياجات المسجلين لديها ومتابعة أوضاعهم المعيشية والصحية
وفي ما يتعلق بمحاولة فتح مكاتب جديدة للمفوضية على الحدود المصرية وتسجيل اللاجئين فور دخولهم، بدل المشاق التي يتحملونها حتى الوصول إلى القاهرة أو الإسكندرية، أشارت أمين إلى أن المنظمة الأممية “في نقاش مستمر مع الحكومة المصرية لتخفيف القيود على من يدخل إلى مصر”. وتابعت أنه “حتى الآن لم نتمكن من الحصول على الأذونات المناسبة والتسهيلات”.
وعن شكاوى اللاجئين السودانيين من الأوضاع التي يعانون منها حتى بعد التسجيل في مفوضية اللاجئين، أوضحت المسؤولة الأممية، أن العجز في الموارد المالية يمثل “عائقا كبيرا” أمام المفوضية من أجل تلبية كل احتياجات المسجلين لديها ومتابعة أوضاعهم المعيشية والصحية”
وذكرت الأمم المتحدة، في أبريل الماضي، على موقعها الرسمي أنه “منذ أبريل 2023، تضاعف عدد اللاجئين السودانيين المسجلين لدى المفوضية في مصر خمسة أضعاف ليصل إلى (300) ألف شخص، وهو ما يمثل أكثر من (52) في المئة من إجمالي عدد اللاجئين المسجلين في البلاد.
(51) حالة وفاة
أعلنت منصة اللاجئين في مصر، أنه من خلال مصادر مطلعة ووثائق رسمية حتى 17 يونيو، تم رصد (51) حالة وفاة لسودانيين وصلوا مستشفيات أسوان، وأكدت أن العدد مرشح للزيادة، فضلا عن المفقودين في أثناء العبور إلى مصر، بسبب ارتفاع درجة الحرارة في محافظة أسوان، وتسببت الموجة الحارة في وفاة 40 شخصا على مدار أربعة أيام،
بحسب ما وثقته “المنصة”، فإنه بين 7 و9 يونيو الجاري، لقي (40) شخصًا من المهاجرين غير النظامين الذين يعبرون الصحراء مصرعهم بينهم أطفال ونساء وأسر كاملة، بينما أبلغت عشرات العائلات عن فقدان ذويهم في أثناء رحلتهم إلى الأراضي المصرية كما وصل عشرات المصابين إلى مستشفيات مختلفة في أسوان.
بينما تم الإبلاغ عن حوادث وفاة؛ بسبب العطش والحروق جراء التعرض لحرارة الشمس العالية لوقت طويل، فقد تم الإبلاغ عن حالات أخرى ماتوا أو أصيبوا جراء حوادث للسيارات التي تقلهم.
وأفاد ناجون أن عدد المفقودين في الصحراء أكبر من العدد الذي وصل إلى المستشفيات حتى الآن، وأكدت المنصة أن السلطات المصرية تحتجز الناجين من المصابين في المستشفيات، ليتم ترحيلهم قسرا، إلى السودان بعد تماثلهم للشفاء.
مكبلو الأيدي كالمجرمين
في ذات السياق أصدرت منظمة العفو الدولية “أمنيستي” تقريرا حديثا، بعنوان “مكبلو الأيدي مثل المجرمين الخطرين” يدين ممارسات السلطات المصرية ضد السودانيين، بما في ذلك الاعتقالات التعسفية والاحتجاز القسري بدون محاكمة، والتي تتضمن إجراءات غير قانونية ومخالفة للقانون الدولي
ونشرت (العفو) تفاصيل وشهادات عن قيام السلطات المصرية بتنفيذ عمليات اعتقال تعسفي واحتجاز وترحيل لسودانيين، من بينهم لاجئون مسجلون لدى مفوضية اللاجئين.
استنادا على آراء بعض المختصين، فإنه لا يمكن فصل السلوك المصري على الحدود عن التمويلات الأوروبية السخية للنظام المصري، في إطار مكافحة الهجرة غير النظامية، حيث دعم الاتحاد الأوروبي مصر بمبلغ 5 ملايين يورو عام 2023 من أجل استقبال اللاجئين السودانيين، وفي دفعة أخرى خصص مبلغ 20 مليون يورو للوافدين السودانيين الجدد، لتغطية احتياجاتهم من الغذاء والمياه والصرف الصحي ومواد النظافة، فضلا عما سميّ بـ” الشراكة بين الاتحاد الأوروبي ومصر” بقيمة 8 مليارات دولار، تشمل مكافحة الهجرة كإحدى الأولويات الأساسية لتلك الشراكة.
(120) مليون لاجي
مع ذكرى الاحتفال باليوم العالمي للاجئين الذي صادف أمس الخميس، فقد كشف تقرير الاتجاهات العالمية للنزوح القسري لعام 2024، الذي أصدرته المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، الأسبوع الماضي، إن الحرب “الأهلية السودانية” كانت من العوامل الرئيسية التي أدت إلى ازدياد أعداد اللاجئين إلى (120) مليون شخص حول العالم
وأوضح التقرير أن الحرب ومنذ اندلاعها في أبريل 2023، أدت إلى نزوح أكثر من تسعة ملايين شخص، ليصل عدد السودانيين الذين اضطروا لمغادرة ديارهم نهاية عام 2023 إلى نحو 11 مليون شخص، وفق المفوضية. وقال مفوض الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين فيليبو غراندي : “كثيرون ما زالوا يفرّون إلى تشاد المجاورة التي استقبلت نحو (600 )ألف سوداني خلال الأشهر الـ(14) الأخيرة”. وأشار إلى أن “المئات والمئات يعبرون يومياً من بلد مدمّر إلى أحد أفقر بلدان العالم”.
المصدر: صحيفة التغيير